
توقفت في رحلتي عند عزمي التوجه لإيطاليا من فرنسا، لكني سأنتقل إلى رحلة أخرى في المستقبل ثم أعود إلى إكمال الرحلة عبر أوروبا بالقطار.
سمعت عن لبنان أقاصيص كثيرة بدأت منذ كنت طفلًا في العاشرة من عمري، عندما سافر والدي يرحمه الله في عام 1968 ميلادي إلى بيروت، وتواترت الأحاديث عن جمال لبنان وطبيعته الجذابة الخلابة، ومما يزيد الجمال رونقًا جمال سكانه الروحي الطبيعي وكرمهم العربي.
سألت بعض من سافروا إلى لبنان لأستنير بتجاربهم فأخبروني أن المعيشة والسياحة تكلف الكثير، ومعدل الصرف اليومي يتراوح بين 400 – 500 دولار أمريكي.
حزمت حقيبتي وسافرت إلى العاصمة الأردنية عمان لزيارة أصدقاء كرام أفاضل، كنت أزورهم كل سنة ويستضيفونني ويبالغون في إكرامي. أخبرتهم بنواياي السفر إلى لبنان، وما سمعته عن الغلاء الفاحش في المعيشة والإقامة والسياحة، فطمأنوني أن كل ذلك مبالغات أو جهل بالسفر وأخذوني إلى مكتب سياحي وحجزت رحلة بالحافلة من عمان إلى بيروت ذهابا وإيابا مع الإقامة في فندق 4 نجوم لست أيام وخمس ليال مع الإفطار والعشاء، وفي طريق العودة يتسنى لي زيارة دمشق والجلوس فيها لست ساعات. كل ما سبق لم يتجاوز 400 دولار؛ كدت بل طرت من الفرح عندما انتهيت من إجراءات الحجز والدفع واستلام التذكرة، وفي اليوم الموعود ركبت الحافلة المتوجهة إلى بيروت وتوقفنا في مركز المصنع الحدودي للحصول على ختم الدخول إلى لبنان. توقفنا قرابة الساعة وحصلنا على الختم، وأكملت الحافلة سيرها داخل الأراضي اللبنانية وتوقفت في شتورا لساعة للراحة وتناول بعض الطعام والمشروبات.
وصلنا بيروت الساعة الثانية ظهرا وأوصلتني الحافلة إلى الفندق الذي حجزت به وهو فندق سنتشرى بارك هوتيل Century Park Hotelفي منطقة الكسليك. أنهيت إجراءات الدخول والغرفة في دقائق، وتوجهت إلى غرفتي وعانقت السرير من التعب فالرحلة كانت حوالي 8 ساعات حيث غادرنا عمان الخامسة صباحا.
أتمتع بشخصية محبوبة ومقبولة لدى الأغلبية (مهضوم كتير كتير وبفوت ع الألب بسرعة) وحيثما أحل (أعمل جو) على رأي إخواننا المصريين. صحوت من النوم وتحممت ولبست ونزلت لأكتشف المنطقة؛ وجدت مقهى لا يبعد عن الفندق كثيرًا وجلست على إحدى الطاولات الموجودة على الرصيف (أغلب المقاهي تضع الطاولات والكراسي على الرصيف فيكون الزبون أو السائح على اتصال مباشر بما يجري في الشارع). لم تمر أكثر من نصف ساعة حتى عرف العاملون في المقهى أنني على الأزوري من السعودية، وتعرفت عليهم، وبعدها بساعة عرف أصحاب المحلات التي على الشارع أن هناك شخصًا يُدعى علي الأزوري، يسكن في الفندق المجاور وهو سائح من السعودية. رجعت إلى الفندق لتناول طعام العشاء. في طريقي من الاستقبال إلى المطعم تعرفت على بعض العاملين في الفندق. جلست في المطعم وأمامي طاولة صغيرة وجاءني أحد الإخوة العاملين ودون طلبي ثم عاد بعد نصف ساعة ووضع الطعام أمامي وسألته عن اسمه فقال: زياد أبو رجيلي (رجيله). كان يضع خاتم زواج أو خطوبة في خنصر أصبع يده اليسرى فسألته: هل انت متزوج يا زياد؟ قال: لا.. لكني خاطب، قلت: يا زياد نحن نريد الهرب وأنت تقع في الشباك، ضحك وقال: علوش (في لبنان ينادونني علوش) عنّا لما الواحد بتزوج يقولوا زادوا الحمير حمار. ضحكت من أعماق قلبي فقد مضى على زواجي وقتها 12 سنة.
سأنتقل إلى موضوع آخر ثم أعود لبداية زيارتي للبنان.
توالت زياراتي لبيروت وكنت أسكن في منطقة جونية في فندق بل أزور Bel Azure والفندق يطل على البحر والمنظر ساحر أخاذ، وقد تعرفت على العديد من الإخوة اللبنانيين في زياراتي السابقة واللاحقة ومنهم شاب لطيف حسن المظهر والمعشر يدعى (شربل بعيني) الذي دعاني لتناول طعام العشاء في داره التي لا تبعد كثيرًا عن الفندق. تعرفت على والده ووالدته وكريمته ريتا وخطيبها نيكولا. جلسنا على طاولة الطعام الساعة التاسعة وقدموا أصنافًا من المقبلات والمشاوي. في عالم الإتيكيت عندما تدعى إلى العشاء في منزل أحدهم وللمرة الأولى فالجلوس على الطاولة لا يتجاوز الساعة أو الساعة والنصف، لكنني أبحرت بهم في جولة من الشعر والنكات حتى الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل.
وصلتني بطاقة دعوة لحضور زواج ريتا ونيكولا في 2007، وأجبت الدعوة التي بدأت بمراسم الزفاف في الكنيسة ثم انتقلنا إلى مطعم لإكمال بقية مراسم الزواج.
كتبت للزوجين قصيدة على ستايل (الزجل) لكنني أضعت مقاطع منها وهي تأكيد لميزة الإهمال التي لا تفارقني.
قدموني على أنني صديق للعائلة أشارك في الحفل. صعدت على خشبة المسرح وجلست على الكرسي وبدأت بمقدمة ذكرت فيها ما دار بيني وبين زياد أبو رجيلي قبل 9 سنوات ورحبت بالزوج نيكولا في عالمنا. كانت القصيدة تتكون من مقاطع أقول في البداية:
مسا الخيْر
ياللي مساكن غيْر
بين المسجد وبين الديْر
غنى طيْر:
سندريلا
تسبي حتى الرسلا
هذي ريتا
تتزوج نيكولا
دن درما (الآيس كريم بالتركي)
نصف فانيلا
ونصفٌ شوكولا
(ريتا بيضاء البشرة ونيكولا قمحي)
وشموخ الأرْزِ
يحتضن (جعيتا)
وأشعة ألفا
تلثم (بيتا)
زيتونا أخضر
زيـّن
جبنة (فيتا)
وعروس الزين ريتا
باقة أزهارٍ “زنبق”
“ريحانٌ”
“ليْـلك”
ما أزهى يا نيكولا ليلك
ويلك يا نيكولا
ها لليلة من ريتا
يا ويلك.
بقلم/ علي عويض الأزوري