تشكيل وتصويرفن و ثقافة

” سلالات من الماضي ” معرض تشكيلي للعدوان بجنيف

بحضور نخبة مثقفين من المجتمع السويسري والمهتمين، افتتح في مدينة جنيف مؤخرًا، معرض الفنانة التشكيلية روان العدوان، حيث عرضت قاعة متحف الفن الفينيقي القديم بالإضافه إلى مقتنياتها، عشرين لوحة فنية مستوحاة من النقوش والرسومات الصفائية.

من نقش الصخر إلى اللون على سطح القماش، بثت روان الروح في إرث أجدادنا العرب، والذي ما زال شاهدًا على عراقة تاريخنا في شمال البادية الأردنية منذ ألف سنة قبل الميلاد، حيث قدمت أعمالًا فنيى تتكلم فيها عن تاريخ وإرث الأردن.

في معرضها الحالي، والذي جاء بعنوان (سلالات من الماضي)، سلطت الضوء على تاريخ العرب القديم وإنجازاتهم ودورهم الذي ساهم في بناء الحضارة الإنسانيه، ومن خلال معرضها هذا قدمت صورة حضاريّة جديدة عن مفهوم البداوة للغرب، بأنهم قبائل عربية عرفت القراءة والكتابة.

تميزت الأعمال المعروضة بطابع الفن القديم والمعاصر، وذلك من خلال تقديم لوحات مستوحاة من الفن الصفائي القديم بمفهوم الفن المعاصر.

وألهم هذا الفن السابق لعصره الفنانة العدوان، كما تقول لـ”الرأي”، لعمل لوحات بألوان زاهية تعبّر عن روح الحياة التي عاشها العرب بتناغم مع البيئة والمحيط، حيث أن كل لوحة تحكي قصة تصور أفراحهم بما فيها الرقصات وآلاتهم الموسيقية كالشبّابة، ومشاهد الصيد، والكتابات العربية القديمة، وصور لحيوانات كالنعام والغزلان، والوعول والثعالب والأسود، وأشكال آدمية مجردة، وصور الجمال، وكلّ ذلك مشاهد سيطرت على رسوماتها، حيث أظهرت الجمل في أعمالها الفنية وكأنه كائن أسطوري وملكي، كيف لا وهو الذي ارتبط اسمه بطريق الحرير، كما اعتبرته رمزًا حضاريًّا حمل معه المعرفة والإرث الثقافي من خلال مساهمته في إثراء النسيج الثقافي للإنسان في بيئته المختلفة، فهو صديق الإنسان، حيث يُعدّ الجمل من أكثر الحيوانات صلابة وصبرًا في مختلف المناخات.

ركزت العدوان في معرضها على تاريخ العرب والذين نقشوا هذا الفن السابق لعصره بآلاف السنين، لقد أسرتها جماليات تكوين الرسوم والكتابات التي نقشت على الصخور البازلتية الصفائية، بالإضافة إلى تاريخها وطبيعة الكتابات، حيث يشكك الغرب بأصولها وجذورها العربية، ولذلك فقد قدمت في معرضها الحالي كتالوج يحتوي على صور للنقوش قامت بتصويرها على مدى سنوات ومنشورات تحكي عن هذه الكتابات، وزعتها وعرضتها على الزوار، وبينت فيها أصولها العربية، حيث قرأت العديد من الكتب لمؤلفين عرب وأجانب عن النقوش الصفائية وتاريخ العرب، كما أشارت أن المستشرق الألماني وضح بما لا يدع مجالا للشك بأن هذه النقوش هي كتابات عربية قديمة، عرف ناقشوها الكتابة والقراءة، وكانو على دراية بعلوم الفلسفه والفلك.

تقول الفنانة العدوان إنها كأردنية مقيمة في سويسرا تعتز بجذورها وهويتها وتسعى أن تقدم فنًا يحكي إرثنا الحضاري العريق الذي ورثناه عن الأجداد. وتقول إنّ أعمالها قدمت نظرة على إرث البادية الثقافي الغني كما أنّ لوحاتها قدمت مشاهد من نمط الحياة التي كان يعيشها العرب بأسلوب يحاكي روح العصر الذي نعيش فيه.

وتتنوع أعمال العدوان من التمثيلات الرمزية إلى الأشكال المجردة، وبعض اللوحات أخذت روح الطابع البدائي وكأنها تحاكي رسومات الكهوف والتي تميزت بالأسلوب التجريدي الرمزي وبالحركة، وخصوصًا في تمثيل رسوم الحيوانات والأشكال الآدمية، كما أن استخدام وتقنيات تطبيق الألوان وموضوعاتها قد نفذت بطريقة استثنائية، حيث استفادت من خبرتها في مجال الخزف في إعطاء خصوصية لطبيعة الألوان المنفذة على سطح القماش، وذلك من حيث ملمس اللوحة الخشن والذي تحاكي به ملمس الصخور والبيئة الصحرواية التي تحيطها.

وينبعث من لوحات الفنانة العدوان شعور بحرية التعبير، غير مقيد بقواعد المنظور، لتستحضر “شاغال” والذي عرف بانتمائه إلى مدرسة الفن الساذج والمعروفة ببعدها عن قواعد المنظور،وخصوصا في لوحتها والتي جاءت بعنوان الجمل الطائر، فقد اتجهت العدوان لهذه المدرسة ومع أنها ملمة بعناصر الفن والتصميم، إلا انها اختارت هذا النوع من الفن والذي وجدت فيه أقرب مدرسة، لمحاكاة فن الصخور.

ويعتقد الناظر للوهلة الأولى أن أعمالها سهلة وعفوية إلا أن المتذوق المثقف لا يلبث أن يعي أن صعوبة هذه الأعمال تكمن في إظهار مشهد اللوحه السهل، فهي قوية من حيث التكوين وهارمونية اللون، كما أن أعمالها تبعث على التفكير.

أما في لوحتها (مشهد صيد عند الغسق )، التي مثلت مشهد صيد في سماء مغطاة بالنجوم، فقد عبرت الفنانة العدوان من خلال هذه اللوحه عن معرفة البدو القدامى بمسارات النجوم والذين ما زالو لغاية الآن يستدلون على طرقهم باتباع نجوم محددة يعرفها البدو العرب تمامًا، حيث أن لكل نجمة اسمها الخاص وأهميتها الثقافية، ومنها نجم سهيل والذي ما زال العرب يتغنى به بأغانينا المعاصرة وهو يرمز إلى الجمال والبهاء.

إن لوحات الفنانة روان هي مزيج من مشاعر وأحاسيس متناقضة، حيث تأخذنا الألوان بسلاسة بين هدوء المناظر الجليدية ودفء البادية الشمالية من الأردن والمغطاة بالصخور البركانية، فهي تنقل المشاهد عبر الصحاري الرملية والمناظر الصخرية إلى روح جبال الألب.

وتميزت الأعمال المعروضة بالحركة وبتناغم الألوان وخصوصيتها، كما قدمت العدوان أعمالها كتعبير عن عالم جديد يتعايش فيه الرمل والثلج بتناغم معا.

وتقول العدوان: إن جمال اختلاف الطبيعة سواء كان في الشرق أو الغرب أعطى أعمالها غنى ثقافيًا وروحيًا، حيث أن هذا التناغم نتج عن اختلاف الأماكن التي عاشت بها سواء في بريطانيا، سويسرا ومكان نشأتها في الأردن، إذ عرضت عدة طقوس ثقافية مختلفة في لوحاتها بروح عربية وطابع عصري.

وقدمت قاعة المعرض 20 لوحة معاصرة، معظمها بحجم صغير باستثناء لوحة كبيرة عرضت على واجهة المعرض والمطل على بلدة جنيف القديمة.

يشار أن الفنانه العدوان خريجة جامعة اليرموك قسم الفنون الجميلة، وقد أقامت العديد من المعارض الشخصية والجماعية في كل من الأردن، الإمارات، الكويت، لندن، واشنطن، ايطاليا، فينا، وسويسرا.

كما أنها عضو في نادي تشلسي العريق في لندن والذي يضم نخبة من الفنانين والكتاب.

غطت أعمال المعرض، الذي يستمر حتى نهاية أكتوبر،

صحفٌ عالمية معروفة، منها صحيفة Tribune de Genève الصحيفة الأولى في سويسرا، قناة اليورو نيوز، وقناة الجزيرة، بالإضافة إلى التلفزيون الأردني وغيره من القنوات الفضائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى