إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

أنا، نحن.. وصراع الهوية الفردية والاستقلالية

علي عويض الأزوري

أنا :ضمير المتكلم منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

نحن: للمُثَنى والجمع/ ضمير للمتكلّم منفصل مبني على الرفع (الضمة) في محل رفع مبتدأ إذا كان في أول الجملة.

نا: للمثنى والجمع

هذا ليس درسًا في قواعد اللغة العربية والإعراب، لكن كنت أفكر الليلة بعد مشاهدتي لحلقة يُعدها ويقدمها الصديق الدكتور عثمان الصيني على قناة الإخبارية عن الضمير (نحن).

نحا الدكتور عثمان منحى مختلفًا عما أود الكتابة عنه.

يُستخدم الضمير (نحن) للتفخيم والتعظيم وليس للتعدد، وذلك في حالتين:

– عندما يتكلم الله سبحانه عن نفسه بما يستحق من التعظيم جل شأنه (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين)

– الملوك عند إصدار أمر ما: (نحن .. أمرنا).

لكن للألماني إريك فروم Erich Fromm رأي في استخدام الضمير (أنا) و(نحن)، وتعـرّض لذلك في كتابه The Sane Society (المجتمع السوي) عند شرح احتياجات الإنسان، ومنها: الإحساس بالهوية يقول :

Sense of Identity

The fourth human need is for a sense of identity, or the capacity to be aware of ourselves as a separate entity. Because we have been torn away from nature, we need to form a concept of our self, to be able to say, “I am I,” or “I am the subject of my actions.” Fromm (1981) believed that primitive people identified more closely with their clan and did not see themselves as individuals existing apart from their group. Without a sense of identity, people could not retain their sanity, and this threat provides a powerful motivation to do almost anything to acquire a sense of identity. Neurotics try to attach themselves to powerful people or to social or political institutions.

الشعور بالهوية

الحاجة البشرية الرابعة هي الشعور بالهوية، أو القدرة على إدراك أنفسنا ككيان منفصل. لأننا أُبعدنا/ فُصلنا بعيدا عن الطبيعة، نحتاج إلى تكوين مفهوم لأنفسنا، لنكون قادرين على القول، “أنا أنا”، أو “أنا موضوع/ مسؤول عن أفعالي”. يعتقد فروم (1981) أن الأشخاص البدائيين يتماهون بشكل أوثق مع عشيرتهم ولا يرون أنفسهم كأفراد موجودين بصرف النظر عن مجموعتهم.

بدون الشعور بالهوية، لا يمكن للناس الاحتفاظ بعقلهم، وهذا التهديد يوفر دافعًا قويًّا لفعل أي شيء تقريبًا لاكتساب الشعور بالهوية. يحاول العصابيون ربط أنفسهم بالأشخاص الأقوياء أو المؤسسات الاجتماعية أو السياسية”.

يذكر ( فروم) أن الإنسان في المجتمعات المتقدمة يستخدم الضمير (أنا/ أنا) عندما يتحدث عن نفسه ليكون مسؤولا عن أفعاله، بينما في المجتمعات (البدائية) يستخدم الضمير (أنا.. بمعنى نحن)، فهو يرى أنه لا يتحقق له الشعور بالهوية إلا من خلال الجماعة.

هذا شائع في بلداننا ومجتمعاتنا.. حيث إن الشخص عندما يتحدث عن نفسه يستخدم الضمير (نحن):

– لو(نظرنا في الكتابة مثلا أو الحديث عن موضوع ما): (نا) هنا تدل على المثنى أو الجمع.. والأمثلة كثيرة مثل:

– أخذنا بعين الاعتبار.

– ذهبنا/ اشترينا/ … بينما الشخص يتحدث عن نفسه فقط ولا يستعمل ضمير المتكلم أنا، والأصح لغويًّا ومعنويًّا:

لو نظرتُ/ أخذت بعين الاعتبار/ …

بعد التجربة وجدتُ….

هل هو شعور الفرد بالنقص حيث لا يستطيع أن يحقق هويته (الفردية) إلا من خلال الجماعة؟

ويترتب على ذلك أن الخطأ الفردي يكون على الجماعة باعتبار أن الفرد بدون هوية مستقلة، ولا يتحقق له ذلك إلا من خلال قبيلة أو مجموعة فكرية أو دينية أو سياسية.

تذكرت الأئمة عندما يدعون إلى الانخراط مع/ في الجماعة: (يد الله مع الجماعة ومن شـذّ شـذّ إلى النار)، وهذا الادعاء ينفيه القرآن (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).

ينشأ عن الخطأ اللغوي في استخدام الضمير أخطاء سلوكية كثيرة ألاحظها في حياتي اليومية ومن خلال تجاربي وتفاعلي مع المجتمع.

أرى أن يتم إعادة صياغتنا لغويا (إعادة فرمتة) لنصبح أكثر استقلالية ويتحمل الشخص مسؤولية أفعاله.

عمتم صباحًا.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى