إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الخير والشر

في الآية ٢١٦ من سورة البقرة يقول تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

فقد فُرض عليكم أيها المسلمون القتال، يعني قتال المشركين.

واختلف أهل العلم في الذين عُنوا بفرض القتال:

– قال بعضهم: عني بذلك أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً دون غيرهم.

– وعن ابن عباس، في قوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ”، قال نسختها (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [سورة البقرة: 285].

– قال أبو جعفر: وهذا قول لا معنى له، لأن نسخَ الأحكام من قبل الله عَزَّ وجلّ، لا من قبل العباد، وقوله: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخٌ منه.

– وقيل: لا ينبغي للأئمة والعامة ترك القتال والجهاد ، فأما الرجل في خاصة نفسه فلا.

– وقال آخرون: هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية، فيسقطُ فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين، كالصلاة على الجنائز وغسلهم الموتى ودفنهم، وعلى هذا عامة علماء المسلمين.

– قال أبو جعفر: وذلك هو الصواب عندنا لإجماع الحجة على ذلك، ولقول الله عز وجل: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [سورة النساء: 95]، فأخبر جل ثناؤه أنّ الفضل للمجاهدين، وأن لهم وللقاعدين الحسنى، ولو كان القاعدون مضيِّعين فرضًا لكان لهم السُّوأى لا الحسنى.

والقتال كما وصف القرآن هو ذو كره لكم، وقيل (كُره لكم) أي كُرّه إليكم حينئذ.
“والكُره” بالضم: هو ما حمل الرجلُ نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه”، والكَرْهُ” بفتح ” الكاف”، هو ما حمله غيره، فأدخله عليه كرهًا.
وقيل: الكُرْه: المشقة، والكَرْه: الإجبار.

وقد كان بعض أهل العربية يقول: “الكُره والكَره” لغتان بمعنى واحد، مثل: “الغُسْل والغَسْل” و “الضُّعف والضَّعف”، و ” الرُّهبْ والرَّهبْ”. وقال بعضهم: ” الكُره” بضم “الكاف” اسم و “الكَره” بفتحها مصدر.

ثم جاء قوله تعالى :(وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ).

فلا تكرهوا القتالَ، فإنكم لعلكم أن تكرهوه وهو خيرٌ لكم، ولا تحبوا تركَ الجهاد، فلعلكم أن تحبوا ذلك وهو شر لكم.

إن لكم في القتال الغنيمةَ والظهور والشهادة، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين، ولا تُستْشهدوا، ولا تصيبوا شيئًا.

روي عن ابن عباس: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن عباس ارضَ عن الله بما قدَّرَ، وإن كان خلافَ هواك، فإنه مثبَتٌ في كتاب الله. قلت: يا رسول الله، فأين؟ وقد قرأت القرآن، قال: في قوله: “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”.

وقيل: إن هذه قاعدة هامة تسري على جميع ما قد يحبه الإنسان ويكرهه في حياته وليست للقتال فقط.

ثم يقرر المولى بأن الله يعلم ما هو خيرٌ لكم، مما هو شرٌّ لكم، فلا تكرهوا ما كتبتُ عليكم من جهاد عدوكم، وقتال من أمرتكم بقتاله، فإني أعلم أنّ قتالكم إياهم، هو خيرٌ لكم في عاجلكم ومعادكم، وترككم قتالهم شر لكم، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم، يحضّهم جل ذكره بذلك على جهاد أعدائه، ويرغِّبهم في قتال من كفر به.

والثمرة المستفادة من هذه الآية إنما تتمحور حول فكرة قبول أقدار الله والرضا بها وعدم التأفف مما قدره الله تعالى، فما يبدو خيرًا وفق إدراكنا القاصر هو لشر ربما في علم الله الواسع وما يبدو شرًّا أو بلا فائدة في وقتنا الحاضر وبنظرتنا الجزئية الضيقة قد يحمل في طياته الخير والبشرى، وهذا ما يحيطه الله بعلمه و لا يحيطه البشر فالغيب يعلمه الله.

وكم من خيارات وفرص أهدرها الإنسان وهو يظنها شرًّا وفيها خير وفير، وكم من أمور تبناها وفرح بها لأنها كانت مغرية ولامعة ويتضح بعد ذلك أنها بلا فائدة ترجى كقطعة نحاس بالية بل قد تجلب عليه أذى وسوءًا.

ومثال ذلك: شخص ما تتمسك به في حياتك ويكون لا خير فيه بل سوءه أكثر من خيره، ومثال على العكس من ذلك: فرصة عمل أو زواج أو غيرها يرفضها أحدهم بطرا وتكون فاتحة خير وسعادة ويندم على هدرها فيما بعد.

لهذا سُنَّت الاستخارة وطلب المعونة من الله في الاختيار ومحاولة التأني وعدم الانبهار بالقشرة دون المضمون.

نسأل الله سداد الأمر وحسن التصرف بما فيه خيرنا دومًا.

بقلم/ د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

‫55 تعليقات

  1. قال أبو جعفر: وهذا قول لا معنى له، لأن نسخَ الأحكام من قبل الله عَزَّ وجلّ، لا من قبل العباد، وقوله: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخٌ منه. اتفق معك

  2. لمست التماسك بين الفقرات والتدرج بها من فقرة إلى أخرى؛ لإيصال الفكرة إلى القارئ

  3. راعت الكاتبة ارتباط الأفكار في المقال بشكل وثيق، ولكن كنت أتمنى مزيدًا من التفصيل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88