عين زبيدة دليل عظمة الفكر الهندسي الإسلامي
تعد عين زبيدة التاريخية أهم وأقدم شبكة مائية في مكة المكرمة على مدى قرون؛ عين زبيدة دليل عظمة الفكر الهندسي الإسلامي إذ ظلت تمد الحجاج والزوار والمعتمرين وأهل مكة المكرمة بالمياه لمدة تربو على ألف ومائتي عام.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
يعود تسمية عين زبيدة بهذا الاسم إلى أمة العزيز بنت جعفر بن المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد وأم ولده الأمين، والتي اشتهرت باسم “زبيدة” لأن جدها المنصور كان يداعبها في طفولتها ويقول لها زبيدة انت زبيدة، فعُرفت بذلك وهي من أمرت بإنشاء هذه العين.
كانت السيدة زبيدة تؤدي فريضة الحج، وأثناء ذلك أدركت مدى الصعوبات التي تواجه الحجاج من تعب وإرهاق بسبب نقص المياه وهم في طريقهم إلى مكة، فعلى الرغم من أن معاوية بن أبي سفيان في عهده ما بين عام 40-60 هـ، كان يجري المياه إلى مكة في القنوات الممتدة من العيون والآبار، إلا أنها كانت تنضب، فقامت زبيدة بشراء جميع الأراضي في وادي النعمان الواقع في شرق مكة، وأبطلت البساتين التي كانت فيها، وأمرت بحفر قنوات مائية تتصل بمساقط الأمطار، على أن تشق قناة للمياة في الجبال، يكون لها فتحات لأقنية فرعية أطلق عليها “عين مشاش” و”عين ميمون” و”عين الزعفران” و”عين البرود” و”عين الطارقي” و”عين تقبة” و”الجرنيات”، تتجمع فيها مياه السيول ليزيد حجم المياه الممدودة إلى مكة، وكان ذلك في عام 186هـ.
بلغ طول هذه العين ما يقرب من 40 كيلو مترًا، ووصل عمقها إلى نحو أربعين مترًا تحت الأرض وهي مبنية من الحجر المخرم، وشيدت بحيث تصل إلى المشاعر المقدسة على سطح الأرض، واستغرق بناءُها نحو 10 سنوات، وكان يتراوح منسوب المياة فيها ما بين 20 و30 ألف متر مكعب، يقل ويزيد وفقًا لمنسوب المطر.
تتكون قنوات “عين زبيدة” من جزئين الأول وهو الجزء الذي تتجمع فيه المياه ويوجد تحت سطح الأرض ويبدأ من نقطة الأمية التي تتجمع فيها روافد وادي النعمان العلوية ومن بينها أودية “عرعر”، و”الشراء”، و”مجاريش”، و”يعرج، و”علق”، على أن تنقل هذه المياه عن طريق الانحدار الطبيعي إلى عرفات والمزدلفة ومنى ومنها إلى بيت الله الحرام.
والجزء الثاني هو المسئول عن النقل، وقد يكون معلقًا فوق جسور، أو تحت الأرض أو فوقها، وهو مكسو بما يمنع تسرب المياه، ومسقوف بحجارة ثقيلة تحافظ على المياه من التلوث، وتقلل التبخر، هذا بالإضافة إلى ما يتضمنه من خزانات يصل عددها لنحو 51 خزانًا بمكة.
اهتم العديد من الأمراء والملوك بإصلاح وتطوير “عين زبيدة” بسبب ما طرأ على قنواتها من بعض التخريب من أثر السيول، وتوالي الأزمان، ومن بينهم السلطانة فاطمة خانم كريمة السلطان العثماني سليمان القانوني التي طلبت منه أن تكمل ما بدأته السيدة زبيدة، فسمح لها بذلك، وأعادت ترميم العين في الحقبة العثمانية عام 969 هـ.
عين زبيدة هي عين عذبة الماء غزيرة وإحدى روائع أوقاف المسلمين ، أمرت بإنشائها الأميرة زبيدة بنت أبي الفضل جعفر بن أبي جعفر المنصور العباسية الهاشمية، زوجة هارون الرشيد وغلب عليها لقبها زبيدة وهي تتبع الهيئة العامة للأوقاف في السعودية.