تشكيل وتصويرفن و ثقافة

الفن التشكيلي بكل أنواعه مظلوم

أحبَّ الرسم منذ طفولته، ليتخصص في تدريسه، والتخلي، بذلك، عن العمل وفق الشهادتين الجامعتين اللتين تحصّل عليهما؛ بغرض تحقيق مشروعه، المتمثل في تلقين الرسم للتلاميذ، وهو ما يساعدهم، مستقبلا، في حياتهم المهنية. يهتم، أيضا، بتشجيع التشكيليين الشباب، وهو ما دفعه إلى تنظيم معرض جماعي لهم برفقته ورفقة الفنانين المعروفين جيلالي مباركي ومحمد قطوش بمؤسسة “عسلة”.

أنت فنان عصامي؛ هل تعتقد إمكانية الاكتفاء بالموهبة لوحدها؟

لا؛ بل يجب تطوير الموهبة، وعدم الاكتفاء بها لوحدها.

عني، بدأت الرسم منذ الصغر؛ فأنا سليل عائلة فنية، تتشكل من رسامين ونحاتين رغم أن لا أحد منهم علّمني شيئا، إلا أنني كنت دائما أرسم، خاصة الرسوم المتحركة التي تستهويني. ثم طورت موهبتي حينما التحقت بمقاعد جامعة باب الزوار؛ حيث شاركت في تظاهرات ثقافية، وفزت بمسابقة نُظمت بالعاصمة حول الرسم، ثم ولجت عالم الشريط المرسوم مع دار النشر “زاد لينك” ومجلتها “لابستور”. وشاركت، بذلك، في ثلاثة صالونات وطنية. كما كنت عضو تحكيم. المهم بالنسبة لي، هو تجربتي كل الأساليب الفنية، ومن ثم اختيار ما يستهويني، وهو المدرسة التكعيبية، والمدرسة التجريدية المعاصرة.

حدّثنا عن تجربتك في تدريس الرسم في المدارس الخاصة ؟

نعم. قبل ذلك، نظمت العديد من المعارض الفردية، وشاركت في المعارض الجماعية، وفي أكثر من 30 صالونا جهويا ووطنيا، آخرها صالون بسكرة؛ حيث شاركت بلوحتين.   

كما تحصلت على شهادتين جامعيتين؛ الأولى في تخصص ميكرو بيولوجي، والثانية حول المالية. ورغم أنني اشتغلت في مجالات تمسّ هذين التخصصين، إلا أنني وجدت نفسي مدرّسا للرسم في المدارس الخاصة لا غير. والبداية كانت مع الأطفال، الذين علّمتهم الرسم بجانبيه النظري والتطبيقي.

هل تلقيت تكوينا خاصا بالرسم؟

كما ذكرت سابقا، أحببت الرسم وأنا طفل صغير. وحينما التحقت بالجامعة بدأت رسم البورتريهات والكاريكاتور، ثم تطوَّر الأمر برسم الطبيعة بمختلف التقنيات؛ مثل الرسم الزيتي والحبر. ثم وجدت أسلوبي الفني بعد تعلم العديد من التقنيات، بالإضافة إلى احتكاكي بالفنانين من خلال مشاركتي في العديد من المعارض والصالونات.

لماذا اخترت المدرسة التكعيبية؟ هل كان تأثرا ببيكاسو؟

لم أكن أحب الفن التكعيبي. ولم أعتقد أني في يوما ما، كنت سأمارسه، ولا حتى أن أتخصّص فيه؛ كنت متأثرا، مثلا، بدافنتشي؛ ليس برسمه فقط، بل حتى باختراعاته، حتى إنني أحب المدرسة الروسية، والفن الواقعي؛ فأنا أرسم المدارس الكلاسيكية، لكنني تخصصت في الفن التكعيبي والتجريدي المعاصر. ولست بالفنان الأكاديمي، الذي قد يجد نفسه مقيَّدا بأسلوب فني ما، بل أرسم ما أريد، وبالأخص الفنون المعاصرة.

مثل الفن التجريدي المعاصر؟

نعم. يُقصد بالتجريدي كل ما هو مجرد من الخيال؛ أي أن ترسم وفق خيالك، وأن تُحرك وفق رسوماتك، فيضا من الأحاسيس؛ فليس مهمّا أن يفهم المتلقي رسمتك التجريدية، بل أن يشعر بها. وفي هذا أمثل بالفنان مراد عبد اللاوي، الذي رسم العديد من التقنيات، ليجد نفسه، اليوم، يرسم، فقط، الفن التجريدي؛ أي أنه وصل إلى مرحلة  الروحانيات. ومع ذلك هناك أنواع من الفن التجريدي، وأنا متخصص في المعاصر منه، الذي يضم جزءا من الفن الواقعي، وفيضا من الألوان؛ كاللوحة التي أشارك بها في المعرض حول المرأة، والتي أعجبت النساء والرجال على حد سواء.

هل من تفاصيل عن هذه اللوحة؟

نعم. هي لامرأة ترقص رغم أنها ممزقة ومشدودة بالمسامير، إلا أنها ترقص؛ لأنها قررت أن تواصل كفاحها رغم كل العراقيل. ورسمت في هذه اللوحة أيضا، عينا؛ أعني بها مستقبل المرأة الذي تفكر فيه. كما رسمتُ ضغط المجتمع عليها. هذه اللوحة أبكت زائرة للمعرض؛ ربما لأنها تذكرت كفاحها الشخصي في هذه الحياة.

ماذا عن اللوحة الأخرى التي رسمت فيها امرأة بعيون زرقاء وقد نالت، هي الأخرى، إعجاب الجمهور؟

رسمت هذه اللوحة بعد مشاهدتي فيلما يابانيا قصيرا. والمعروف أن السينما اليابانية تظهر فيها الأوجه في العديد من المرات بألوان خضراء ووردية.

في الحقيقة، لم أكن أعلم أنني تأثرت بهذا الفيلم إلى أن وجدت نفسي أرسم وجها خياليا تجريديا.

كيف خطرت على بالك فكرة تنظيم معرض جماعي بمؤسسة “عسلة”؟

طلبت مني مؤسسة “عسلة” تنظيم معرض فردي، وعرض أكثر من خمسين لوحة، فقلت في نفسي: لماذا لا أستضيف في هذا المعرض فنانين شبابا مثل الفنانة فوزية بوكردوح، التي رغم أنها في بداية مسيرتها الفنية، إلا أن أعمالها تبدو غير ذلك؛ نظرا لجودتها. كما أردت لهؤلاء الشباب الاحتكاك بالفنانين القدامى المشاركين في المعرض، ومن بينهم أنا، وكذا الذين زاروا المعرض مثل مراد عبد اللاوي، وجساس، وحكيم تونسي.

كيف تقيّم واقع الفن التشكيلي في الجزائر؟

صعب؛ بفعل غياب سوق للفن التشكيلي، وقلة الأروقة، خاصة أن أغلبها غير مجاني. ويصل سعر العرض ليوم فيها، إلى 5 آلاف دينار جزائري حتى وإن كانت غير مناسبة للعرض؛ مثل بعض دُور الثقافة، في حين كانت في السابق بالمجان..بحسب “المساء”

أعتقد أن الفن التشكيلي بكل أنواعه، مظلوم في بلدنا، وحتى السينما والمسرح مظلومين أيضا، إلا الموسيقى، التي وجدت ضالتها في الجزائر؛ لهذا حان الأوان لتغيير العقليات في مجتمعنا.

كيف ذلك؟

من خلال تشجيع الأولياء على أخذ أطفالهم إلى الأروقة بدلا من اقتصار النزهات، فقط، على البحر والحديقة؛ هناك معارض فنية، من الضروري زيارتها من طرف الأطفال، وهو مشروع تبنّيته وأنجزته على مستوى المدارس الخاصة حيث أشتغل. وأؤكد للجميع قدرتهم على تعلّم أبجديات الرسم. وقد حدث ذلك فعلا؛ فالرسم رفقة القراءة غذاء الروح، مثل ما تغذي الرياضة الجسد. كما إن من يتعلم الرسم يتعلم، أيضا، الدقة، والإتقان، والتحكم في الأبعاد والمسافات، والتركيز، والخيال، والتنسيق بين العقل والجسد، ومن ثم يستطيع أن يطبّق هذه المعارف في مهنته المستقبلية، التي تعتمد على استخدام اليدين مثل الجراحة، والهندسة.

هل من معرض جديد للفنان نبيل براهيمي؟

نعم، لكن ليس الآن؛ لأنني مشغول جدا بتدريس الرسم في المدارس الخاصة. وقد يكون ذلك في العطلة، علما أنني نظمت معارض بهذه المدارس، شارك فيها التلاميذ. والجميع كانوا فرحين بهذه التجارب. وأتمنى أن لا يتخلى التلاميذ عن الرسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى