إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

بين همزةٍ وعينٍ

في إحدى الصّفحات خطّ القلم كلمة (أمل)، وما هي إلاّ لحظات وبدأت الهمزة بالتّضخّم! حتى ابتلعت الألف واتّصلت بالميم؛ وإذا بأملٍ تصبح عملًا.

وفي صفحةٍ أخرى خطّ القلم كلمة (عمل)، وفي لحظةٍ تصاغرتْ العين، وتصاغرتْ حتى رُميت على قارعة السّطر فأسرعت الألف لتحملها فوق أكتافها؛ وإذا بعملٍ يمسي أملًا.

إنّها الحياة والنّاس: منهم من يرى الأمل عملًا؛ فيمضي لتحقيقه، ومنهم من يرى العمل أملًا؛ فيجلس لانتظاره.

اختلاف النّظرة يؤدي إلى اختلاف الموقف: 

– نفوسٌ تتطلعُ بروح الإصرار والتفاؤل؛ تمضي في طريق النّجاح، كمنجلٍ في حقلٍ يانعٍ، أو كصيادٍ صبورٍ وسطَ بحرٍ هادئٍ، أو كعالمٍ لا يعرف اليأس بعد فشله في المرّة الألف.

– ونفوسٌ تحبّ الزّحف على طريقِ الانتظار في عالم السّراب البراق، ترمق النّجوم العالية، وتنتظر أن تمطر السماء ذهبًا وفضةً وحظًّا سعيدًا وهي تلتحف غطاء الأمل الطّويل.

شتّان ما بين همّةٍ عاليةٍ ومثابرةٍ للوصول إلى مرمى الهدف والصّعود إلى سلّمِ الطّموح وقطف ثمار الصّبر، وفرحة الانتصار، ونشوة الزّهو، وبين حُلُمٍ في يقظةٍ، وبسمة ٍخادعةٍ، ويدٍ كسولةٍ، وأمنياتٍ معطّلةٍ، وجهدٍ مخدَّرٍ، وعمرٍ مهدرٍ.

تمضي الأيام وتتوالى الأعوام، ونصل إلى مرحلة نكون فيها مجبرين على التّوقف والتّأمل فيما حصدته أيدينا، وما بنيناه في ذات يوم.

نلتفتُ خلفنا إلى ذلك الطّريق الطّويل الذي عبرناه كيف امتدّ بنا وطالت المسافة ونحن لم نشعر، ثم نعود إلى تتمّة المسير فما زال الطّريق يمتد بنا. تلك المرحلة الخمسينية أو الستينية من العمر مرحلة تثقل فيها الخُطا، وتتقطّع فيها الأنفاس، ويضعف فيها البصر، وتخور القوى، وتبدأ الأطراف في البحث عن عصا تتوكأ عليها وتهش بها عراقيل الدّرب، فإمّا واقفٌ على قمّة جبل الفوز وتحقيق المنى ورَغَد العيش، يحفّه الاستقرار وتخيّم عليه السكينة وتشدو حوله أنغام الرضا وتكتنفه الرحمات والبسمات، وإمّا جالسٌ في سفح الجبل هناك، وقد تسلّطت عليه (لو) في خبث إبليس؛ تفتح باب الهموم ونافذة النّدم، فيعلو نحيب العجز، ويرى نعشَ أمله تحمله الخيباتُ لتواريه الثّرى.. فما أبأس ما يرى!.

وصدق أمير الشعراء حين قال:

وما نيلُ المطالبِ بالتّمنّي … ولكن تؤخذ الدّنيا غِلابَا

وما استعصى على قومٍ منالٌ … إذا الإقدامُ كان لهم ركابَا.

بقلم/ أميرة بنت حسين العماري

مقالات ذات صلة

‫26 تعليقات

  1. خطى بقلم مبدعه و انسانه خلوقه و ليس بالقليل عنها و ماهي الا تسطر كلماتها لتخطؤ و تعلو في الافق بالتوفيق لكي

  2. لغة سليمة وأسلوب فاتن ومعان بديعة.
    أبدعت وبرعت الكاتبة في التعبير. أسعفها معجمها اللغوي الثري، وأدواتها، وبراعتهادفي اقتناص اللحظة وتكثيفها على مستويات دلالة متعددة.
    تحية الكاتبة.
    وشكرا صحيفة هتون لمنحنا كل هذا البهاء.

    1. شكرا من الأعماق أستاذنا وأديبنا المبدع، كلامك تحفيز
      وتجشيع يدفعني للمزيد،، شكرا لك لصحيفة هتون الرائعة

  3. كلمات جميلة خطها يراعك تنم عن ذوق رفيع في انتقاء المفردات التي عبرت عن المعنى بشكل وافٍ وجمال التشبيه الذي أعطى المقال حياة استمري إلى الأمام وإلى مزيد من الإبداعات ..محبتك:علياء اللقماني

  4. وسلمت الانامل التي خطت أسلوب جميل يتخلل إلى القلوب ويحركها زادك الله علما ونور ا ( أختك عائشة اللقماني )

  5. فكرة جميلة واسلوب محترف وآسر يجبر القارئء على مواصلة القراءة وما هذا الا دليل على تميز الكاتبة .. وافر الحظ أتمناه لكِ ،
    هنيئاً لصحيفة هتون بمثل قلمك.

  6. ومافائدة المرايا …
    على رف الزوايا
    فجزيل العطاء…
    يسقى بماء الوفاء..
    فتزهر القلوب..
    على جنبات الدروب..
    ترفرف فرحاً..
    في سماءٍ رحوب..

    أبدعتي أُستاذتي( أميرة)
    ولا يستغرب الإبداع من أهله.

  7. بين جزالة الألفاظ ووضوح الفكره والأسلوب فاض الإبداع ،،،،ملكت الحرف فتميزتي هنيئا لك هذا الانجاز

  8. أنامل من ذهب ..وفكر منير مستنير..صاغ أجمل العبرات وأثمنها ..استمري وفقك الله لكل خير

  9. ، ونصل إلى مرحلة نكون فيها مجبرين على التّوقف والتّأمل فيما حصدته أيدينا،
    مبدعه مبدعه 👏🏻👏🏻👏🏻

  10. حقًا…..،،، ونصل إلى مرحلة نكون فيها مجبرين على التّوقف والتّأمل فيما حصدته أيدينا،
    مبدعه مبدعه 👏🏻👏🏻👏🏻

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88