تشكيل وتصويرفن و ثقافة

لوحات المستشرقين ومكنونها في الشرق العربي

هل هو مُجرد حنين مُتنام إلى ماض ما قبل تلاشي الصناعة؟ هو الذي جعل من عام 2008 عاماً فريداً من حيث الأسعار القياسية للفن الاستشراقي أم أنَّ هناك المزيد؟

يعرف المُشترون المُتمرسون من هواة اقتناء هذه اللوحات من الموجودون في الأراضي التي نُفذت بها هذه اللوحات التصويرية أنها أكثر بكثير من مُجرد ذكريات تصويرية بسيطة (أي يعرفون قيمتها التاريخية والتراثية العتيقة)، ويرى الخبراء فيها جزءاً من الحوار التاريخي الديناميكي بين الشرق والغرب، فالشرق الأوسط يستثمر في المتاحف الجديدة والمؤسسات الفنية والتعليمية والسياحية؛ وتغيرت النظرة للاستشراق، وأصبح يُمثل جزءا مُهما ومُكونا رئيسا من التراث القومي لدول الشرق الأوسط.

في يوليو/تموز 2008 جلب الاستشراق 21.4 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 26.71 ميلون دولار) لدار كريستيز للمزادات بلندن، وهو أعلى إجمالي تمَّ تحقيقه لهذه الفئة على الإطلاق خلال هذه الفترة على حد قول ألكسندرا ماك مورو Alexandra McMorrow مديرة الفن الأوروبي للقرن التاسع عشر الميلادي لدار المزادات المرموقة.

وشملت هذه الأسعار القياسية العالمية معروضات لسبعة فنانين، وتذكر ألكسندرا أن العارضون تنافسوا بشدة لعرض أعمالهم الفنية، وقد بِيعت لوحة المرأة الشركسية ذات الحجاب لمصور الاستشراق الفرنسي جان ليون جيروم Jean-Léon Gérôme (1824-1904)، بما يزيد على مليوني جنيه إسترليني.

وفي متحف تيت ببريطانيا أقيم المعرض الصيفي في عام 2008 أيضاً، وجاء بعنوان جاذبية الشرق The Lure of the East، عُرضت فيه أكثر من 120 لوحة لفنانين بريطانيين عن الشرق العربي منهم المستشرق البريطاني ادوارد لير Edward Lear، وقد عُرضت بعض اللوحات من الشارقة.

وفي دار سوثبي Sotheby للمزادات بلندن، عُرِضت بعض اللوحات في مزاد يوم 30 أبريل/نيسان 2019، حيث حقق المزاد مبيعات بلغت ما يُقارب خمسة ملايين ونصف جنيه إسترليني (رغم ظروف جائحة كورونا)، وجاءت لوحات مصور الاستشراق الفرنسي جان جيروم في المرتبة الأولى، فقد بِيعت لوحة “فارس وجواده في الصحراء” بـ1.155 مليون جنيه إسترليني (نحو 1.44 مليون دولار)؛ وبِيعت لوحة “صلاة المغرب” بمبلغ 735 ألف جنيه إسترليني (917.43 ألف دولار)، وقد سمَّاها المُصور جان جيروم Evening Prayer.

ولقد كان الاهتمام بالفن الاستشراقي بقيادة أصحاب الثقافات المُصوَّرة، ومُعظمها من الجزيرة العربية، يليها شمال أفريقيا، ولا تزال معظم المبيعات للهواة والمثقفين العرب الذين يهتمون بهذا النوع من الفن، وخاصةً ما يتعلق بالعادات والتقاليد والتراث.

مشاهد الحريم من اللوحات التي حظيت بها لوحات المستشرقين:

كان عنصر الحريم من العناصر المحددة للاستشراق الأوروبي، وواحداً من أكثر العناصر الثقافية حساسية؛ ولفظة “حريم” مشتقة من اللفظة العربية “حرام” والتي تعني “ممنوع”؛ وهي من المشاهد المجازية والخيالية في اللوحة الاستشراقية، فلم يكن يُسمح لهم بالنفاذ إلى داخل الحرملك؛ فجاءت لوحات جون فردريك لويس لنساء الشرق بخيالية شديدة وعلى غرار حسناوات لندن.

ولم يكن الرجال وحدهم هم من يرسمون مشاهد الحريم في الشرق العربي، حتى المستشرقات النساء منهن من رسم الحريم، ومن هؤلاء المستشرقات هنريت براون Henriette Browne عام 1860 رسمت لوحة “داخل قاعة الحريم” Harem Interior؛ وربما جاءت هذه اللوحة بواقعية في مشاهدها فبدت النسوة بملابسهن المُحتشمة، حيث زيّ التزييرة للخروج، وأغطية الرؤوس، والبُرقع غطاءاً للوجه، ويظهر في المشهد طفل صغير يتشبث بجلباب أمه، وتُمثل اللوحة لحظة طقوس عادية.

مشاهد الاستشراق للحياة اليومية:

جاءت المشاهد الاستشراقية للحياة اليومية في الأراضي العربية تُمثل نمطين رئيسيين مشاهد المدن، والصحاري. أمَّا مشاهد المدن فتشمل التجار والحرفيين، والذين تمت مشاهدتهم بعناية من قِبل مصورو الاستشراق، ومناظر الحياة الاجتماعية كالاحتفالات المتنوعة مثل خروج المحمل، وحفلات الزفاف، وحفلات الختان، وغيرها، كما جاءت رسوم العمائر ضمن هذه المشاهد، وعمل بعض المصورين في جو من الواقعية في مشاهد رسم العمائر، في حين رسم آخرون من خلال الصور الفوتوغرافية (عقب اختراع التصوير الداجيري).

وتعتمد صور الصحاري على سحر الطرق البدوية التقليدية، وجاءت مشاهد الفروسية المُحببة لدى العرب من المشاهد التي استهوت المستشرقين، وضمنتها فرشاتهم، وكذلك لوحات الإبل وقوافلها، ورسوم القوافل التجارية.

النظرة للاستشراق:

لقد شكَّل تحليل النظرة للاستشراق جزءاً كبيراً من النقاش الأكاديمي حول الاستشراق؛ وأدى إلى تعميمات حول التصورات الغربية عن الشرق خلال القرن التاسع عشر الميلادي؛ فيُشير الأكاديميون أنه لم يكن هناك فنانون شرق أوسط يرسمون مشاهد للمجتمع الغربي؛ ويذهب بعض نقاد الفن إلى أن الاستشراق استند على فرضية غربية دائماً، إذ يرى أن الغرب يعرف عن الشرق أكثر مما يعرفه الشرقيون عن أنفسهم، وبالتالي فاللوحات تُجسد مزيجاً من اللوحات المُكتسبة، والتحيز.

ومن بين الفنانين المستشرقين البارزين رودلف ارنست، لودفيغ دويتش، ألبرتو باسيني، جون فردريك لويس، غوستاف بويرن فيند، وجان ليون جيروم. وقد أصبحت النساء من هواة اقتناء لوحات المستشرقين في العقد الماضي في معظم أنحاء الشرق الأوسط؛ الميسورات منهن عكفت على تزيين قاعاتهن بهذه اللوحات الثمينة.

ولقد أسست كل دولة من دول الخليج العربي مجموعة وطنية من المقتنيات الهامة من لوحات المستشرقين؛ وهو النوع الفريد من الفن الذي يُجسد العادات والتقاليد الدارسة، والتي لا تزال محفوظة فقط من خلال فرشاة المستشرقين، وذاكرة الأقدمين، والرواة الشفهيين؛ ومن هذه المتاحف الضخمة متحف الشارقة للفنون، والذي استضاف إحدى محطات جولة جاذبية الشرق The Lure of the East.

ويظل الاستشراق إرثاً ثقافياً، امتاز بالتميز التقني، وكان له دور في فهم العلاقات بين العالمين الغربي والشرقي، وتُصبح لوحات الاستشراق بمثابة حنين للماضي وفترات راحة مُمتعة في عالم سريع التغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88