التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

علي بك الكبير.. حاكم مملوكي لمصر انقلب عليه قائده

#علي بك الكبير هو مملوكي ولد عام 1728 م وتوفي في 8 مايو عام 1773 م حكم القاهرة كشيخ البلد أيام العثمانيين، حيث صارت مصر ولاية عثمانية منذ أن نجح السلطان سليم الأول في القضاء على دولة المماليك ودخول القاهرة في 1517م، وتعاقب على حكم مصر منذ ذلك الحين حتى مجيء الحملة الفرنسية سنة 1798 عدد من الولاة الذين ترسلهم الدولة العثمانية لإدارة شؤون البلاد في مصر، واستمد هؤلاء هيبتهم من هيبة الدولة وقوتها، وأمسكوا بزمام الأمور في قوة وحزم.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية


لم يؤد بسط الدولة العثمانية نفوذها على مصر إلى القضاء على نفوذ المماليك، على الرغم من انقضاء دولتهم، بل على النقيض من ذلك فقد شاركوا الوالي العثماني في إدارة البلاد، لكن نفوذهم ظل شاحبا ما دامت الدولة قوية مرهوبة الجانب مسموعة الكلمة، حتى إذا ما بدأ الضعف يتسلل إليها وتنشغل بحروبها مع أعدائها بدأ نفوذ المماليك يتصاعد تدريجيا في مصر، وبدءوا يتلاعبون بالوالي العثماني كيفما شاءوا.

وقد ساعد هذا الضعف الذي ساد الدولة في القرن الثامن عشر الميلادي، على ظهور عدد من زعماء المماليك الذين كانوا يتولون منصب شيخ البلد (أي حاكم) القاهرة وكان هذا المنصب أعلى المناصب التي يتقلدها المماليك البكوات، وكان لا يعتليه إلا أكثرهم عصبية وأشدهم بأسا، وأوفرهم جندا، وكان أبرزهم في هذه الفترة علي بك الكبير.

لا تُعرف أصول علي بك الكبير على وجه الدقة واليقين، فهو مثل غيره من آلاف المماليك الذي دخلو نظام الدوشيرمة في الدولة العثمانية، حيث يعتنقون الإسلام، ويخضعون لتربية عسكرية صارمة، ويبدءون رحلتهم في الصعود إلى النفوذ والسيطرة.

لمع نجم علي بيك الكبير في صغره حيث ظهرت ملامح شخصيته وكفاءته العسكرية، فتفوق على أقرانه في ركوب الخيل، والضرب بالسيف والطعن بالرمح، واستخدام الأسلحة النارية، وهو ما جعل سيده يعتقه وهو لم يتجاوز العشرين. وولاه بعض المهام الإدارية، وأصبح كاشفا (أميرا) سنة (1163 هـ /1749 م) وله من العمر اثنان وعشرون عاما، ولما توفي أستاذه إبراهيم كتخدا سنة (1167 هـ / 1754 م) خلفه في مناصبه. شيخ البلد.
لم ينجح علي بيك الكبير في الاحتفاظ بمنصبه وأجبره خصومه على الفرار من القاهرة إلى الصعيد تارة وإلى الحجاز تارة وإلى الشام تارة أخرى.

واستغل علي بك الكبير فرصة انشغال الدولة العثمانية في حربها مع روسيا، ولم تكن نتائجها في صالح العثمانيين الذين منوا بخسائر فادحة، فاستصدر أمرا من الديوان بعزل الوالي العثماني، وتولى هو منصب القائم مقام بدلا من الوالي المخلوع، وذلك في (غرة شعبان 1182 هـ = 11 من ديسمبر 1768 م).

لم يكتف علي بك الكبِير بأن بسط نفوذه وسلطانه على مصر فقط بل تطلع إلى ضم الحجاز لتأمين الحج للمصريين والمغاربة والشوام ممن يساقرون إلى الحج كل عام؛ وتطلع إلى إحياء مصر مع الهند بالاستيلاء على ميناء جدة؛ وجعله مستودعًا لتجار الهندي الشرق الأقصى فبهذه التطلعات يعيد الثروة والغنى التي فقدتها مصر جراء تحول تجارة الشرق إلى طريق الرجاء الصالح.

بحسب كتاب «أيام المماليك»، فقد وانتهز علي بك فرصة النزاع الذي دار بين اثنين من أشراف الحجاز حول الحكم؛ فتدخل لصالح أحدهما وأرسل حملة عسكرية يقودها محمد بِكَ أبو الذهب مملوكه المفضّل يونيو عام 1770 ميلادي إلى هناك فنجحت في مهمتها، ونودي بـ «علي بك الكبير» في الحرمين الشريفين سلطان مصر وخاقان البحرين، وذكر اسمه ولقبه على منابر المساجد في الحجاز كلها.

كان علي بك الكبير ذكيًا إلى حد ما، ونجح في إرجاع سلطة المماليك إلى العرش مجددًا كأوّل من نجح فعليًا في الاستقلال بمصر وتوسيع الرقعة الجغرافية فيها.

وقد شجع نجاح حملة الحجاز علي بك الكبير على أن يتطلع إلى إرسال حملة إلى بلاد الشام منتهزًا سوء أحوالها وتعدد طوائفها واستنجاد صديقه والي عكا ظاهر العمر به الذي نجح في أن يمد نفوذه إلى جنوب سوريا، وكان هو الآخر يسعى إلى الاستقلال عن الدولة العثمانية.

وفي الوقت الذي كان فيه علي بك الكبير يحتفل بهذا النصر الكبير، وتزينت القاهرة لهذه المناسبة استصدر السلطان العثماني فتوى من قاضي القضاة والمفتي الأعظم باعتبار علي بك ورجاله وحلفاءه وأنصاره، بغاة خارجين على الدولة يجب قتلهم أينما وجدوا. 

عاد أبو الدهب سريعًا إلى مصر، وسحب في طريق عودته جميع الحاميات التي كان قد أقامها في البلاد المفتوحة، وبدأ يحارب سيده، ولا يلتزم بقراراته، وتأكد علي بك من عدم ولاء أبي الدهب له بعد رفضه عدم العودة إلى فلسطين، وعجز عن اتخاذ قرار صارم ضد تابعه الذي خرج عليه.

لم يعد هناك مفر من الصدام بين الرجلين، وانتهت الغلبة فيه لأبي الدهب، واضطر علي بك الكبير إلى مغادرة القاهرة والالتجاء إلى صديقه ظاهر العمر، ومعه ثروته الضخمة وسبعة آلاف من فرسانه ومشاته، وبدأ في تنظيم قواته والاتصال بقائد الأسطول الروسي الذي راح يمنيه بقرب وصول المساعدات، لكن هذه الوعود تمخضت عن ثلاثة مدافع وبضعة ضباط وعدد من البنادق.

تعجل علي بك العودة إلى مصر على غير رغبة ضاهر العمر، الذي نصحه بالتريث والتمهل، حتى إذا وصل إلى الصالحية بالشرقية، التقى بجيش أبي الدهب في 26 أبريل 1773 م، في معركة كان النصر فيها حليف الأخير، وأصيب علي بك في هذه المعركة بجراح خطيرة، ونقل إلى القاهرة، حيث قدم له مملوكه أبو الدهب الرعاية الطبية، لكن ذلك لم يغنِ عن الأمر شيئا فلقي ربه في عام 1773، تاركًا للتاريخ أقرب التجارب لاقتحام عصر الحداثة في المحروسة بالتاريخ الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88