إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

المـثـقـ(فون)

علي عويض الأزوري

 منذ عدة أشهر وصديقي “ينكش” أفكاري لأكتب عن (المثقف)، هذه الصفة التي نطلقها غالبًا على حملة الشهادات، أيًّا كان مستواها، أو من يتحدثون في وسائل الإعلام أو المجالس ويشار لهم بالبنان في كل حافلة آسف حفلة.

 وتناقشنا على الواتس آب عدة مرات عن هذه التسمية.

 أنا (وأعوذ بالله من كلمة أنا/ صارت في جيناتي الذهنية أن أقول هذي العبارة مع أني لا أفهم لماذا تقال) لا أمسك قلمي وأبدأ في الخربشة، لأن كاتبي المفضل ميخائيل نعيمة كتب عبارة جميلة ذات مقابلة: (كلما بريتُ قلمي براني)، وخربشاتي تختلف عن كتابات الكثيرين (غرور في محله)، وصديقي يعلم أن الكتابة تتعبني ذهنيًّا، ويترتب عليها تعب جسدي وقد تجاوزت الخامسة والستين من العمر (العمر كله يا علي)

 وقبل التفكير في الخربشة أبدأ في البحث عن الموضوع الذي يشغل بال صديقي ثم يشغل بالي ويقلق مضجع أفكاري، لتكون الخربشة essay وليست article ولا أريد الخوض في الفرق بين الاثنين (ربما أخربش يومًا عن ذلك).

 وبحثت عن تعريف المثقف فوجدت في عدة مواقع (وكلها نسخ عن بعضها)، (ومنها مقال في جريدة الجزيرة لكاتب من حملة الدكتوراه) رأي ينسب إلى نعوم تشومسكي يقول فيه:

يرى نعوم تشومسكي بأنَّ «المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة، ويتبين لنا من خلال هذا التعريف بأنَّ المثقف صاحب دور قوي في الوقوف بصف الحقيقة من خلال نقده لأي سلوكيات خاطئة تحدث في المجتمع سواءً كانت من قِبَل الأفراد أو المؤسسات والشركات.

ترجمتُ كلام تشومسكي إلى الانجليزية وبحثت فوجدت أن ما قاله هو:

 Chomsky holds a philosophy that brings truth to power, stands up for the oppressed, and is rooted in diverse intellectual traditions.

يا للفضيحة! واتشومسكياه! (افتروا على الراقل).

إن تشومسكي يؤمن بفلسفة تجلب الحقيقة للقوة/ السلطة، وتدافع عن المضطهدين، وهي متجذرة في تقاليد فكرية متنوعة.

ذلك نموذج لمن نطلق عليه صفة (مثقف) لأنه نسخ وألصق ما وجده بالعربية في موقع ما، ويتداوله البعض عن أن ذلك تعريف المثقف عند نعوم تشومسكي، ولم يكلف نفسه عناء البحث للتأكد من تلك الصفة، ومما قاله تشومسكي:

“قال صديقي ذات نقاش: تذكر لم نجد مقابلا في الإنجليزية (كلمة واحدة) لمسمى مثقف (اسم) بالعربية، لو حاولت لا تجد سوى صفة فقط، وهذا يعني أن الاسم بالعربية اختراعنا.

يظهر (المثقف) كثيرًا في المجالس والصالونات لأن النفوذ والتأثير أكبر وأكثر عن طريق الأذن، وكنت كتبت عن (الرؤية بالأذن) لأننا لا زلنا أمة شفهية تسمع أكثر مما تقرأ وتفكر. ويجدون قبولًا أكثر لدى غالبية الحضور لأنهم يتحدثون عن أشياء قرأوها وحفظوها ثم يجلسون ليـُسمعّوها للحاضرين، ولأن الحضور تعودوا على السماع (لا يهم التركيز لأنهم في حالة من التنويم المغناطيسي) ينبهرون من كلام المتحدث، ويرون أنه مختلف في طرحه (جاب الديب من ديله).

ذلك من ناحية الحديث والكلام، لكن ماذا عن الكتابة؟

ذلك هو الاختبار الحقيقي لهم!

ورجعت بذاكرتي الاختياريه (الكبيرة في السن) إلى الوراء وتذكرت الجاحظ وابن خلدون، هل كان يطلق عليهم صفة مثقفين؟

لا، لم تُعرف تلك المفردة في زمانهم ولا زمان من كان قبلهم، ولا من جاء بعدهم، وهي لفظة حديثة لا يُعرف لها تاريخ أيضًا، وإن كانت هناك آراء ومقالات تقول بأن الشعراء قديمًا استخدموا لفظة مثقف (مـِثْـقَف): وهو الرمح في عرف الشعراء، وشتان بين المعنين.

ما سبق يؤكد كلام صديقي المزعج أنها من اختراعنا، مَن (نا)؟ لا أعرف.

وليزيد من عناء تفكيري ويجعله في سباق ماراثوني بعث لي صديقي:

 Josh Barro coined the term “Section Guy” at Harvard University. It refers to a student who incessantly speaks but says nothing of merit or value.

 صاغ جوش بارو مصطلح “عريف الفصل” في جامعة هارفارد، ويشير إلى الطالب الذي يتحدث باستمرار ولكنه لا يقول شيئًا ذا قيمة أو فائدة.

ثم أرسل لي تعريفه للمصطلحات التالية (التعريف لصديقي علامة تجارية وفكرية):

المثقف:  

is somebody who makes up stuff that sounds

هو شخص يختلق أشياءً لها صدى ثقافي

 to unsuspecting many, but would crumble when examined and challenged.

 لغير المشككين الكثيرين، لكن ينهارون عند الاختبار والتحدي

 المثقف:

 tells the masses what they want to hear in fancy words that disguise nothingness.

 يخبر الجموع بما يريدون سماعه في كلمات براقة/رنانة تخفي العدم/ لاشيء/ فراغ

أعلم أن صديقي سينام الليلة قرير العين بعد قراءة هذه الخربشة، لأنه نجح في تحفيزي على الكتابة فهو يجد لذة ومتعة في تعذيب أفكاري وقلمي.

 عمتم مساءً.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى