إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

الخِلُّ الوفيّ

مروة الأماسي

كنت أتحدث يومًا مع أحدهم عن أهمية الصديق الوفي، الذي تجده حاضرًا في السراء والضرّاء، فيفرح لفرحك ويحزن لحزنك، ولا يتردد لحظة واحدة عن تقديم يد المساعدة إذا احتجت لها في أيّ وقت، فتشعر بوجوده في حياتك بالأمان والاطمئنان، فهو رزق من الرحمن، ونعمة من النعم المستحقّة للشكر والامتنان.

هذا حال الخلّ الوفيّ على نطاق الدائرة الإنسانية المُصغّرة، فما بالك لو اتّسعت الدائرة، وامتدّت لآلاف الكيلومترات، وأصبحت ممثلة في دولة ذات سيادة ومكانة راقية، لم تمنعها العوائق والعقبات والبروتوكولات عن مدّ يد الرحمة والعون لانتشال الخائف المذعور، أيًّا كان لونه وعرقه ودينه وجنسه، وحمله إلى بر الأمان، واستقباله استقبال المحب، وتسهيل إقامته المؤقتة حتى يصل سالمًا غانمًا إلى أهله وأحبائه. إنّها البلاد التي ما فتئت تدعم القاصي والداني، مستمدة ذلك النهج من ثقافة أصيلة، ودعائم ثابتة، وكرم عربي متجذّر عبر التاريخ فأصبحت من الدول الرائدة في العمل الإنساني، ومن تحمل شُعلة المجد جيلًا بعد جيل.

أتذكر جيدًا وأنا ابنة العاشرة بعض اللحظات من حرب الخليج، تلك الحرب التي هزّت أركان جارتنا الشقيقة الكويت، فبثّت الخوف والفزع في قلوب أبنائها، فنزحوا أفرادًا وجماعات إلى المملكة وغيرها من الدول المجاورة، ولم يغب عن ذاكرتي كذلك نزوح المئات منهم إلى العاصمة الرياض حيث أسكن في ذلك الوقت، وإقامتهم في عمائر الإسكان، ومشاهدتي للأشقاء الكويتين وهم يتنزهون في الحدائق العامة، وكأنهم على أرضهم بين أهلهم، بلا قيود أو تمييز يُذكر.

ما أعظم ذلك الجار الشهم، والخِلّ الوفيّ، وما أروع ما قدّم خلال تلك الأزمة الخالدة في ذاكرة التاريخ، وذاكرة أهل الخليج على وجه الخصوص.

وها هو التاريخ يُعيد نفسه من جديد، ليكتب قصة بطولة جديدة، فخلال الأسبوع الماضي بادرت حكومتنا الرشيدة الحريصة كل الحرص على حفظ كرامة الإنسان، وأمنه، وسلامته، دون تمييز عرقي، أو عنصرية مقيتة، لإنقاذ العديد من المقيمين في دولة السودان الشقيقة، والذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع العقيم، حيث ذُكر في مقال نُشر في موقع صحيفة النيويورك بوست خلال الأسبوع الماضي بأنه “ليس من الواضح كيف ستتم عمليات الإنقاذ حيث اجتاح القتال العاصمة الخرطوم خلال الأسبوع الماضي، وأغلق المطار الدولي الرئيسي وأجبر ملايين السكان على الاحتماء في منازلهم، مع نفاد الطعام والإمدادات الأخرى للكثيرين”. ولكنّ الأمر عند السعوديين واضح وضوح الشمس، فإغاثة الملهوف عادة تجري من دمائهم مجرى الدم.

 وها نحن نشاهد من جديد الأيادي البيضاء الممتدة، والإنجازات التي تستحق أن تُكتب بماء الذهب، فقد دب الخلاف بين بعض أبناء جمهورية السودان الشقيقة، ونشأ الصراع بينهم خلال الأسابيع الماضية على مصالح سياسية متعارضة، وغفلوا في خِضمّ ذلك الخلاف عن عواقبه السلبية على البلاد والعباد، فآثروا إطلاق الرصاص على حفظ موارد الدولة، وقدّموا إراقة الدماء على توفير الأمن والاستقرار.

إن اللحظة التي شاهدنا فيها وصول أفواج النازحين، والهاربين من براثن الفتنة المشتعلة، وخروجهم من السفينة واحدًا تلو الآخر وهم يتنفسون الصعداء، وقد عادت البسمة إلى وجوههم، وتسللت السكينة إلى قلوبهم، لما شهدوه من حسن الاستقبال، ورقي التعامل، ومن بينهم سطع نجم المجندة السعودية بزيها العسكري، والتي خرجت من السفينة وهي تحمل طفلًا نائمًا بين ذراعيها كالأم الرؤوم، في لحظة فخر وعز عاشها كل مواطن سعودي أصيل. وتناقلت صورتها المواقع الإخبارية واحدة تلو الأخرى، انتشارًا ترك بصماته الإيجابية على صورتنا أمام المجتمع الدولي في أصقاع الأرض.

وللاستزادة فيما يخص حجم المساعدات والإعانات التي تقدمها مملكتنا الحبيبة تحت رئاسة مليكنا المفدى وولي عهده الأمين حفظهما الله، يمكنكم زيارة موقع (منصة المساعدات السعودية) حيث الأرقام والإحصائيات الدقيقة التي تثلج الصدور، وتبعث الأمل والتفاؤل بالغد المشرق لهذا البلد المبارك بإذن الله، مسترجعين قول الله تعالى: ﴿هَلۡ جَزَاۤءُ ٱلۡإِحۡسَـٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَـٰنُ﴾ [سورة الرحمن/آية ٦٠].

لا يسعني في الختام إلّا أن أعبّر عن فخري الذي لا حدود له بكل إنجاز إنساني يرفع قدر وطننا، ويُعلي من شأنه، ويعطّر سيرته، وينقش في صفحات التاريخ الإنساني صورًا مشرقة تتناقلها الأجيال القادمة، وقد خُتمت بالعبارة المشهورة: (ارفع رأسك أنت سعودي).

بقلم/ مروة الأماسي

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. 💚🤍💚🤍💚🤍
    شكراً لك يا وطني …
    انت فخر و عز و كرامة لكل السعودين و العرب و المسلمين 🇸🇦

  2. ما اجمل مد يد المساعدة والمعاونه لجميع الشعوب وكيف اذا كانت بلدنا صدارة دائمآ للاغاثة اللهم احفظ بلادنا وجميع بلاد المسلمين 🤍

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88