تشكيل وتصويرفن و ثقافة

ريشةُ الفنّ المقاتل.. تروي حكايا نزيفها في “قطاع غزة”

بين الفنان وواقعه، علاقة قويّة ومتجذّرة في انتمائها، للوطن وإنسانه وأرضه، فكيف وإن كان هذا الفنان فلسطينيّاً، تأبّط وطنه ومضى ينزفُ وجعه وهمومه ومعاناته وغربته، مثلما الظلم الذي لاحقه منذ النكبة، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث تفاقم حقد و إجرام العدوّ، ويشهد على ذلك ما يحدث في فلسطين المحتلة، ولاسيما في “قطاع غزة”..

هذا ما جعل نبض الفنّان التشكيلي الفلسطيني، يتّقد أكثر فأكثر بالحسّ الإنساني والوطني، مثلما جعل أنامله، بارعة في توثيق صورٍ تتوالى وتتوعّد عدوها، بمقاومته ومواجهته والتصدّي له، عبر لوحاتٍ تستمدّ من الواقع مضمونها.

إنه الفنّ المقاوم والمقاتل، سلاحه الريشة التي تستمدّ ألوانها من كاملِ أرض فلسطين، ومضمونه حكايا الأجداد والجدات، تروي معاناة وآلام شعبها، مثلما علاقته المتجذّرة بتراثه، وبأشجارِ زيتون وطنه، وبيارات برتقاله الحزين..
تروي أيضاً، قصص البطولات والمواجهات التي يقوم بها الإنسان والمقاتل الفلسطيني، مثلما تصدّيه وغضبه ومواجهته، للممارسات الوحشية التي يقوم بها العدوّ الصهيوني.
إنها الممارسات التي جعلت اللوحة التشكيلية، وسواء الحاضرة أو الماضية، أحد أهم أسلحة الفنّ المقاوم والمقاتل.. تماماً كما اللوحة الشهيرة التي رسمها الفنان التشكيلي الفلسطيني “سليمان منصور” عام 1973 وعنوانها “جبل المحامل”…
من المعروف بأن هذه اللوحة، قد أغضبت العدوّ الاسرائيلي، ودفعته لملاحقتها والقضاء عليها، وكان ذلك عام 1986، عقب الغارة الأميركية التي شنّت على العاصمة الليبية..

أعاد الفنان رسم هذه اللوحة، وتمثّل عجوزاً فلسطينياً يحمل القدس على ظهره، تتوسطها صخرة الأقصى، مربوطة بحبلِ الشقاء. أعاد رسمها.عام 2014 مع بعض التعديلات، وقد اشتهرت عالمياً، وطُبعت على شكلِ ملصقات، وعُلقت في غالبية البيوت والمكاتب والأماكن الفلسطينية، ولاسيما الضفة الغربية وقطاع غزة.
هاهو “منصور” اليوم وكما الأمس، يشهر ريشته ويتحدّى بلوحته، ناطقاً بمضمونها النازف، وبغضب حنجرته:
“لأطفالنا وشبابنا الذين استشهدوا في غاراتِ الاحتلال الوحشية، على غزة الحبيبة.. ستشرقُ شمس الحرية على الفلسطينيّين، وسنتذكّر أسماءهم ووجوههم وأحلامهم، وسنحكي للعالم أجمع، كيف سرقت كلّ ذلك، آلة الموت الصهيونية..”.
إنه يرى بأن كلّ أبناء فلسطين، وسواء كانوا في الشتات، أو في مخيمات اللاجئين، أو في الضفة الغربية، وأيضاً في قطاع غزة، متجذّرين بأرضهم التي هي أمهم، تاريخهم، تراثهم، وكلّ مستقبلهم.
يرى ذلك، ككلّ إنسان أو فنانٍ فلسطينيّ، أو حتى غير فلسطيني، ورغم ما يراه من موتٍ ودمارٍ ومجازر مأساوية، إلا أنه يقول وبأملٍ هو أملُ كلّ أبناء أرضه، ولاسيما الغزاوية:
“لا يمكن لأيّ كلمات أو لوحات، أن تنقل صور المجازر التي تُرتكب ضد الفلسطينيين، والدمار الذي يلحق ببيوتهم ومستشفياتهم، مثلما مدارسهم ومواقعهم الدينية..
يوماً ما، وآملُ أن يأتي قريباً، لن يرسم الفلسطينيون أو يكتبوا، إلا عن جمال غزة وبحرها وسمائها وطيبة أهلها وحبهم للحياة.
ستنهض غزّة بأبنائها وتداوي جراحها، وستعلّم العالم بأكمله معنى الحياة”..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى