إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

رمضان يجمعنا

وداد الإسطنبولي

تتشابه أيامنا بتفاصيلها المعتادة، وربما نحن نراها هكذا وستختلف في الأيام القادمة، لأن القادم تفاصيله تختلف عن الأيام الأخرى بخفة قدومه وسرعة ذهابه دون أن نشعر به، فيه هداية وتبشير وصبر على تحمل الصعاب؛ ننتظره بشغف. ولم تبق سوى أيام معدودة تفصلنا عن ولادة هلاله، ولكي أكون منصفة فأيامنا مبهجة ولكنها متثاقلة بالروتين والانشغال، وربما أسلوب حياتنا هو ما يحتاج أن نفكر فيه بطريقة مختلفة.

أعود لحديثي السابق، الضيف الذي يترقبه الجميع، ويستعد لرؤيته، هل هلالك يا رمضان وآن معك وقت التغير ببركاتك وفضلك.

أتذكر بداية استعداد أمي الحنون وهي تأخذ كومة الثياب وتبدأ بغسلها طهارة لرمضان، وتأخذ الكنابل¹ وتقوم بغسلها وتبديلها، ومن ثم تجمعنا حولها لنتعلم النية لشهر رمضان. كان ذلك زمن الطيبين الذين تعلمنا منهم وما زلنا نقتدي بهم ونحذو حذوهم.

المبهج في الأمر: التسوق وإعداد الأطباق المتنوعة في رمضان، والبحث في المجلات عن الطبخات الجديدة التي نزين بها سماط العائلة، ناهيك عن تبادل تلك الأطباق بيننا والجيران، والأجمل من ذلك ارسال أطباق متنوعة من الأكلات إلى المسجد لتكون صدقة جارية نؤجر عليها.

ومن الذكريات الجميلة والتي ما زلت أقوم بها: دعك التمر وإخراج اللّب منه ثم تسخينه بعد وضع الهيل المطحون والسمن البلدي عليه، بعدها نقوم بتدويره على راحة اليد وحفظه في علبة.

ومن أكلاتنا الشهيرة المتداولة: السمك المشوي، والأرز الأبيض المعبوك² بالسمن والمضروب جيدًا بمضرب اليد، والهريس، والعصيدة، والشوربة التي لا غنى عنها على سماط الشهر الكريم، وربما تتشابه أكلاتنا الشعبية بين دول شبه الجزيرة العربية باختلاف مسمياتها.

اذكر في الثمانينات -ومن الذكريات الجميلة- في مدينتي صلالة، إطلاق صوت المدفع ليذكرنا وينبهنا بأن الأذان أذن وحان وقت الإفطار، وكان أول مرة أسمع صوت المدفع في الثمانينات، وهذا شعور يشعرك بالغبطة بعد جهد جهيد لإعداد الطعام.

وأقول في حديثي: (زمن الطيبين) لأنه بالفعل بقدر ما نحن فيه من ارتياح وسعة رزق وخدمات بعد النهضة المباركة إلا أن ذكريات الطيبين برغم التعب والفقر وعيشة الضنك لم تمحَ من الذاكرة بجزئياتها وتفاصيلها، لعلها نعمة القناعة التي وهبها الله لهم لبَثِّ روح الأمل فيهم.

وأيضًا لا أنسى تلك العادة الرمضانية “قرنقشوه” التي لا أرى فائدتها سوى سعادة عيون الأطفال وإبهاجهم وهم يستقبلون الحلويات والنقود من زياراتهم للمنازل، ولا أدري أهي عادة دخيلة علينا أم تقليد تعودنا عليه سنويًّا. وتشترك معنا الدول الأخرى فيها بمسميات أخرى كـ (قرقيعان).

في النهاية لن نُحصيَ اللّحظات الجميلة لهذا الشهر، ونفتقد للغيبيات التي خصها الله تبارك وتعالى للإنسان، وقبل أي شيء آخر هو شهر للعبادة والاستغفار وتربية النفوس وتهذيبها.

رمضان آتٍ ليجمعنا حاملَا معه التباشير والثواب والتجمع والترابط بين المسلمين.

اللهم بلغنا رمضان.

—————————–

بقلم/ وداد الإسطنبولي

—————————–

الكنابل: غطاء نتلحف به عند النوم

المعبوك: مختلط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى