زوايا وأقلاممشاركات وكتابات

تأملاتٌ في قصيدة (اغتيال) للشاعرة/ هديل العتيبي

وقفة سريعة مع عنوان النصر (اغتيال)

المتعارف عليه عند النقاد عامة أنَّ العنوان هو بوَّابةُ النص الرئيسة، ومنه يتمُّ النفاذ لمعايشة التجربة، ومحاولة سبر أغوارها.

والشاعرة هنا ارتأت أن تستخدم لفظة (اغتيال) بصيغة التنكير، مجردة من أي تركيب لغوي، لغايات معينة أودعتها في تراكيب النص.

إنَّ أكثر تفسيرات المعجمات لمعنى (اغتيال)، تشير إلى معنى القتل الذي يتمُّ في الخفاء وتظلُّ أسراره مجهولة، وأسبابه مستعصية على الفهم والاستيعاب.

ومعنى هذا  أنَّنا هنا إزاء(اغتيال) على  صلة وثيقة بكيان الشاعرة، ونظرتها الوجودية إلى الحياة.

(اغتيال) تعددت مظاهره وأساليبه، في تموجات معاني القصيدة، وجاء حضور صوت الشاعرة وتعاطفها الإنساني المتمثل في ضمير المتكلمين (نا) المعتمد كقافية؛ تأكيدًا لتلاحمها المتين مع بني الإنسان جميعًا.

******************************

جوّ النص:

تستهلّ الشاعرة نصها بواسطة الأسلوب الخبري، في مقام تصوير بعض المشاهد الدرامية، التي انعكست على نفسيتها وعواطفها الجيَّاشة، فهناك كونٌ مغاير تمامًا لما اعتدنا عليه على ظهر البسيطة، كونٌ غريب يثير الفزع والجزع والاسترابة، أصابته (الحمّى) المستعرة من ضراوة الواقع المهيمن، وسيطرة الأحداث الدامية، فجعلته مثخنًا بالجراحات والأسقام، لا يقرّ له قرار، ولا يهدأ له أوار، وهو في عِمايته هذه، وتشظِّيه هذا، تطاولت عليه العواصف الكالحة، فتولدت عن ذلك إشعاعات مسمومة مفعمة بالغبار الخانق، الذي غطَّى الجهات المحيطة بالشاعرة، ومرامي بصرها هنا وهناك.

في هذا المشهد المتكهرب القاتم  ينشأ صراع دامٍ في محاولاتِ يقوم بها الجوّ العام، ممثلاً في الأعراف، والقوانين، والأنظمة المتعارف عليها عند أصحاب الشأن، الذين يعكفون على نزع فتيل ذلك الصراع، وتنقية الخارطة الأرضية والسماوية مما علق بها من شوائب، أو تربّص بها من مخاطرٍ، تنحو بها باتجاه العدم والزوال.

فهي إذن تصادماتٌ تميط الشاعرة اللثام عن أهوالها، في لغتها التصويرية، ابتداءً من مطلع القصيدة. وتمضي الشاعرة في رصد سلسلة من العذابات والآلام المتمخضة عن ذلك الصراع الدامي، كما في هذه الإشارات:

– وعدٌ مرصودٌ يتعامل مع الإنسانية والبراءة  كما يتعامل مع الأحجار الصمَّاء، فهم -أي البشر- في نظر غِلاظ القلوب لا يختلفون عن طبائع الأحجار!

– العالم الآخر البعيد نسبيًّا عن منطقة الصراع المحموم  أصابه الذعر والهلع، فهو يرى ويسمع ما يحدث من اختراقات وتجاهل لقيمة الإنسان ودوره الحيوي، فيمد يد المصافحة كنوعٍ من المبادرة، من أجل استبقائه والحيلولة دون فنائه الذي باتَ وشيكًا.

– الخوف يستحيل مأساة لا تُطاق ولا تُحتمل آلامها، وترتب على ذلك أن المعاهد من مجالس علم وغيرها، امتدت إليها جرائم الاغتيال، وألسنة الفناء.

وعلى الرغم من هذه الأحداث المزلزلة، تلوح في أُفق الشاعرة نسماتٌ منبعثةٌ من جنات النعيم، تتضمن فيوضًا من الرحمة الإلهية.

ومن نسمات تلك الرحمة يشعُّ الأمل من جديد، وهو أمل مضمخ بعبير الرياحين، مقترنٌ بنشوة الابتهاج والفرح المنتظر.

– هذا الحلم المطرز بالنعيم الإلهي يبسط للشاعرة الميدان الرحب الفسيح، فيمدُّ لها طوق النجاة، من أتون ذلك الصخب المرير، فنراها وقد أمسكت بكفّ قرينها الأثير، الذي سينأى بها عن تلك المواطن المصطلية، متلمسةً حرارة الدفء والمؤانسة والمؤازرة، مغتبطة بمظاهر الحنان والوداعة والهدوء وما إلى ذلك.

وينتج عن ذلك الوفاق الإنساني اللطيف، واستشعار الشاعرة روح الطمأنينة تسري في أعماقها وبين جوانحها، ميلاد الحبّ الذي أملى عليها أن تصرَّح قائلةً (أحببتك)، لنجد أنفسنا أمام طقس رومانسي، تحفُّ به السعادة الغائبة قبل ذلك الميعاد، ومن ثمّ تستيقظ نوازع الشوق إلى حياةٍ جديدة، حياةٍ لا معنى فيها للعنف ولا للكيد، ولا لصور الخيانة، والمؤامرات المقنَّعة، ولا مكان فيها للفوضى، والتهديد، والانتهازية، حياة تعيد الأشلاء النفسية المتناثرة، والأسئلة الحائرة المتخبطة، إلى رحلة بناء أُخرى، كما يعاد تشكيل المدن المحطمة التي اغتالتها الفتن والفساد، والانتهاكات.

*******************************

بعض ظواهر النص الفنية، باختصار:

– القصيدة تتفتح على أكثر من معنى، مما يموج به الكون من مشاهد

– مفردات القصيدة موحية في معظمها.

– تتسم عاطفة الشاعرة بالصدق، وتتشح بمِسحة حزن.

– هنالك رمزية معينة، لا تخلو من غموض.

– استثمارالشاعرة (فنّ التشخيص) كما في: وصف الكون بالمحموم، والتفات العالم، …إلخ.

– لدى الشاعرة إحساس حادّ بالزمن اللغوي في صورتي المضارع والماضي كما في (يصافح، تبهج، يسافر، ألتحف، … إلخ).

والماضي: (التفت، تحول، جمع، اغتال، … إلخ)، وكل زمن مرتبط بدلالة نفسية معينة.

– تضمن النص بعض الصور الفنية كتشبيه الشوق بالإنسان المسافر من أرض إلى أرض على سبيل الاستعارة المكنية.

وهنالك عناصر فنية أخرى مما لا يتسع المجال لذكرها.

*******************************

-بعض سمات الشاعرة الفنية «باختصار»:

1- النص يوحي بقدرات الشاعرة العالية على استثمار ملَكة الخيال، والربط بين المفارقات في المشاهد التي تطرقت إليها.

2- للشاعرة ذاتية شعرية مستقلة، تحاول المواءمة بين صوت الوجدان وهتاف العقل من جهة، وبين محاولتها الجادة على استقلالية التجربة الشعرية، من جهة أخرى.

3- استخدام مفردات النص والتراكيب اللغوية إجمالًا عليها طابع الابتكار.

4- للشاعرة قدرة على التصوير

5- إحالة المعنويات إلى محسوسات كقولها (ألتحف الشجنا) هو نوع من التجسيم الفني، ويدلُّ على براعة عالية.

 

رابط القصيدة

اغتيال

والله تعالى الموفق.

بقلم/ محمد سلطان الأمير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى