نظرية الاحتمالات ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان و(الأمانات)
علي عويض الأزوري

What the Americans are going to do about that?
ماذا سيفعل الأمريكيون حيال ذلك؟
قال تلك العبارة المذيع الإنجليزي بسخرية انجليزية متأصلة وهو يعلق على مباراة بين فريقين في كأس العالم لكرة القدم 1994 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية عندما ركل لاعب الكرة بقوة فاصطدمت بالقائم الأيسر للمرمى مما نتج عنه اعوجاج القائم. نسيت الفريقين لكني لم أنس تلك العبارة والمذيع يضحك بسخرية وفي نبرات صوته شماتة.. وما هي إلا بضع دقائق لا تتجاوز الخمس، وأربعة رجال يحملون مرمى كاملا ويرفعون المرمى المتضرر (القائمين والعارضة) ويبدلونها بالجديدة. تم تصميم القائمتين على أن توضع في اسطوانتين في الأرض ولا تكون ثابتة دوما؛ فإن حصل خلل للقائميْن أو العارضة يتم تبديلهم وتركيب قائمين وعارضة. عشر دقائق كانت كفيلة بوضع مرمى جديد وحُمل المرمى المتضرر خارج الملعب؛ دوى تصفيق الجمهور الحاضر في الملعب وشاركهم بعض اللاعبين التصفيق فما كان من المذيع الإنجليزي إلا أن يقول:
It only happens in America. لا يحدث ذلك إلا في أمريكا.
تغيرت نبرة صوته واعترف أن الأمريكيين وضعوا مثل تلك الاحتمالية في قائمة الملاحظات قبل البدء في تنفيذ الملعب.
إن احتمالية وقوع مثل تلك الحادثة ربما واحد في المليون أو في المئة ألف، لكن وُضعت حتى لا تُحرَج أمريكا أمام العالم أجمع.
بنى الأمريكيون تصاميم الملاعب وما يتعلق بها في تلك البطولة على ما يعرف في الرياضيات بنظرية الاحتمال أو الاحتمالات.
نظرية الاحتمال (بالإنجليزية: Probability theory) هي النظرية التي تدرس احتمال الحوادث العشوائية، في علم الرياضيات. يمكن أن تأخذ الاحتمالات أي قيمة عددية محصورة في المجال بين الصفر و (1) الواحد الصحيح، وهي القيمة التي تحدد احتمال حصول أو عدم حصول حدث معين عشوائي (أي غير مؤكد) بالقيمة أو عدم وقوعه.
الحدث العشوائي هو الحدث غير مؤكد الوقوع (مثال الضرر الذي وقع لقائم المرمى).
تلك مقدمة تمهيدية للحديث عن الأنفاق التي توجد في كثير من المدن لدينا (إن لم تكن كلها). لم يفكر من قام باقتراحها أو تصميمها وتنفيذها في نظرية الاحتمالات مع أنهم يزعمون أنهم مهندسون ويفترض أنهم درسوا تلك النظرية.
– ألم يفكروا قبل البدء في التصميم عن احتمالية هطول الأمطار وامتلاء الأنفاق بالمياه وتعطيل حركة السير ناهيك عن غرق السيارات ومعاناة المواطنين؟
دعوني أفترض أنهم فكروا في ذلك (احتمال ضعيف)، هل غاب عن أذهانهم تصريف المياه من الأنفاق؟، أم أن نظرية (يا شيخ انت سوي ويحلها الله)، وهذه النظرية هي المتبعة في بعض المشاريع وقطعا تنافي مبدأ نظرية الاحتمالات.
لا يتطلب مهندسا تخرج من هارفارد أو كلية تاندون في نيويورك أن يعرف أنه إذا حفرت حفرة ستمتلئ بالماء عند نزول الأمطار. رجل الشارع العادي وبائع الخضار وفرّقنا الذي كان يجوب الشوارع قبل 60 سنة يعرفون ذلك، ويعرفون كيف يقومون بعد الحفر في تصميم مسار للماء حتى لا تكون تلك الحفرة مقبرة للعابرين.
لدينا مشكلة منذ سنوات ونحتاج إلى حل جذري لها حتى لا تتكرر مستقبلا كلما نشرت مصلحة الأرصاد تقريرها عن هطول أمطار في مدننا التي بها أنفاق.
دعوني أفكر مثلما فكروا.. وأقترح:
– ردم تلك الأنفاق وطمسها ثم سفلتتها ولا يهم التشوه البصري الذي سيظهر به الطريق طالما أننا سنحل المشكلة للأبد، عملًا بالمثل الشعبي المكي: كبـِب ولـيّس يطلع كويس (والله يعوض على الأمانة).
– تركيب (بِسْتم) داخل تلك الأنفاق مثل ذلك الذي يستخدم في مغاسل السيارات الذي يقوم برفع السيارة إلى أعلى عند غسيلها، وعند هطول الأمطار يرتفع البستم ويكون هناك شبك معدني يتوافق مع بقية الطريق قبل وبعد النفق تسير عليه المركبات ويستطيع الركاب الاستمتاع برؤية مياه الأمطار في النفق.
لكن هناك حل منطقي وعقلاني وهندسي وعلمي واقتصادي:
– تركيب جسور أو كباري فوق هذه الأنفاق متحركة بحيث تستطيع التمدد وقت الحاجة ولا تكون من الخرسانة والصبة المسلحة بل معدنية، وعن طريق الذكاء الاصطناعي يمكن تصميم جسور ذات ألوان وإضاءة وأشكال جذابة (حتى لا يقال: إنها تسبب تشوه بصري).
هذه الفكرة مجانية أقدمها للأمناء والأمانات والأهم أن يتم تنفيذها بواسطة شركات متخصصة وليس مقاولون يتعلمون الحلاقة في رؤوس الأيتام.
بقلم/ علي عويض الأزوري