تشكيل وتصويرفن و ثقافة

لارا شاهين تقدم توثيقا فوتوغرافيا للتغيير المستمر

تلحق آثار التغيير المستمر بكل شيء من حولنا، فتجعل كل ما يحدث مثيرا للانتباه والإبداع، وهذا ما حصل ويحصل مع المصورة الفوتوغرافية اللبنانية لارا شاهين التي كرست مشروعها الفني لرصد التغيرات السريعة في الحياة وأهم القضايا المشتركة التي يعانيها البشر.

كانت الغاية الأولى من الصورة الفوتوغرافية في الزمن الماضي حفظ الوجوه والأمكنة والحوادث في طور تغيرها المستمر. منها ما كان يشكل توثيقا مطابقا للحقيقة ومنها ما كان يخدم مصلحة دافع ثمنها كالملوك وأصحاب النفوذ.

أما لاحقا فباتت الصورة الفوتوغرافية غير معنية فقط بالقبض على اللحظات والوجوه الهاربة لتكون فنا قائما بذاته هدفه الأخذ بعين المُشاهد إلى خارج ما هو أمامه وصولا إلى فن المفهوم أو التوثيق العشوائي الذي كثيرا ما تحول إلى غموض لا يفقه كنهه إلا صانع العمل. المعرض الذي تقيمه دار المصور للمصورة الفنانة لارا شاهين يشكل مثالا على هذا النوع من الصور الفوتوغرافية.

ستفتتح دار المصور بالتعاون مع برنامج “سمارت” معرض تصوير فوتوغرافي بعنوان “التغيير مستمر” للمصورة اللبنانية الشابة لارا شاهين مساء غد الخميس في دار المصور. وسيستمر المعرض إلى غاية التاسع والعشرين من الشهر الجاري.

يذكر البيان الصحفي المرافق للمعرض أنه “عبارة عن مجموعة من الصور التي تعبر من خلالها لارا عن المشهد العاطفي الداخلي للمياه في بوشيافو من خلال سكانها، ومرافقها، والأرض بحد ذاتها. هذا المعرض هو بمثابة تعليق مرئي على التغيرات السريعة التي تحدث من حولنا وواقع التطور البشري مع المياه”.

ولأجل أن يتضح معنى الصور التي قدمتها في هذا المعرض لا بد من ذكر، وإن باقتضاب شديد، المنطق البصري الذي اعتمدته سابقا وتستمر اليوم في توسيع أبعاده. تحاول المصورة المقيمة في لبنان، التي تعمل لحسابها الخاص والتي إضافة إلى كونها مصورة هي باحثة مستقلة علمت نفسها بنفسها، أن تتخذ دوما طريق التصوير الفني المُعبر عن الأفكار خاصة تلك التي تنتقد فيها مظاهر ومعتقدات اجتماعية في الوطن العربي.

قد سبق لها أن قدمت مشروعا ضم صورا فوتوغرافية تحت عنوان “خليلي جمالك”. ابتدأت مسيرتها في مهنة التصوير الفوتوغرافي مع برنامج “التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي”، ذلك المشروع طويل الأمد، وهو أول مشروع وثائقي تصويري لها.

حضرت في ذلك المعرض مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية أرادت من خلالها لفت النظر إلى الضغط الهائل المرتبط بمعايير الجمال في مجتمعنا العربي. كما سلطت الضوء، حسب البيان الصحفي المرافق للمعرض، “على العديد من الصعوبات المدمرة على المستويين العاطفي والجسدي وكل ذلك بسبب تلك المقاييس المستحيلة والخانقة المتعلقة بالجمال والمظهر الخارجي”. ومن ناحية أخرى شاركت لارا شاهين المصورة ريم فلكناز في معرض حمل عنوان “إبلعّ” فصنعت مع زميلتها مشهدا توثيقيا شائعا ضم أعمالا فوتوغرافية ووسائط رقمية.

وقد ذكر البيان الخاص بالمعرض آنذاك أن المعرض سلط الضوء على “التوجّه المفرط نحو إضفاء صفتي المرض والدونية على أجساد النساء، حيث يتلاقى كلٌ من العبثي السياسي والسريالي البصري والتقارب الفكاهي”. ولا يخرج معرض لارا شاهين الجديد “التغيير مستمر” عن محاولة إرساء منطق لفت النظر إلى قضايا كبرى ومنها تتناول التغيرات الهائلة التي تعرفها الأرض، لاسيما تحت التأثير البشري المُدمر لها حتى وإن أخفقت في إظهار ذلك.

ومن الصور التي تنتمي إلى هذه المجموعة تلك التي يظهر فيها الصخر شبه الأملس وهو يتكور إلى جانب صخور أخرى. صورة تتميز بتركيب فني لافت. ومن الصور المُعبرة تلك التي يظهر فيها الحصى والصخور الصغيرة والعشب ويتخللهما ماء يبدو غريبا بعض الشيء إذ تنتفي عنه صفة الشفافية فيكون كثيفا، بل كالحليب المائل إلى الزرقة.

ويذكر البيان الصحفي المرافق للمعرض أن “أسلوب لارا في التصوير الفوتوغرافي عفوي تعبر فيه عن العالم من حولها، سردًا وبصريًا، كما تهدف إلى مطابقة وسيلة التصوير الفوتوغرافي المناسبة مع الموضوعات أو الرسائل أو المشاعر التي تحاول تجسيدها في صورة. خلال إقامتها في بوشيافو السويسرية ركزت على واقع إدارة المياه والتعقيدات التي تسببها البيئة والناس”.

ويُمكن القول إن الأعمال التي تقدمها الفنانة اللبنانية اليوم هي أعمال شديدة التنوع، وذلك لم يكن لصالح ما قدمته. هناك مجموعة تشتد فيها النبرة الفنية وهي التي تبدو كأنها تمحيص جيولوجي في ماهية الأرض التي يرشح منها الماء أو يتدفق إليها كما في الصورة التي يظهر فيها ما يشبه شلالا متدفقا ينهال على صخر بديع غلب عليه اللون الأحمر والأسود.

الصورة مُحيّرة بعض الشيء لأن الناظر إليها لا يستطيع أن يكون متيقنا من أن ما يبدو منهمرا هو ماء أم هو صخر رمادي/ أبيض تتخلله شرايين دقيقة. هذا إذا لم نذكر ما يركن في أسفل الصورة: ما يشبه الثلج المتماسك، ولكن أيضا ربما هو ليس بثلج. هنا تطفو على السطح، وإن بصعوبة، فكرة المعرض العامة “التغيير مستمر”. هل المقصود تحول مستمر يحار المرء كيف يصنفه؟

أما المجموعة الثانية في المعرض فهي لا تشبه الأولى وتكاد تتنافر معها على مستوى المضمون والأسلوب. إذ تبدو المصورة وكأنها فجأة تحولت إلى موثقة تلتقط الصور لترينا الأجهزة المنتمية إلى عالم جلب الماء وتكريره وغير ذلك من الممارسات غير الواضحة بالنسبة إلى من هم خارج هذا الجانب العلمي. وتفتقر هذه الصور إلى النفس الفني؛ ذلك أن التوثيق الموضوعي للموضوع المتناول هو المهم بالنسبة إلى المصورة لارا شاهين. ولكن تحضر في هذه المجموعة صورتان فنيتان وحيدتان، حيث تبدو الأولى كأنها من عالم مستقبليّ وتبدو الثانية كأنها تنتمي إلى الأعمال الفنية ذات النفس التجريدي.

في المجموعة الثالثة يحضر العنصر البشري. وهي أيضا صور تميل إلى الجانب التوثيقي أكثر من ميلها إلى الجانب الفني. ربما كان من الأفضل ألا يكون تقديم هذا المعرض على هذا النحو الذي يشير فيه إلى أنه “تركيز على واقع إدارة المياه والتعقيدات التي تسببها البيئة والناس”، أو ألا تكون كل الصور شديدة الاختلاف حاضرة في المعرض، وإن كان لا بد من حضورها كلها فعلى الأقل قد يكون من الصائب أن ترافق كل صورة نصا قصيرا يشرح ما يجري ولماذا؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى