تشكيل وتصويرفن و ثقافة

مخطوطات إسلامية بالمزادات العالمية

عرضت دار سوثبى، للمزادات العالمية فى لندن، مصحفا مزخرفا مكتوبا بخط الشيخ مصلح الدين سعدى (توفي 1291/92 م)، يرجع إلى الهند، ربما دلهى، منذ نحو عام 1800، وقدر سعره ما بين 20 إلى 30 ألف جنيه إسترلينى، وتم بيعه بـ 88.200 ألف جنيه إسترلينى.

المصحف عبارة عن 597 صفحة، بالإضافة إلى ورقتين، تضمان 15 سطراً فى كل صفحة، مكتوبة بخط النستعليق الأسود، قواعد بين الأعمدة الذهبية والأسود، نص داخل قواعد ذهبية ومتعددة الألوان، عناوين باللون الأحمر، فى غلاف جلدى مطلى بالذهب ، مع أزواج من الورق الرخامى.

وكانت دار سوثبى قد سبق وباعت ثلاثة أغلفة ضخمة بالخط العثمانى، ترجع إلى القرن السابع عشر، وقدرت الأغلفة الضخمة للبيع ما بين 80 ألفا إلى 120 ألف جنيه إسترلينى، لكن تم بيعها بـ107 آلاف جنيه إسترلينى.

والمخطوطة تتكون من 15 سطراً مكتوبة بالخط الكوفي المطول بالحبر البنى الداكن، علامات التشكيل على شكل نقاط حمراء وخضراء، وفواصل مقلوبة بالذهب ومحددة باللون البنى الغامق، وعناوين السور بالذهب محددة بالحبر البنى الداكن ومحاط بإطار.

المخطوطات الإسلامية يقصد بها التراث الإسلامي المكتوب بخط اليد. وقد عُنِي المسلمون بالمخطوطات عناية كبيرة لكونها السبيل الوحيد للحفاظ على ما أنتجه العقل من علوم ورسائل. وكانت في بدايتها تتعلق بالقرآن الكريم وكذلك الأحاديث النبوية أو ما يتعلق بهما ويخدمهما، فجعلوا منها تحفًا فنية ثمينة وتركوا فيها تراثا فنيا عظيمًا. ويكفي أن نشير إلى حجم هذا التراث الإسلامي من خلال ما تحتفظ به متاحف ومكتبات العالم، إذ يوجد بمدينة إسطنبول وحدها ما يربو على مئة وأربعة وعشرين ألفًا من المخطوطات النادرة، معظمها لم يدرس من قبل، هذا بخلاف ما يوجد في مصر والمغرب وتونس والهند وإيران وسائر المتاحف والمكتبات العالمية.[1]

تطورت صناعة المخطوط الإسلامي بشكل لم يسبق له مثيل في أي فن من الفنون السابقة على الإسلام في دقّة زخارفها المذهَّبة وجاذبية صورها وإبداع ألوانها وجمال خطها ورشاقته، إذ تشهد على ما وصل إليه فن صناعة المخطوط في العصر الإسلامي. والعناية بجودة الخط أمر طبيعي في العالم الإسلامي، فقد كان الخطاطون يتمتعون بمكانة مرموقة فيه، وبخاصة في العراق وإيران ومصر وتركيا، لاشتغالهم بكتابة مخطوطات المصاحف إلى جانب نسخ مخطوطات الأدب والشعر، ولذا تقدّم فن تحسين الخط تقدمًا كبيرًا وبخاصة بعد أن اهتمّ الأمراء والسلاطين بهذا الفن، فأقبلوا على شراء المخطوطات الكاملة أو النماذج من كتابة الخطاطين المشهورين، وكانت أكثر هذه النماذج من الآيات القرآنية أو الأدعية أو أبيات الشعر، وجمع منها الهواة المرقّعات (الألبومات) الفاخرة. وكان الخطاط يذيّل مخطوطه بتوقيعه فخرًا بخطّه، ولذا حفظت لنا المخطوطات الإسلامية أسماء كثير من الخطاطين في العصر الإسلامي. كما اهتمت كتب التراجم بشخصيات الخطاطين، وقد دفع الإقبال الكبير على اقتناء المخطوطات الإسلامية الخطاطين إلى تطوير ما تنتجه أيديهم من مخطوطات، فحرصوا على استخدام الورق في التدوين، واختيار نوع المداد، وأشركوا معهم فنانين آخرين من مُذَهِّبين ورسامين ومصورين ومجلدين. لتتمّ بهم عناصر صناعة المخطوط الإسلامي.

استعملت الأنواع المختلفة من جلود الأنعام المدبوغة في الكتابة في الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعده، حيث سُمِّيت الجلود المستعملة في الكتابة الأديم أو الرَّق وهي مصنوعة من جلود البقر والإبل والغنم والحُمُر الوحشية والغزلان، وتُدْبَغ هذه الجلود وتُرَقّق لتصبح ناعمة رقيقة ملساء يمكن الكتابة على وجهيها، وقد اشتهر رَقُّ الغزال في كتابة المصاحف، كما استعمل الرّقّ الأبيض والأحمر والأزرق وأفضلها الرق الأبيض.

ساعد استخدام الورق في الكتابة على تطوّر صناعة المخطوطات في العالم الإسلامي. ويعود الفضل في اختراع مادة الورق إلى الصينيين الذين أنتجوه في القرن الأول الميلادي، مستخدمين في صناعته سيقان نبات الخيزران (البامبو) المجوفة والخرق البالية.

وقد نقل المسلمون صناعة الورق عن الصينيين، وذلك عندما تمكن المسلمون من الاستيلاء على سمرقند عام 751م واستبقوا عددًا من أهل الصين من صُنّاع الورق الذين قاموا بإطلاع العرب على أسرار صناعته. ومنذ ذلك الوقت أدخلت صناعة الورق إلى بغداد ومنها انتقلت إلى سوريا ومصر والمغرب العربي ثم إلى الأندلس التي كان لها الفضل الأول في نشر صناعة الورق في أوروبا. تطوّرت صناعة الورق في إيران بشكل أكبر عن مثيلتها في الأقطار الإسلامية الأخرى، حيث استطاع الإيرانيون في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي أن يصنعوا ورقًا فاخرًا من الحرير والكتّان، كما عنوا بضغطه وإكسابه بعض الألوان وتلميعه، ليليق بتدوين دواوين الشعر التي كانت تكتب عليه بالخطوط الجميلة، وتُذَهَّب بالصورة الملوّنة، التي كانت تحلّى بها المخطوطات. وتشهد مجموعة المخطوطات الفنية التي أنتجت في إيران وتركيا والهند والعراق ومصر على ما وصلت إليه الفنون الإسلامية من تطور في التصميم، ودقة في التنفيذ، وروعة في التلوين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88