تشكيل وتصويرفن و ثقافة

إبداعات متميزة في ‘مختارات من القصص القصيرة الاوزبكية’

يحفل الأدب الاوزبكي بالإبداعات المتميزة جماليا وفنيا شعرا وقصة ورواية، وعلى الرغم من ذلك فالأعمال المترجمة عنه قليلة قياسا مثلا للأعمال التركية باعتبار أن اللغة الأوزبكية هي فرع من شجرة اللغات التركية، وهو الأمر يجعل من هذه المختارات القصصية التي انتقاها واختارها وقدم لها المترجم مرتضى سيد عمروف مؤكدا أنها تمثل الأدب الأوزبكي على مساحة القرن العشرين ، وعنونها بـ “مختارات من القصص القصيرة الاوزبكية”، غاية في الأهمية كونها تكشف ثراء هذا الأدب واتجاهاته وموضوعاته.

في مقدمته الطويلة للمختارات التي نشرتها سلسلة إبداعات عالمية التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، يضيء عمروف المصادر الأولى للأدب الأوزبكي وتطوراته في التاريخ المعاصر، حيث يؤكد أن فن القصة في الأدب الأوزبكي له تقاليد عريقة غنية، وقد سار بخطى وئيدة ـ ولكنها واثقة ـ في طريق التطور الخاص به، وتعود جذور النماذج الأولى التي أفاد منها الأدب الأوزبكي عموما إلى قرون بعيدة، فقد حملت المصادر اليونانية التي وصلتنا بعض القصص التي تملك شيئا من عناصر القصة المعروفة في الآداب الحديثة مثل “زارئادر وآتيدة” و”زرينة وسترئانقيا” و”شيراق” و”توماريس”، و”إيرخوبي”، وهي تحكي عن نمط حياة أسلافنا، وعاداتهم، ومغامرات العشق في مجتمعهم، ولوحات من بطولاتهم في الدفاع عن الوطن وغيرها، فأسطورة “توماريس” التي تسمي قصص البطولة في كتاب “التاريخ” للمؤرخ اليوناني هيرودوت (484 ـ 425 ق.م)، وقصة “شيراق” في كتاب “الحيل العسكرية” للمؤرخ اليوناني بوليين (القرن الثاني قبل الميلاد)، قصتان صغيرتان ولكن مضمونهما عميق؛ إذ أنهما تحكيان عن بطولات الناس المحبين للأوطان وعن إنسانيتهم، كما اشتهرت قصتا “زارئادر وآتيدة” و”زرينة وسترئانقيا” بوصفهما قصتين من قصص الحب والبطولة. وكذلك توجد عناصر القصة في المؤلفات التركية المعروفة في البحوث والدراسات باسم “مكتوبات الأورخون وينيسي”، وقد ألفت في القرون السادس والسابع والثامن الميلادية، وكتبت بروح قصص البطولة.

ويرى عمروف أنه مع بداية العشرينيات من القرن الماضي بدأ عهد التحديث أو التجديد في الحياة الثقافية للشعب الأوزبكي، وتطورت النهضة وظهر الشعور باستدراك الذات في البلاد، وكان على رأس هذه الحركة المثقفون “المجددون” المحبون للمعرفة والعلم، وظهر المجددون باسم على مسمى، فقد جددوا وأيدوا ذلك التجديد ودعوا إليه. وفي ذلك الوقت بدأ النقاش الحاد بين “الجديد” و”القديم” وشمل قضايا الحياة والموت في مسائل الثقافة والمعرفة والأدب والفن، وبشكل عام في مصير الشعب. وقد أسست مجموعة من “الأدباء المجددين” أو “أدباء التجديد” من محبي المعرفة لفن القصة الواقعية في بداية القرن العشرين؛ فنشر عبد الله قادري ـ مؤسس النثر الأوزبكي الحديث في العقد الأول من القرن العشرين ـ قصتي “الزار”، و”سباق الخيل”، الأولى قصة وهمية مضحكة، والثانية قصة تحكي عن عادات شعبية لها تقاليد وانتشار بين الناس كرمز البطولة والشجاعة. ونشر محمود خواجة بهبودي قصة “من قتل أباه”، وهي قصة فاجعة تتحدث عن مأساة الجهل حيث كان الابن سببا في وفاة والده. ونشر جولبان في الوقت نفسه قصة “الطبيب محمد ديار” وفيها نرى البطل يتعلم ويصبح طبيبا مثقفا يخدم نفسه ووطنه ومجتمعه.

ويشير إلى أنه في قصص عبد الله قادري توجد عناصر واقعية، وهو يعبر عن فكرة القصة من خلال تصرفات البطل وأقواله ومعنوياته، أما جولبان فيعلن عن نواياه بوضوح وتغلب على قصصه العناصر الرومانسية، ويعد الكاتبان من أوائل الأدباء الذين دعوا الشعب إلى سلوك طريق المعرفة.

ويؤكد عمروف أن فن القصة ـ والأدب الأوزبكي بشكل عام ـ يتميز في العشرينيات القرن الماضي بواقعيته وبقربه من الحياة، وخصوصا أن معظم القصص التي كتبت بين عامي 1926 و1927 كانت خالية من علل وتأثيرات أيديولوجية تأثرت بها ـ لاحقا ـ مؤلفات كتبت بعد هذه الفترة، وابتعدت عن الحياة الحقيقية وزينت الواقعية بزينات مزيفة، وكان لها تأثير سلبي وضرر واسع في الأدب الأوزبكي؛ ولذلك فإن الأدب الأوزبكي في فترة العشرينيات كان له دور مهم في تاريخ المجتمع الأوزبكي. وفي سنوات الثلاثينيات ساهم الأدباء الأوزبك مثل عبد الله قهار وغفور غلام وآيدين وشاكر سليمان بإبداعاتهم في تطور الفن القصصي، واشتهر قهار في هذه الفترة بالذات، واعترف أنه “لأول مرة يصف الإنسان” وذلك في قصته “إنسان بلا رأس”، وقد تعلم من مهارات الأدباء البارزين في الأدب العالمي بشكل عام، والأدب الروسي بشكل خاص، أمثال أنطون تشيخوف، وغوغول، وتولستوي وآ.هينري وج.لندن وطاغور وغيرهم. ونشر في الثلاثينيات قصصا كثيرة، بينها قصص في مستوى عهده، ومنها قصص لها أهمية وقيمة أدبية كبيرة.

ويلفت عمروف إلى أن مرحلة التحديث في فن القصة في الأدب الأوزبكي بدأت في الستينيات، وتحت تأثير الدفء الذي بدأ يظهر في حياة المجتمع أخذ الكتاب يكتبون قصصا عاطفية تعبر عن العلاقات الإنسانية الصافية والأحاسيس المعقدة في قلوب الناس، والأخلاق الفاضلة، وكتب سيد أحمد عشرات القصص العاطفية في مجموعتيه “الأمواج” و”مياه الربيع”. كما أسهم أدباء كثيرون مثل: بريمقول قادروف، وأولماس خالمرزاييف، وأوجقون نظروف، وأوتكير هاشموف، وشكور خالمرزاييف في تطوير الاتجاه الواقعي والتعبير عن تناقضات الحياة بصورة أقرب إلى الحقيقة.

ويلاحظ عمروف أن الأدب الأوزبكي يتميز بالقصص التاريخية، ومن المعروف أن عبدالله قادري، وآيبيك، وعادل يعقوبوف، وبريمقول قادروف، ومير محسن كتبوا روايات تاريخية رائعة في الأدب الأوزبكي، واشتهر الأدباء أويغون وعزت سلطان ومقصود شيخ زاده، وحميد عالمجان بمسرحياتهم التاريخية، وكتبت عشرات الدواوين التاريخية، ووجد هذا الموضوع مواصلة مثمرة ومتابعة ناجحة من الكتاب الذين جاءوا بهد هؤلاء الأدباء العظام، وتمرسوا في فن القصة مقتفين آثارهم. ويمكن القول أن الكاتب مير كريم عاصم هو واضع حجر الأساس في فن القصة التاريخية، فقد قدم خلال سنوات طويلة إبداعا مثمرا وكتب عشرات القصص القصيرة والطويلة.ويتابع أسعد مختار وأنور إيشانوف وخير الدين سلطانوف وإسفنديار وعلى شير عبادينوف وزاهد أعلم وميرزا بولات طاشبولاتوف وطاهر مليك وغيرهم، هذا الأسلوب والتقليد في قصصهم.

ويختم عمروف إضاءته لمسيرة فن القصة الأوزبكية مؤكدا أنه مر في طريق صعب ومثمر في الوقت نفس، وتصور القصة عالم أبطالها الصعب والمعقد، وحياة المجتمع وتناقضاته، وأفراح الناس وآلامهم وأحاسيسهم المختلفة، بوصف حيوي طبيعي، يلاحظ فيه الإبداع الجيد والتطوير المستمر.

يذكر أن المترجم أرفق ترجمته بسيرة ذاتية لكل الكتاب الذين اختارهم لتمثيل الأدب الأوزبكي، ومن بينهم: عبد الله قادري، جولبان (عبد الحميد سليمان أوغلي)، غفور علام، عبد الله قهار، سيد أحمد حسن خوجاييف، ناصر فاضلوف، أولماس عمربيكوف، فرهاد موسى جانوف، أونكير هاشموف، أمان مختار، طاهر مليك، طاغي مراد، آيدن حاجييفا، خورشيد دوست محمد، نارمراد نارقابلوف، خير الدين سلطانوف، نرجيزة غلاموفا، نعمة الله إبراهيموف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88