جان جاك روسو الأديب والفيلسوف

عاش الفيلسوف جان جاك روسو (1712 – 1778)، حياة قاسية ومريرة، إلى درجة أنها انقلبت إلى عطاء، حيث ترك للبشرية إرثا من التأملات والتنظيرات في الأدب والتربية والاقتصاد والسياسة.. وغير ذلك، فانطبقت عليه عبارة: «نعمة الألم».
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
ولد الفيلسوف روسو في عام 1712 في مدينة جنيف السويسرية، حيث ينحدر من أصول فرنسية، حيث ظهر ولعه اولا بالموسيقى وحب القراءة، وعلى الرغم من معاناته الفقر إلا أنه استطاع أن ينجح في جميع مراحل حياته العلمية والعملية.
كما ألف الكثير من البحوث والكتب والتي أكد فيها أن العلوم هي السبب الرئيسي في فساد الإنسانية، ومن ثم قام بوضع النظرية الاجتماعية التي من خلالها بنى فلسفته، كما أسس العديد من النظريات المهمة منها نظرية العقد الاجتماعي والتي تنادي بحرية شعوب العالم في الاختيار.
في عام 1628م وصل روسو إلى جنوب شرق فرنسا ( مدينة أنسي ) والتقى البارونة الكاثوليكية الفرنسيّة فرانسواز التي أرسلته إلى مدرسة كاثوليكيّة، واستطاع روسو كسب المال من خلال عمله في الموسيقى والتّدريس والسّكرتاريا، وأصبح ملمّاً بالفنون الدراميّة وكذلك اللغة اللاتينيّة، وفي عام 1742م انتقل روسو إلى فرنسا رغبة منه في أن يُصبح ملحناً وموسيقيّاً وتَقدّم إلى الأكاديميّة الفرنسية للعلوم بنظام جديد للترميز الموسيقي، إلا أنّ طلبه قوبل بالرّفض، ولكنّ روسو استمرّ في حبّه للموسيقى حيث قُدّم عمله الموسيقي المشهور (Le devin du village) للملك لويس الخامس عشر في عام 1752م، واستطاع أن يصبح سكرتيراً للسّفير الفرنسيّ في البندقيّة لمدة 11 شهراً.
تعرض روسو للهجوم بسبب الكتب الدينيّة الّتي كان يؤلّفها، حيث تمّ حظرها في كلّ من جنيف وفرنسا، وبسببها هرب روسو أكثر من مرّة ولجأ إلى الفيلسوف ديفيد هيوم في إنجلترا إلّا أنّه أصبح فيما بعد يعاني من أوهام حول مؤامرات تُحاك ضده، وكان يعتقد أنّ ديفيد هيوم كان متورطاً فيها، وعاد بعد ذلك إلى فرنسا في عام 1767م تحت اسم مستعار، وبعد ثلاث سنوات سُمح له بدخول فرنسا بشرط ألا يقوم بنشر أيٍّ من كتبه، إلّا أنّه بدأ بكتابة اعترافاته، فقامت الشّرطة بإيقاف كتاباته ولم تَظهر هذه الاعترافات إلّا بعد وفاته.
اعتقد جان جاك روسو أنّ البشر صالحون في طبيعتهم، وأنّ المجتمع هو الذي يُفسدهم، وكان يعتقد أنّ المؤسسات والمُنظمات المجتمعية هي التي تضطهد الإنسان، ومن المُمكن أن تؤدي إلى الشّر، كما أنّ حالة الإنسان الطبيعية هي الحالة الإنسانية المثالية، وأنّ القوى المُفسدة الأولى في المجتمع هي الأعراف الاجتماعية الموجودة لتقييد حُرية الإنسان، وبالتالي الوصول إلى عدم المساواة.
أدّت معتقدات جان جاك روسو إلى إكماله للعديد من الخطابات والأعمال المنشورة الخاصّة به، وفي النهاية، أقرّ روسو أن البشر يهتمون كثيرًا بآراء الآخرين، مما يؤدي إلى شعور زائف بالذات وتدمير الحرية الحقيقية للفرد.
بعد تراجع صحّة جان جاك روسو توجّه إلى الرّيف طلباً للرّاحة، وقد قَبل دعوة أشد المعجبين به وهو الميركيز جيرارد، فاستضافه في قصره وكان يأخذه في نُزَهةٍ ريفيّة باستمرار، وقد كان روسو في هذه الفترة يُعطي دروساً في علم النّباتات لابن ميركيز، وفي أحد الأيام خرج روسو لجمع الأعشاب كالمعتاد إلّا أنّه شعر بضيقٍ في صدره بعد تناوله اللبن والقهوة وسقط على الأرض وتوفي في وقتها، انتشر خبر وفاة روسو بشكلٍ سريع حتّى ظهرت إشاعة تقول إنه توفي منتحراً أو أنّه قُتل، إلّا أنّه لم تثبت صحة هذه الإشاعة.