إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

اللغة الاعتذارية Apologetic Language

علي عويض الأزوري

(الطيارة فاتتني)

نعلم أن الرحلات من الطائف إلى الرياض من أكثر من 30 سنة تغادر الساعة الخامسة مساءً، ولمؤسسات الطيران مواعيد (يرجح) أنها منضبطة في المغادرة والوصول.

وىها أيضًا توقيت للحضور قبل الرحلة بساعتين أو أكثر، حسب وجهة الرحلة والإجراءات التي تسبقها.

يخرج (علي) من داره الكائنة في وادي لية (والتي تبعد عن مطار الطائف 35 دقيقة بالسيارة) قبيل إقلاع الرحلة بساعة ونصف، وفي طريقه يقف عند أحد أكشاك بيع القهوة (ليعدل) مزاجه قبل السفر، ويقضي 15 دقيقة في طلب القهوة والحصول عليها. هناك صوت داخلي ينبهه أنه سيتأخر عن الوصول إلى المطار في الوقت المحدد لإنهاء الإجراءات قبل المغادرة، فيرد عليه: كل مطرود ملحوق، وأمر الله من سعة.

يسوق الهوينى في طريقه لمطار فيصل قبل نصف ساعة من الإقلاع، فيجد (الكاونتر) مغلقًا؛ ويعتذر الموظف منه عن إنهاء إجراءات سفره لأن هناك مواعيد محددة قبل السفر، ولم يلتزم طيب الاسم (علي) بها، فيقول لمن يسأله عن عدم السفر: الطيارة/ الرحلة فاتتني.

يدرس علي في مرحلة من مراحل الدراسة، ولا يذاكر بشكل يومي، ويؤخر أعمال اليوم وغد وما بعد غد للشهر المقبل، وفي ليلة الامتحان يحاول أن يستدرك ما فاته من دروس وشروح لها ، لكن المواد والمواضيع والدروس المتراكمة تفوق طاقته، فيذهب للامتحان في اليوم التالي أملا في أن تحدث معجزة، أو أن ينزل عليه وحي من السماء فيجتاز ذلك الاختبار بسلام، لكنه يخفق، وعند سؤال أهله له عن الامتحان: كانت الأسئلة من خارج المنهج، كانت لطلبة كوكب المريخ واستعاروها و قدموها لك.

ينهزم فريق علي في مباراة لكرة القدم لأنهم تقاعسوا عن تطبيق خطة المدرب، ولم يحترموا خصمهم، ولعبوا بتهاون وأداء باهت، وبعد الهزيمة يردد علي: (قدر الله وما شاء فعل).

يركب علي سيارته ويطلق عجلاتها للريح، ويكسر حاجز السرعة المقرر من الجهة المسؤولة، ويصدم بعيرًا سائبًا بريئًا كان يقطع الطريق ليصل إلى الجهة المقابلة، فهي أكثر عشبًا، ويموت البعير والراعي، وتتناثر جثتيهما على الأسفلت، وعند سؤال علي يرد: أمر الله حصل (قضاء وقدر).

تضيء إشارة المرور حمراء وحسب الأنظمة بجب الوقوف حتى يتغير اللون إلى الاخضر، ويأتي علي متجاوزًا كل السيارات وضاربًا بعرض الشارع كل القوانين، فيتجاوز الإشارة بسرعة جنونية ويصطدم بسيارة أخرى، ويلحق بها وبالركاب أضرارًا بالغة، ويخرج حاملًا عصا ليوسِع السائق الآخر ضربًا، والسبب حسب رؤية علي: لماذا لم يتوقف عندما رآني لأكمل طريقي؟.

تحصل كارثة في مكان ما بسبب إهمال المسؤولين وعلى رأسهم علي، في جهة ما، وينتج عنها خسائر في الأرواح والأموال، كليهما أو أحدهما، فيقوم المسؤولون وكبيرهم علي، بإلقاء اللوم على جهات أخرى ليس لها علاقة، وإذا لم يكن هناك جهات أو أطراف أخرى، يقول علي: (حيل) قدرة الله أقوى.

تلكم بعضًا من ممارسات علي الحياتية، والتي يستخدم فيها اللغة لتبرير قصوره وإهماله.

كان الأجدر به أن يقول:

– أنا تأخرت وفوت الرحلة

– أنا لم أذاكر جيدًا، وعليه رسبت في الامتحان

– أنا لم ألعب جيدًا، لذا خسرت المباراة

– أنا تجاوزت السرعة القانونية بسنوات ضوئية وصدمت وقتلت

– أنا قطعت الإشارة الضوئية، وتسببت بأضرار بالغة في الممتلكات والأرواح.

– أنا لم أؤدي عملي الذي أوكل لي بأمانة واقتدار؛ وحصل ما حصل من كوارث في الأرواح قبل الأموال.

تلك الممارسات اللغوية يقوم بها الغالبية في مجتمعنا، والأسباب في رأيي:

– التخلص من الذنب

– التهرب من تحمل مسؤولية الإخفاق

– عدم تحمل نتيجة العواقب

– إيجاد قوة أكبر وإلقاء (الإخفاق/ الإهمال/ ارتكاب جريمة بحجة القضاء والقدر) عليها، وهذه القوة هي الله، فينقطع الجدل، ولا تتم المحاسبة.

والأهم أن ينام الشخص قرير العين هانيء البال.

وأنا أكتب لأتخلص من عبء ربض على أفكاري ورغبت في رميه عليكم.

عمتم مساءً.

بقلم/ علي عويض الازوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى