
وقف والحزن يجتاحه، والدموع تترقرق في عينيه، والغُصّة تبتلع صوته بمرارة واضحة، وقال أنتم عليكم الفعل ونحن علينا ردة الفعل، لقد وضعتم في قلوبنا القسوة وأنتزعتم منا بأفعالكم القاسية آخر قطرات الحنان؛ من بعد هذا اليوم لا تنتظروا صاحبكم السابق، ثم استدار ورحل بلا عودة.
السؤال هنا: هل يجب اتقاء شر الحنون إذا قسى؟
هل يجب الحذرمن غضبه إذا خُذل؟
هل اللطفاء وأصحاب القلوب الطيبة الحنونة لهم حد لطاقة التحمل واحتمال غلاظة من حولهم؟
هل فعلا الطيبون عندما يغضبون من سوء معاملة مجتمعهم المحيط يرحلون دون إنذار؟
هل حقًّا يرحلون مغلقين خلفهم الأبواب؟
هل عندما يشعرون بأن المكان الذي هم فيه ليس مكانهم يعلنون الرحيل عنه للأبد؟
هل عندما لا يجدون من يشبههم يبتعدون كثيرًا؟
هل يوقفون تضحياتهم وجهدهم عندما يشعرون بعدم تقدير من المحيطين بهم؟
هل ردود أفعالهم تكون بحجم خذلانهم ممن أحبوهم؟
هل حقا لاويمكن إيجادهم مرة أخرى بنفس الطيبة وذات الحنان؟
هل حقا نحن نقدر الطيبون ونجل أصحاب القلوب الحانيه؟ أم أننا نراهم مهدرون لعواطفهم وأنهم سذج في منح اللطف والحنان بصورة مفرطه ؟
هل هم من يفعل الصواب؟ أم من يستغل طيبتهم من هو على صواب؟
هل الطيبة والحنان عملتان نادرتان أم هما وصمة عار لمن يحملها؛ حيث يصف الكثيرون الطيب بالساذج؟!
ما هي حدود الطيبة.. وماهي شعرة معاويه الفاصلة بين القسوة والحنان؟.
لو نظرنا لشرعنا وديننا الحنيف لوجدنا أن الرحمة والرأفة صفة نبي الله ورسوله محمد عليه السلام، وكذلك صفة أثنى الله بها على نبيه، حيث قال سبحانه ﴿… وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ …﴾.
إذًا.. طيب المعشر وحسن المعاملة واللطف صفة وعملة نادرة، لكن يجب أن لا تُصرف لكل من هب ودب، بل يجب أن تُصرف لمن منحك قلبًا بقلب، وودًّا بود، واختار أجمل عبارة ليغلف بها مشاعرك ويطبطب بها على حنايا روحك، وراعى فيك حق الصحبة وحق القربى وحق الجوار وحق الصداقة، وآثرك على نفسه أو ساوى بينك وبين ذاته، وأحب لك ما يحب لنفسه؛ هنا تكون الطيبة الحقة، وهنا تكون معادلة الود الصادقة.
لا تُسكب حنانك ولطفك في وعاء من لا يثمن جودة لطفك وحسن تعاملك له، ألم يصف الله التعامل مع الغلظاء بقوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ﴾.
كن لطيفًا مع من يحمل صورة طبق الأصل منك، رحيمًا ودودًا لطيفًا مع من يشبهك في ذات الصفات، أما من نظر للطفك باستحقار، ووصف رقتك ولطفك بالضعف فقدم له ذات الكأس ليرتدع وليعلم أن الدين معاملة. فعامل الناس بماهم أهله ولا تكن ذلك الصنم الذي يُقذف بالحجارة التي يسمع صداها في جنباته وهو أخرس أصم لا يجيب ولا يشعر. لا تجعل روحك تتألم وأنت تصارع خيبات الألم خيبة تلو أخرى، ولا تمنح طيبتك لمن لا يقدرها، ولا تقبع في أعماق الخذلان منتظرًا أن يلحظ تضحيتك أحدهم أو يثني على طيبتك؛ لن تجد ذلك المصباح في أعماقهم مهما بحثت، فلا تتعب نفسك منتظرًا منهم رد الجميل، بل قد تجد ما هو أسوأ من ذلك منهم وستتحول حينها لشخص آخر أشد منهم قسوة وأشد فتكًا، لأنك خُذلت مرارًا وتكرارًا، حتى حُطمت ذاتك فتحولت طيبتك لسلاح القسوة رغمًا عنك، لذلك هب سريعا وقبل فوات الأوان، احمِ ذاتك بتوظيف طيبتك في مكانها الصحيح، وإن لم تفعل فأنت حقًّا تستحق الألم.
بقلم/ موضي المطيري – القيصومة