
مع بدء العام الدراسي الجديدِ الذي يستقبله مجتمعنا ما بين إشراقات وتفاؤل بالعودة وما بين تذمُّر من تعبئة الدراسة من طلباتٍ ومصاريفَ لا حصرَ لها.
وهذا العام استقبلَ الطلاب والطالبات عامهم الدراسي بكتبٍ تجعلُ كتبهم وحقائبهم توزنُ بالكيلو غراماتِ، ويذكرنا هذا بصالات المطارات وهيَ تزنُ حقائبَ السفرِ وأنَ لا تتجاوزُ 25 كغم، والآنُ طالبُ العلمِ لديهِ حقيبةُ كحقائبِ السفرِ، ومنْ جانبٍ آخرَ فتحتْ هذهِ الأوزانِ مجالًا لانبثاقِ حلولِ منْ قِبَلِ المكتباتِ وخدماتِ الطالبِ بالتعاونِ معَ أولياءِ الأمورِ بتقسيمِ الكتابِ المدرسيِّ -الذي يضمُّ ثلاثةَ فصولٍ دراسيةٍ معًا- حسبَ الفصولِ، وإعادةِ تجليدهِ وفقَ تقسيمهِ ليحملَ الطالبُ جزءًا مِنَ الكتابِ وفقَ ما يدرسْ. وهذا التقسيمُ الذي تسابقتْ لهُ المكتباتُ التجاريةُ في نظري يعدُّ إتلافٌ للكتبِ، فإنَ كانَ رغبةً منْ الطالبِ ووليِ أمرهِ وأيضًا منْ بعضِ المعلمينَ والمعلماتِ الذينَ طالبوا بهذا التقسيمِ حتى لا يحملُ أيضا المعلم -التقليدي في تدريسهِ للمادةِ- أطنان كتب عندَ التصحيحِ.
وبالنظرِ لهدفِ الوزارةِ في عدمِ تقسيمِ الكتابِ المدرسي وفقَ عددِ الفصولِ الدراسيةِ -كما الطباعةُ في السابقِ- حسبَ تبريراتِ وتصريحاتِ مسؤوليها، أنَ هنالكَ التابلتْ البديل للكتابِ، متناسينَ أنَّ هنالكَ طلابٌ في هجرٍ وقرى وبيئاتِ محدودةٍ الدخلِ قدْ لا يتوفرُ بها الإنترنت للاستفادةِ منْ منصةِ مدرستي التي تتواجدُ فيها نسخُ الكتبِ الإلكترونيةِ، وهذا لمسناه حين كانت الدراسة عن بُعد، كذلكَ بعضَ المعلمينَ الذينَ لا يعترفونَ إلا بالكتابةِ والإجابةِ على الكتابِ الورقيِ نفسهُ؛ لأن المعلم نفسهُ لا يتعاملُ معَ التقنيةِ، وهذا لمستهُ بنفسي خلال تتفيذي لدوراتٍ تدريبيةٍ للمعلماتِ، حيثُ نقدمُ لهن مذكراتٌ لمحتوى التدريبِ على ملفاتٍ إلكترونيةٍ كنتُ أجدُ بعض المعلماتِ يطالبن بتزويدهن بملف ورقي؛ يحعلني أتذكرُ أيام الملفِ الأخضرِ.
كذلكَ جاء منْ حجج وتبرير الوزارةِ في دمجِ الثلاثة فصول في كتابٍ واحدٍ أنهُ يسهلُ على الطالبِ الرجوعَ خلالَ كلِّ فصلٍ دراسيٍ جديدٍ إلى مهاراتِ ومعارفِ الفصلِ السابقِ وهذا يجعلني أتساءلُ: هلْ غابَ عنْ الوزارةِ أنَّ المعارفَ والمهاراتِ في مقرراتنا السعوديةِ المصممةِ كمحتوى على مهاراتِ التفكيرِ تنقسمُ إلى: مهارات ومعارف غير مستمرةٍ، وهذهِ يجب أنْ يتقنها الطالبُ خلالَ دراستها في فصلٍ دراسيٍّ منفصلةٍ عنْ الفصلِ السابقِ أو التالي، ومهارات تراكمية مستمرة سواء كانت منفردة أوْ مركبة، وهذهِ لا ينتقلُ الطالبُ لمهاراتٍ جديدةٍ دونَ أنْ يتقنها ليستطيعَ تعلمَ ما بعدها؟.
فكأني بتبرير الرجوعِ للمهاراتِ المطروح منْ قبلِ مسؤولي الوزارةِ تبرير غيرُ مدروسٍ إلا إذا كانتْ العمليةُ التعليميةُ في نظرهمْ يجب أن تدار بنظام (صبهُ واحقنهُ) معتمدة على الحفظِ والتلقينِ بحيث يحفظُ الطالبُ المهارةَ العمليةَ -هذا مستحيلٌ طبعًا- والمهارةُ غيرَ العملية، ويسمعها ويرددها في دراستهْ؟!.
لقد كانَ منْ الأولى بالوزارةِ مراعاةَ ظروفِ أولياءِ الأمورِ وكذلكَ الطلابُ والطالباتُ الذينَ أصبحوا عبرَ الزمنِ منْ أبطالِ حاملي الأثقالِ، وأن الحقيبةَ المدرسيةَ التي معَ بدءِ كلِ عامٍ تنزلُ للأسواقِ بعروضٍ ومزايداتِ ومبالغَ باهظة، وكأننا في سوقٍ سوداءَ، والآنِ أصبحتْ الكتبُ المدرسيةُ تقسّمُ في سوقِ العرضِ والطلبِ والمزايدةِ في خدماتِ الطالبِ سوق سوداءِ أخرى، خاصة أنَّ لدى الوزارةِ مشروع (قديم) أكلَ الدهرُ عليهِ وشربَ، ولمْ يُفَعّل، وهو مشروع الحقيبةِ المثاليةِ الذي طالبتْ الوزارةُ فيها بمواصفاتٍ للحقائبِ تعتمدُ على كونها لا ترهقُ الطالبَ في حملها، بمواصفاتٍ من الصناعةِ؛ وأنها يجبُ ألا تكونَ بعجلاتٍ (دولايبْ)، بل تُحملُ على الظهر بكل خفة، فمعَ أطنان هذه الكتب المطبوعة كاملة لتخفيف التكلفة المالية على الوزارة فقط، وهوَ السبب الحقيقي، كيف ستطبق مواصفات مشروع المناداة بالحقيبة المثالية، المشروع (النائم والمعطل) غير المطبق؟!.
أخيرًا.. أين هيكلة التعليم وخططه واستراتيجياته والسيرِ بالمشروعاتِ في الوزارة قدمًا ونحو مستقبل رؤية سيدي ولي العهد -حفظه اللهُ ورعاه- 2030، عن التطبيق العمليِ بدءًا بالكتاب المدرسي والطالب ومصلحته وتنمية وتطوير المعلم، وانتهاءً بمستلزمات التعليم من حقائب وأقلام ودفاتر، … وغيرها؟!.
وماذا عن تداولات الذكاء الاصطناعي في التعليم؟ هل هي تشدقات وسواليف كلام الليلِ يمحوهُ النهار؟!.
وإلى متى نعيش التنظير دون القضاء على الفجوة بين المفترض والواقع؟.
نسمةٌ صيفيةٌ:
إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة وإن كنت تعلم فالمصيبةُ أعظم، وإن كنت خارج الذكاء الاصطناعي فستصلك كارثة البطالة.
بقلم/ د. هتون سليمان الوابل