بعلبك… أعجوبة العمارة القديمة
تقع “بعلبك” في شمال سهل البقاع وشرق النهر الليطاني، تبعد عن بيروت حوالي 83 كيلومتر، تحدها سلاسل جبال لبنان من الجانبين الشرقي والغربي، وترتفع أرضها 1163 متر عن سطح البحر، كما تبلغ مساحتها 7 كيلومتر مربع، أطلق عليها الرومان قديما بـ”اهراءات روما” لوفرة محاصيلها الزراعية، حتى إنها أضحت مستودعا يمدهم بالقمح، أيضا موقعها الفريد جعلها محط الأنظار عبر العصور، فكانت ممرا للقوافل التجارية القديمة، حيث كانت تقع في مفترق طرق تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي، وشمال سوريا بفلسطين.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
أظهرت النقوش المحفورة على جدران المعابد القديمة، أن تلك المدينة كانت عامرة بالبشر منذ 9 آلاف عام، حتى أن المؤرخ اللبناني “اسطفانيوس الثاني بطرس الدويهى” بطريرك الكنيسة المارونية في القرن السابع عشر، أن قلعة بعلبك أقدم ما بناه البشر في العالم، حيث أنشأها الفينيقيين في أوائل القرن الـ20 قبل الميلاد، وكان أول هيكل في المدينة لإله الشمس “بعل”، الذي يختفي وراء أعمدة معبد جوبيتير الرومانية، كما عثر في المدينة على مغارة للطحين تؤكد أن المنطقة كانت مأهولة بالبشر من آلاف السنين، وتتكون من مغارات متداخلة تدل على الحياة الاجتماعية الكاملة.
في نهاية القرن الثالث الميلادي تزايدت الأطماع علي تلك المنطقة، خاصة بعد أن انتشرت الفتن وبدأ الضعف يتخلل الجسد الروماني، ما دفع بعض فرق الجيش للتمرد وتنصيب قسطنطين عام 306، والذي نقل العاصمة من روما إلى بيزنطة، وقام بتوحيد الإمبراطورية تحت أمرته، وأصدر قرارًا بإغلاق معبد “جوبيتير” في بعلبك، وقد ذكر المؤرخ البيزنطي “سقراط سكولا ستيكوس” أنه ألغى الحفلات الفاسقة التى كانت تمارس فى المدينة، وأمر بإنشاء كنيسة تكفيرًا عن الخطايا وإصلاح الأخلاق الفاسدة لشعب هيليوبولس، قبل أن تعود الوثنية على يد جوليان الجاحد، والذي بدأ حكمه عام 361، حتى تولى الإمبراطور “ثيودوسيوس الأول” الحكم وانتقم للمسيحية، فدمر الهياكل الوثنية وحول معابدها إلى كنائس.
رغم تعرض بعلبك لقرون طويلة للتخريب، سواء علي يد الأباطرة، أو لأسباب طبيعية كالزلازل، إلا إنها ظلت تستوقف الرحالة، وتجذب الأثريون، وتغذي بأطلالها الأساطير، وتثير إعجاب كل زائر، فعندما زارها الإمبراطور الألماني “غليوم الثاني“، وشاهد الأضرار التي أصابت هياكلها الرومانية، أرسل وفد من العلماء ليقوموا بعمليات الترميم والحفائر، وذلك خلال عامي 1900 و1904، كشف خلالها الأثريون عن الأجزاء الرئيسية للمعابد الثلاثة، وفي عام 1930، تابع وفد أثري فرنسي أعمال الحفر في معبد جوبيتير، ثم أستلم الأثريون اللبنانيون مهام التنقيب والدراسات الحفرية بالاشتراك مع البعثات الألمانية منذ عام 1943، حتى بدأت الحرب اللبنانية عام 1975.
معبد جوبيتير
يعد ذلك المعبد أحد أشهر المعالم الأُثرية في قلعة بعلبك، ولعل أعمدة جوبيتير الـ6، أكثر الصور شهرة، فتلك الأعمدة التي يبلغ أرتفاعها 22 مترا، تشكل جزءا من الرواق الخارجي للمعبد، وهي تعطي فكرة عن مدى ضخامة الهيكل، الذي يتكون من الرواق الخارجي يليه البهو المسدس، فالبهو الكبير، فالهيكل.
بمجرد أن تطأ قدميك مدخل المعبد ستجد نفسك في الرواق الخارجي، وهو مستطيل الشكل، يبلغ طوله 50 متر، وعرضه 11 متر، بينما يصل ارتفاعه 8 أمتار، على جانبه توجد ساحتان تملأها النقوش والتماثيل، بينهما صف مكون من 12 عامود من الجرانيت المصري، في مواجهته سلم طويل يصل طوله 50 مترًا، بواسطته تصل إلى البهو المسدس، وهو عبارة عن ساحة مكشوفة تقوم على 30 عامود من الجرانيت، كان الكهنة قديما يقومون بحفلات الرقص الديني بها، قبل أن تنهار بفعل الزلازل، ويستولي البيزنطيون 8 أعمدة، ليزينوا بهم كنيسة “آية صوفيا” في اسطنبول.
معبد باخوس
رغم أن معبد باخوس أصغر حجما من معبد جوبيتير، إلا إنه الأكثر حفاظا على ملامحه الأولي التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، ويتميز ببوابة عملاقة، يبلغ ارتفاعها 13 متر، وتصل عرضها إلى 6 أمتار، ويأخذ ذلك المعبد الشكل المستطيل، حيث يبلغ طوله 69 متر، وعرضه 36 متر، تحيط جدرانه أعمدة متصلة ببعضها بتيجان مزخرفة، يبلغ عددها 8 في الجبهة، و15 على الجانبين، وفي الجزء الخلفي يوجد هيكل باخوس، أما في الجهة الجنوبية الشرقية للمعبد يوجد برج تحول في العصر المملوكي إلى قلعة يقيم فيها الوالي.