الخليفة هارون الرشيد .. والعصر الذهبي للدولة العباسية

اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
نشأة الرشيد وتعليمه
صفات الرشيد وأخلاقه
لقد كان هارون الرشيد إماماً عادلاً، زاهداً، ومُجاهداً، وقد ذكر العديد من الكُتّاب والشعراء ما يصفون به الرشيد من أخلاق حميدة وسُمعة طيبة؛ فقد وُصف الرشيد في كتب الأولين بأنه كان كريماً معطاءً، وكان يتصدّق من ماله كل يوم ألف درهم، وكان يُصلي كل يوم مئة ركعة، كما كان عندما يحج يأخذ معه مئة من الفقهاء وأولادهم وإذا لم يحج تكفّل بنفقة الحجاج وكسوتهم. وكان الرشيد رحمه الله حنوناً سريع الدمعة من خشية الله، وعُرف بورعه الشديد وتواضعه، وشهامته، وكان غيوراً على دينه ومُحافظاً عليه، ومؤدياً للصلوات الخمس في أوقاتها.
خلافة هارون الرشيد
بعد وفاة الهادي؛ وهو الأخ الأكبر لهارون الرشيد، انتقلَت الخلافة إليه، فتولّاها سنة 170هـ/786م، ليُصبح خليفةً على إمبراطوريّة تمتدّ من وسط آسيا، حتى المحيط الأطلسيّ، وهو لا يزالُ في الخامسة والعشرين من عُمره، حيث عَيّنَ هارون الرشيد يحيى البرمكيّ وزيراً له، علماً بأنّ خلافة هارون الرشيد كانت مكسباً للأمّة الإسلاميّة؛ وذلك بسبب أعماله العظيمة التي قدّمها للأمّة، فقد قِيل إنّ فترة خلافته هي الأفضل خلال فترة الخلافة العباسيّة التي دامت خمسة قرون،ومن أهمّ ما قدّمه الخليفة الرشيد في فترة حُكْمه: الارتقاء بالعلوم، والفنون، والآداب. كثرة أموال الخراج، حتى بلغت ذروتها؛ إذ بلغت ما مقداره 400 مليون درهم، بحسب تقدير بعض المُؤرِّخين، لتُشكِّل أعلى مبلغ في تاريخ الخلافة الإسلاميّة، وقد كانَت النقود تُجمَع دونَ أيّ اعتداء، أو ظُلم، وكانت تُنفَق بصورة تَخدمُ الأمّة.
تشجيع رجال الدولة في زمنه على بناء الأحواض، وحَفْر الأنهار، وشَقّ الطُّرُق، وبناء المساجد، والقصور الفخمة، والمباني الجميلة. نُموّ الدولة، واتّساع عمرانها، وازدياد عدد سكّانها؛ حيث بلغَ مليون نسمة. استقبال البضائع في بغداد، والمجيء بها من كلّ مكان، حتى أصبحت أكبر مركز للتجارة في الشرق في عَهْده. ازدهار العِلم حتى أصبحت بغداد مركزاً للعِلم، والعلماء؛ حيث كانت المساجد تُشكِّلُ ما يشبه جامعاتٍ لطلّاب العِلم الذينَ يتلقَّونَ العِلم من أكابر الفُقَهاء، والمُحدِّثين، والقُرّاء، كما كانَ يأتيها الأطبّاء، والمهندسون من كلّ مكان. إنشاء هارون الرشيد لمكتبة تَضمُّ أعداداً ضخمة من الكُتُب، حيث أطلقَ عليها اسم “بيت الحكمة”.
تعرَّضَ هارون الرشيد لمرضٍ لا شفاءَ له، وكانت حالته الصحِّية تسوء مع الوقت، إلّا أنّه اضطرَّ إلى السفر إلى خراسان؛ لوَضْعِ حلّ للاضطّرابات والتمرُّد الذي كان بقيادة الأمويّ رافع بن الليث، وفي طريقه إلى هناك، وتحديداً في مدينة (مَشهد) التي كانَ يُطلَق عليها اسم (طوس)، لَفَظَ الخليفة هارون الرشيد آخرَ أنفاسِه، وتُوفِّيَ عام 193هـ/809م، عن عُمرٍ يُناهزُ الثالثة والأربعين.