
“كيف أجواء الطائف!؟
عليكم مطر ولا صحو؟”
كانت الساعة الثانية عشر وستة عشر دقيقة ظهرا عندما وصلتني هذه الرسالة، وأجبت:” هلا، تغـيّم ساعة وتشرق ساعة وفيه بِريـّد شوي”.
خرجت بعد صلاة العصر لقضاء بعض الحاجيات وعندما عدت للبيت بعد صلاة المغرب فتحت الواتس ووجدت رسالة من نفس مرسل الرسالتين السابقتين:” بالله عطني موقعك فيه واحد بيمـرّك الليلة” كان توقيت الرسالة الساعة 5:36 مساء.
أرسلت له الموقع بدون سؤاله عن ذلك الشخص لأني أعرف أنه هو، لكنه أراد أن تكون الزيارة مفاجئة ولم تفلح محاولته لأني كشفت نواياه من رسالته.
“ولـّم القهوة” وصلت هذه الرسالة الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة. حينها تأكدت أنه هو الذي في الطريق إلى بيتي.
رن جوالي بعدها بدقائق يطلب مني تحديد موقع منزلي وكنت في فناء المنزل وأرى أنوار سيارة تتحرك على الجدار الجانبي. خرجت فإذا بسيارة نصف فارهة جميلة المنظر (ولا أعلم عن المخبر)، وطلبت من السائق الدخول إلى فناء المنزل كي لا تقوم كلاب القرية بنهش سيارته ويقيم دعوى (على الكلاب السائبة) إتلاف ممتلكات خاصة.
ترجل من السيارة وتسالمنا، بوّسنا بعض على خد واحد؛ وتلك عادة أهل نجد وما حولها، وتختلف عن طريقتنا في حجازنا، حيث نبوس الخدين بعدد لا متناهٍ من القبل، فكلما زادت دل ذلك على المحبة.
كان ذلك الضيف الصديق العزيز والأخ الفاضل/ فالح بن عبد الله بن مذكر العصيمي العتيبي، الذي تربطني به علاقة صداقة منذ عشرين عامًا ونـيّف. صعدنا إلى الدور الثاني حيث أسكن ودلفنا إلى المجلس وكنت أرحب به (ترحيب البدو بالمطر والسيل) فهو أهل وخال وعم لذلك. جلس في مقدمة المجلس وأحضرت القهوة السعودية وسكبت له فنجانا رشفه قبل أن يرتد إليّ طرفي، وسكبت له الثاني والثالث والخامس والتاسع وتذكرت:
خمسة عشر فنجال لحنيف صبيت
لو كان بطنه زربة (ن) زِد ملاها
(زربة/ قربة – زِد/ قــِد)
فالح عربي السحنة، بدوي الطباع، نجدي اللهجة واللكنة فهو ممن يستبدلون القاف بالزاي، مقبول المظهر (تجاوز الستين من العمر لكن قسمات وجهه تدل على أنه كان ذو جمال واندثر)
بدأ الحديث بالسؤال عن الصحة والعمل وقضاء الوقت بعد التقاعد. كانت السوالف (محدرة ومسندة) حتى أزاح عن رأسه عقاله وغترته البيضاء وطاقيته لتتحرر أفكاره من القيود.
تجاذبنا أطراف الحديث ووسطه وآخره، وعرجنا على كثير من المواضيع التي تهمنا نحن المتقاعدون. تحدثنا عن الزواج (تشجيعا نفسيا لذواتنا وهممنا النائمة) والتغييرات التي يمر بها المجتمع ولم نتعمق كثيرا فهو منفتح التفكير على كل شيء جديد ومفيد. انضم أخي خالد إلينا ونحن في معمعة الحديث والنقاش وشاركنا بشيء من أفكاره وتجاربه.
جاء فاصل العشاء الذي أعدته لنا زوجتي أم الشيماء وكان عبارة عن كبسة طُبخت مع لحم تيسٍ من أحفاد شمشون كنت قد ذبحته قبل يومين وكان لأبي عبد الله نصيب في تذوق لحم (كشندي).
رشفنا بعض فناجيل من الشاي الأخضر بعد العشاء وأكملنا حديثنا حتى تجاوزت الساعة منتصف الليل حينها استأذن فالح في المغادرة وودعته بمثل ما استقبلته به.
كانت ليلة ممتعة شرفني فالح بالتواجد وإضافة لمسات من الجمال العفوي، والنقاش الثري وأضاف إلى معلوماتي الكثير، وأتطلع لمعاودة زيارته بعد 17 سنة من الآن حيث كانت آخر زيارة شرفني بها عام 2006.
عمتم مساءً
بقلم/ علي عويض الأزوري