إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

نغضُّ الطرفَ عنكِ تهذُّبًا

أحمد جنيدو

لعمرُكَ لو صارَ المتيَّمُ مذهبا.

فلا ترتجِ المكلومَ يأتيكَ مذنبا.

ولو وقفَ النَّاجي أمامَكَ صاغرًا،

رفعتَ لثامَ الوجهِ عنهُ معذَّبا.

هوى قلبُهُ نزفُ التَّجافي مروَّضٌ،

كوحشٍ يغيرُ الجوعَ يلقاكَ مُرْهَبا.

كقوسٍ رمى سهمًا يراقبُ طلقَهُ،

ولا يعرفُ السَّهمُ المسافرُ مأربا.

تركتُ أنينَ السِّجنِ خلفي كيقظةٍ،

تنامُ على الأهدابِ دمعًا ومطلبا.

أسيرٌ يحارُ الليلُ نومَ مفارقٍ،

فما أبلغَ التَّعبيرَ إذْ باحَ مُلْهبا.

يُفتِّقُ في همسِ الصَّباحِ مباسمًا،

وغابَ، يُصلِّي في شروقِكِ مغربا.

يثيبُ مناديلَ الليالي مراقدًا،

يصيبُ فتورَ المخمليِّ تقرُّبا.

جفاهُ، وضيقُ الشَّوقِ يسحلُ نبضَهُ،

يناجي بصمتِ البـثِّ، يرقدُ معجبا.

ليصحو مَعَ الأوَّاهِ صُبـحَ تنفُّسٍ،

يُناظرُها شمسَ اللقاءِ تعجُّبا.

فحولُ الفراتِ الغابرونَ دجـلةً،

يمرُّون في الماءِ المصفَّى تقلُّبا.

ظهورُهمُ السَّمراءُ تُبقِعُ حرَّها،

زنودُهمُ السَّوداءُ جاعتْ تصلُّبا.

وفي الشّامِ مرَّ الدَّاعرونَ بطُهرِها،

أحلُّوا طوابيرَ النِّيامِ تكسُّبا.

يخونونَ طُهْرَ الأنقياءِ ببسمةٍ،

تُجامعُهمْ في السرمديِّ تذبذبا.

ينوحُ الحمامُ المنزليُّ قِبابَها،

يطيرُ بأفْقِ المستحيلِ تهرُّبا.

لرافعةِ السَّاقينِ مهلًا تمهَّلي،

وغطِّي نغضُّ الطَّرفَ عنكِ تهذُّبا.

ليشعلَ أعماقَ التوهُّجِ فقدُها،

لمَنْ قالَ أترابُ التَّعثُّرِ مَشْربا.

تجرَّعتُ كأسَ السُّمِّ أرشفُ عزَّةً

لذاتي، غدا السُّمُّ المريُّ تحسُّبا.

ليشربَ من ضعفي حقيرٌ معظَّمٌ،

فيَسْكرَ معتوهٌ تمايلَ مُطربا.

وفي دارِ أمِّي بئرُ يوسفَ، ذئبُهُ،

وإخوانُهُ باعتْ كفيفًا مُنَسَّبا.

وعادتْ تجرُّ الزُّورَ عهدَ خيانةٍ،

وأبقتْ عجوزَ الصَّبرِ في السرِّ مُجدبا.

ظهورُ المآسي لا تردُّ عِظاتِها،

على كلِّ تجويفٍ رمانا محدَّبا.

رِكابُ خيولي السُّمرِ أرستْ قوائمًا،

على متنِها الهمُّ الثَّقيلُ تجرَّبا.

سماتُ الوجوهِ السُّودِ منِّي تقاطُعٌ،

لأنَّكَ من صُلْبِ الأبوَّةِ مُغْضبا.

تكفِّنُني الأيَّامُ، أشهقُ راحتي،

على راحتيكَ النُّورُ يلهو مقطَّبا.

يشقُّ ثنايا الرُّوحِ، يربعُ زفرةً،

كنايِ الهوى يهفو عذابَكَ مسربا.

فلولُ غباري تَتْبعُ المدَّ لعنةً،

وفي صُفرةِ الوجدانِ تُبقي مكلِّبا.

لعمرُكَ لو زادَ العشيقُ صبابةً

تلوَّى بعشقٍ يُستباحُ تصبُّبا.

على جُرحِكَ الملعونِ ألفُ حقيقةٍ،

تكاثـرْ بداياتٍ، وعاودْ توثُّبا.

الشاعر/ أحمد جنيدو

من ديوان: “سقطت النقطة عن السطر”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى