نبذة عن الشاعر أبي العتاهية
نبذة عن الشاعر أبي العتاهية -إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي ، أبو إسحاق، وهناك رأيان في نسبه، الأول أنه مولى عنزة والثاني “أنه عنزي صليبة وهذا قول ابنه محمد وما تأخذ به عدد من الدراسات الأكاديمية”
، ولد في عين التمر سنة 130هـ/747م، ثم انتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، واتصل بالخلفاء، فمدح الخليفة المهدي والهادي وهارون الرشيد.
أغر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار بن برد وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.
ومع أن أبا العتاهية بدأ حياته مع المجَّان والمتخنثين، وفساق الشعراء، وكان في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين، فإن بواكير شعره كانت في الزهد ووصف الموت وأحواله، ونزل (الحيرة) وهي قريبة من الكوفة، فهوى امرأة نائحة من أهل الحيرة لها حسن وجمال، وتُدعى سعدى، وكان ينظم لها الشعر الذي تنوح به على الموتى، وكانت سعدى مولاة لبني معن بن زائدة، وقد أدت صلته بها إلى خلاف ومهاجاة بينه وبين عبدالله بن معن بن زائدة
كان العتاهي حامل رسالة في الحياة ذات هدفين: اجتماعي وأخلاقي جوهره الوعظ والتذكير بالموت والتهذيب، والثاني فني هو التعبير عن هذه المعاني بأسلوب شعري سمح بعيد عن الغريب، يفهمه العامة فيتغنون به؛ فشعره تجربة ناجحة في الشعر المبسط الذي يقرّب المسافة بين الشعر والنثر، وهذا دليل على عبقريته.
نشر ديوانه لويس شيخو في بيروت سنة 1914. ثم قام بتحقيقه شكري فيصل ونشره بدمشق عام 1965
مُقتطَفات من حياة أبي العتاهية كانت نشأةُ أبي العتاهية مُتواضعةً جدّاً؛ حيثُ صنعَ أهلُه الفخّارَ، فكان يشاركُهم في صُنعِها، وبَيعِها، يحملُها على ظهرِه في أرجاءِ الكوفة، وعندما كبُرَت مدينةُ الكوفة، واتَّسَعت، وسادَ الرخاءُ فيها، ظهرت جماعات بطبعٍ ماجنٍ خليعٍ تنظمُ الشِّعرَ، حيث كان أهلُ هذه الجماعات يتنقّلون بين مجالسِ اللهو، والفِسقِ، ويوغلون في المفاسدِ من الأمورِ، علماً بأنّهم أطلقوا على أنفسهم لفظَ الظرف، وكان منهم: مطيعٌ بن إياس، ويحيى بن زياد، وحمادُ بن عجرد، وغيرهم، أمّا أبو العتاهية فقد خالطَهم فترةً، فضلاً عن انضمامِه إلى مجالسِ العِلم، والزُّهد، والعبادة، إلّا أنّه ما لبث أن بدأَ بنَظْمِ الشِّعرِ الذي أنشدَه على مسامعِ فتيانِ الكوفةِ الذين أُعجِبوا به، واهتمّوا بروايته، ثمّ أصبح طُلّابُ الأدبِ، والشِّعر يقصدونَه؛ ليُنشد الشِّعرَ لهم، وكانوا يكتبون أشعارَه على ما يتكسَّرُ من جرارِه الخزفيّة.
وفي أيام الرشيد عاد الشاعر يتغزل بعتبة والسعي للزواج منها؛ حدث أبو العباس يحيى بن ثعلب قال: “كان أبو العتاهية قد أكثر في مسألة الرشيد في عتبة، فوعده بتزويجها، وأنه يسألها في ذلك، ثم دعا به وقال: “ضمنت لك يا أبا العتاهية، وفي غد تُقضى حاجتك إن شاء الله”، وبعث إلى عتبة: “إن لي إليك حاجة، فانتظريني الليلة في منزلك”، فأكبرت ذلك وأعظمته وصارت إليه تستعفيه، فحلف ألا يذكر لها حاجته إلا في منزلها، فلما كان الليل سار إليها ومعه جماعة من خواص خدمه، فقال لها: “لست أذكر حاجتي أو تضمنين قضاءها”، قالت: “أنا أَمَتُك وأمرك نافذ فيما خلا أمر أبي العتاهية، فإني حلفت لأبيك رضي الله عنه بكل يمين يحلف بها بر وفاجر، وبالمشي إلى بيت الله الحرام حافية، كلما انقضت عني حجة وجبت علي أخرى، لا أقتصر على الكفارة، وكلما أفدت شيئًا تصدَّقت به إلا ما أصلي فيه”، وبكت بين يديه فرقَّ لها ورحِمها، وانصرف عنها، وغدا عليه أبو العتاهية، فقال له الرشيد: “والله ما قصرت في أمرك ومسرور وحسين ورشيد وغيرهم شهود لي بذلك”، وشرح له الخبر؛ قال أبو العتاهية: “فلما أخبرني بذلك مكثت مليًّا لا أدري أين أنا قائم أو قاعد، وقلت: الآن يئست منها؛ إذ ردتك وعلمت أنها لا تجيب أحدًا بعدك”، فلبس أبو العتاهية الصوف، وقال في ذلك من أبيات
وأبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون ولكنه كف عن حياة اللهو والمجون، ومال إلى التنسك والزهد، وانصرف عن ملذات الدنيا والحياة، وشغل بخواطر الموت، ودعا الناس إلى التزوّد من دار الفناء إلى دار البقاء وكان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. وهجر الشعر مدة، فبلغ ذلك الخليفة العباسي هارون الرشيد، فسجنه ثم أحضره إليه وهدده بالقتل إن لم يقل الشعر، فعاد إلى نظمه.