
يرسل لي بعض الأصدقاء تسجيلات مرئية (فيديوهات) من بعض المدن والدول التي يسافرون إليها، وما علموا أني قد ألقيت عصا الترحال واستقر بيَ النوى، ورضيت من الغنيمة بالإياب.
بدأت الترحال في عام (1390هـ – 1970 م) وكانت أول رحلة لي خارج المملكة إلى قاهرة المعز بصحبة والدي رحمه الله وأحد أبناء عمومتي. كنت أعاني في صغري من فقر الدم (الحمد لله كبرت وصار عندي فائض في الدم أتبرع به للناس اللي ما عندها دم)، أما ابن عمي فكان لديه ورم في الرأس من جراء حادث سيارة اصطدمت بهم هو وأحد أقاربه كانا على موتوسيكل (دباب كفرين) توفي على إثره الشخص الآخر يرحمه الله.
كان عمري وقتها 12 سنة وكنت قد نجحت من الصف السادس ابتدائي وانتقلت إلى الأول متوسط/اعدادي. ركبنا الطائرة من مطار جدة إلى القاهرة (لم تكن أول مرة أركب الطائرة وأذكر أنها كانت دي سي 9 فقد ركبت قبلها طائرة الكونفير ذات المراوح من الطائف إلى أبها). وصلنا إلى مطار القاهرة الدولي. كان والدي -يرحمه الله- يعرف القاهرة، فقد سافر لمصر في (عام 1984م/1384 هـ) وأقام هناك عاما كاملا متنقلا بين القاهرة والإسكندرية.
ركبنا سيارة الأجرة بعد أن أنهينا إجراءات الجوازات والجمارك، كان والدي هو الربان والمسؤول المالي والإداري عن كل شيء؛ فأنا وابن عمي لم نكن نعرف شيئا عن السفر خارج المملكة. وصلنا إلى شارع الجمهورية الذي كان حينها يعتبر أحد الشوارع المهمة والرئيسية في القاهرة، ونزلنا عند أحد العمارات، وتوجه والدي إلى بواب العمارة ودار بينهما حديث لا أعلم فحواه فقد كنت مشدوها برؤية السيارات والعمارات وبعض التماثيل التي كانت تنتصب في بعض الميادين، وأذكر منها تمثال طلعت حرب. حملنا حقائبنا وركبنا المصعد إلى الدور التاسع واستقبلنا رجل مصري ودخلنا إلى الشقة، وأذكر أنه تعالت الأصوات بين أبي وبين مالك الشقة ولم أكن أعلم لماذا، لكن بعدها تصافحا بالأيدي ووافق على المبلغ الذي عرضه أبي عليه وهو 64 جنيها لمدة 34 يومًا. كان الجنيه يعادل 6 ريال وقرشين.
كنت أذهب إلى المسرح في شارع عدلي الذي لم يكن بعيدا عن شارع الجمهورية، وقد شاهدت فايز حلاوة وتحية كاريوكا في مسرحية البغل في إبريق. لم أكن أفهم ما تعنيه تلك المسرحية لكنني كنت أضحك مع من يضحكون. شاهدت محمود شكوكو على المسرح وهو يغني بعضا من مونولوجاته ومنها:
الناس ألبها (قلبها) ع الشمال
وأنا البي ماعرف مطرحو
أمانة ياولاد الحلال
تشوفوا حتة وتسمحوا.
ودخلت إلى دار السينما لأول مرة في حياتي وشاهدت الحسناء(آنذاك) نجلاء فتحي في فيلم (من البيت للمدرسة).
أما ما يخص الرحلة العلاجية فأخذني والدي -رضي الله عنه وأرضاه- لطبيب، وبعد الكشف كتب لي وصفة طبية وكان آخر العهد بفقر الدم. وخضع ابن عمي لعملية جراحية في الرأس وتم استئصال الورم وكانت تكلفة العملية مع البقاء في المستشفى لمدة أسبوع أربعمئة جنيه، وهو يتمتع بصحة جيدة منذ ذلك الحين.
وذهبنا بالسيارة إلى الإسكندرية لمدة يومين وعدنا بالقطار، وكانت هناك مضيفة اسمها هناء حسناء مصرية، وجاملتني بالاستماع لي وأنا أغني (تئلي ازيّ ألبك الله يسلمك مش عارف انه حبك أديني ئلت لك أديني أديني ئلتلك (تقلي ازي قلبك الله يسلمك مش عارف انه حبك أديني قلتلك أديني أديني قلتلك) ولسذاجتي ظننت أنها أحبتني عندما كانت تبتسم لي ابتسامة فتاكة.
وتوالت رحلاتي إلى مصر حيث كانت الرحلة الثانية في عام (1401 هـ – 1981م). والحدث الأهم في تلك الرحلة كان اغتيال الرئيس أنور السادات، وشاهدت العرض العسكري وإطلاق النار على المنصة الرئيسية بأم عيني وجميع أقاربها مباشرة على التلفزيون المصري، وتم قطع البث وساد الهرج والمرج، وبعد برهة بدأ القرآن الكريم وأذيع خبر اغتيال السادات، وبدأت النكات تنتشر بعد الحادثة بنصف ساعة.
للذكرى بقية وبقية.
بقلم/ علي عويض الأزوري