تشكيل وتصويرفن و ثقافة

مساحات وسطية: تمفصل تجريدي تصويري لإدغار مازجي

الهوس بالبناء والتمفصل والشكل يمكن تقصّيه في اهتمامات مازجي في ممارسته السابقة كمهندس، ويمكن لبعض الفنانين العالميين أن يشكلوا إلهاماً له كأعمال ريتشارد دايبينكورن.

يستضيف غاليري “آرت أون 56” في صالاته في الجميزة البيروتية معرضاً إفرادياً جديداً للفنان اللبناني إدغار مازجي، بعنوان “مساحات وسطيّة”، في محاولة لاكتشاف سياق التقاطعات بين التجريد والتصوير (figuration)، عائداً بذلك إلى جوهر الفن وجذور الرسم، وواضعاً تجربة جديدة في اندماج الموضوع وفضاءاته والطريق إلى ذلك.

محتفياً بعملية التجاذب والـتأزم بين الثنائيّات الفنيّة، يقدم مازجي في معرضه الحالي لفتةً على المساحة غير المرئية، الكامنة بين حدود المساحات والأشياء، وتقاطعاتها، ويتضمن بعضٌ منها: التجريد بمواجهة التصوير، الذاتي بمواجهة الموضوعي، والتهيؤ بمواجهة الاستسلام والعفوية.

وتقول نشرة صادرة عن الغاليري إن مازجي يبحث عن الإلهام من التراث التاريخي للفن، وهو يُضَمِّن رسوماته ولوحاته مؤثّرات فنانين عالميين مثل تيتان، دو كونينغ، وسيزان، منتجاً بذلك مزيجاً من الأصوات التي تخبر القصة عينها، فتصبح أعماله تنبؤات غير محصورة بزمن معيّن تستدعي عناصر النهضة، والتكعيب، والتعبير التجريدي، وتآليف الأحداث، وذلك في بحثه عن التوازن التام بين الهندسي والعضوي، وبين العالمي والشخصي.

ويبدأ مازجي بالتجريد بتلقائية وعفوية، ويدع عملية الرسم تأخذ مجراها موصلةً إلى أسلوبه الخلاق، وتصبح عملية الرسم عبارة عن رحلة مما هو غير معروف إلى ما هو معروف، وتنبثق الصور من احتمالات الممكن، بينما يبتعد عن أي توقعات تعتمد على فهم مسبق للأشياء المحيطة بالنتيجة النهائية، والمرافقة لعملية استخراجها.

وتتحرك فرشاة مازجي بحرية تامة عبر مسطحات اللوحات، محتضنة جمالات افتراضية لما هو غير مؤكد، ومسافرة عبر التلوين لإيجاد المعنى الحقيقي للفن.

وقيل في أعمال مازجي (1955) بأن الصور الانسانية في فضاءاته، أو في مشاهده الداخلية، تبدو متجمّدة، بلا حراك، كأن عملها قد تجلّد إلى الأبد. وهذه اللاحركية، أو الجمود، يعطي رسوماته مناخات تأمليّة، غير مضبوطة بوقت معين، وروحيّة من الغموض المرافقة لهذه الاعمال والرسومات على صلة بخصوصية أسلوب الفنان: فلوحات مازجي تبدأ بعلامات تجريد تام، وتنتهي بصور أكثر وضوحاً وإدراكاً.

وكما قال في كتابات له، فإن “الذي يجعل الرسم قوياً، هي الطريقة التي تتمفصل الأشياء فيها”، وهذه الأشياء يمكن أن تكون أشجاراً، أو صخوراً، أو قذارات، أو مخلوقات إنسانية، ويمكن أن تتفاعل فيما بينها، على اللوحات أو الورق، كبنىً بصرية. ويضيف: “لا أستطيع أن أترك اللوحة بأخطاء بنيوية أو قواعدية”، مقارناً بين فن الرسم والكتابة اللغوية والهندسة.

وبالنسبة له، الرسم كالكتاب، أمر ممتع، لكنه ممتع فقط عندما يُكتب بجودة، وكما القصة والرواية، كذلك الرسم، يصبح غير ذي أهمية إذا كتب ببناء رديء.

هذا الهوس بالبناء والتمفصل والشكل يمكن تقصّيه في اهتمامات مازجي في ممارسته السابقة كمهندس، ويمكن لبعض الفنانين العالميين أن يشكلوا إلهاماً له كأعمال ريتشارد دايبينكورن، الذي يستطيع الاستفادة من استخدام المربع أو المستطيل بصورة خاصة، والتجريد بصورة عامة، كنوع من التجريد والتصوير الذي كثيراً ما يروق لمازجي.

غالبية اللوحات والمعروضات رُسِمت بالأبيض والأسود، مع بعض شطحات تلوينية ب”البيج” تتيح فهماً أكثر للوحة، وتعطيها بُعداً ثلاثياً. ثُلاثيّة بعنوان “ليس من دون قتال” وفيها مَيلٌ تصويري، وبعضٌ من التجريد، وهي 3 مساحات منفصلة لكن على لوحة واحدة، وفيها تستكمل واحدة الأخرى في بعضٍ من مظاهرها.

وثُلاثيّة أخرى بعنوان “حوار طرشان” وتبدو شخصياتها كل يتكلم لغته، على هواه، وفي مضمون اللوحات غياب للتواصل. ولوحة بعنوان “غير مهزوم” وفيها صراع، ولعبة مجابهة بالقبضات، وأحد المصارعين منحنٍ أرضاً. ولوحة “من يترك القطة في الخارج”، لكن القطة على رأس السيدة.

وتتعدّد اللوحات بهذا المنحى من الرمزية، لكن عناصر اللوحة أشخاص واضحين، غير حقيقيين، وكذلك الأشياء كالأشجار والنباتات والحيوانات.

عديد من الأعمال مُجَسَّمات ضخمة، أو جِداريات، وبعض منها على شكل دائرة، أو مربع صغير، وبين هذا الاتجاه، وذاك، يصبح المعرض تنوّعاً واضحاً، داعياً للجدل، والنقاش.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى