تشكيل وتصويرفن و ثقافة

“أرفف” سحر الأمير تعبير حر عن تجليات التراث الشعبي في الحياة

تتسم أعمال التشكيلية المصرية سحر الأمير، الموجودة ضمن معرضها “أرفُف” المقام على دار الأندى في عمّان، بالبساطة في التعبير وقوة اللون.

وتمتلئ أسطح لوحات الأمير بالرسومات والأشكال التي تمزج بين التراث بما يشتمل عليه من فنون الفسيفساء والتطريز والزخرفة والتخطيط، وبين الحداثة التي تتمثل في المدارس الرمزية والتجريدية والدادية. وتحضر فيها الموتيفات والأشكال المستمدة من حياة الناس وبيوتهم وأسواقهم، ومن الطبيعة بأشجارها وطيورها، كأن الفنانة تحمل كاميرا وتسلطها على بقعة واسعة من الأرض تضم طيفا واسعا من الأشكال والألوان.

وتعكس أعمال الفنانة تأثرها ببيئة مدينة أسوان التي نشأت فيها، حيث تغذّت بصريا بالألوان الشرقية الحارة وبجماليات هندسة المعابد الفرعونية ونقوشها، ثم صقلت هذه التجربة الحسية البصرية المتشبعة بروح الثقافة العربية من خلال دراسة الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، ثم عبر منحة جائزة الإبداع في روما، التي أتاحت لها الاطلاع على مدارس الفن الحديثة، وحفّزتها لتختطّ أسلوبها الخاص الذي يجمع بين القديم والجديد، والبسيط والمركّب، والتراث والمعاصرة.

وتشتغل الفنانة سحر الأمير، الفائزة بجائزة الدولة للابتكار عام 1995، عبر مواد ووسائط فنية وتقنيات متنوعة، مثل الكولاج الفني والرسم بالأكريليك والزيت والأحبار فوق الأقمشة، كما تميل إلى بث العديد من الرموز على أسطح لوحاتها، كالطيور والحيوانات ذات الأبعاد الرمزية، إلى جانب اهتمامها باللون والأشكال الهندسية التي تساعدها على تبسيط الرسومات وإظهار عفويتها.

ووفقا لذلك قد تكون الوردة عبارة عن دائرة كبيرة تتوسطها دائرة صغيرة، وقد يكون الطائر عبارة عن دائرة تتوزع المثلثات داخلها. ويظهر هذا المنحى بوضوح في الرسوم التي أعدتها الفنانة للكتب الموجهة للأطفال، مثل كتاب “فصول السنة” من تأليفها، وكتاب “خطوط وألوان” من تأليف فاطمة المعدول.

وتتجه أعمال سحر الأمير المعروضة نحو التجريدية، وتتميز بالتعبير الحر وتعدد الطبقات، حيث تستخدم الفنانة تشكيلاتها الخاصة على أسطح اللوحات وتعيد توظيف الأقمشة بعد جمعها من أسواق السلع المستعملة وفساتين الدمى القديمة جاعلة منها أساسا للوحة. وتستند هذه التقنية إلى البناء على الماضي وإعادة قراءته وتقديمه بعين الحاضر.

وتوثّق الفنانة خلال ذلك العديد من الأشكال التي تنتمي إلى بيئتها، وطقوس الحياة التي تعيشها، وتجليات التراث الشعبي في يوميات الناس.

إلى جانب ذلك تستكشف الأمير إمكانات الخط العربي الذي يتغلغل ضمن التشكيلات الفنية الموجودة على سطح اللوحة، فقد يكون مستقيماً في لوحة ومتعرجاً في أخرى، وقد يكون في لوحة ثالثة مُحَدِّدا للأشكال المرسومة ليبدو في تجاوره معها عنصرا أساسيا في بناء اللوحة وفي إظهار البعد الطفولي والعفوي.

وتظهر عفوية تلك الخطوط من خلال نثْرها على الأسطح وكأنها نتاج حركات طفولية بالحروف والألوان، ما يمنح اللوحات حيوية كبيرة ويحررها من جمودها.

وغالبا ما تكون الألوان التي تستخدمها الفنانة مبهجة وحارة، فهي لا تميل إلى تلوين مساحة كبيرة من اللوحة بلون واحد، بل تقوم بتلوين مساحات صغيرة متجاورة كل منها بلون، سواء أكانت مربعات أم دوائر أم أشكالا من الطبيعة، وهذا ما يحقق للوحاتها إبهارا بصريا وإحساسا بالدفء والحيوية والحركة.

والناظر إلى أعمال الفنانة سحر الأمير يلحظ ميلها إلى فكرة الترقيع، سواء بالخامات التي تستخدمها أو بالأشكال التي ترسمها، حيث تبدو الكتل كما لو أنها قصاصات من قطع قماش لملابس أو أغطية، تم قصُّها ثم إلصاقها معاً في تجاور مدروس.

وكتب الفنان التشكيلي الأردني إبراهيم الخطيب عن المعرض: “الرفوف، تلك القطع المتواضعة من الأثاث الموجودة في كل منزل، يمكن أن تكون بمثابة مستودعات عميقة للذكريات والمعاني. إلى جانب وظيفتها النفعية، تحمل الرفوف بعدًا فلسفيًا غالبًا ما يمر دون أن يلاحظه أحد. في هذا التأمل نتعمق في العمق الفلسفي للأرفف، ونستكشف دورها كأوعية للذكريات. الرفوف، حسب تصميمها، هي مساحات ننشئها داخل منازلنا لحفظ وعرض العناصر التي تحمل قيمة عاطفية أو تستحضر أهمية شخصية. هذه العناصر ليست مجرد كائنات؛ إنها تجسيد لمشاعرنا وتجاربنا وأحلامنا، سواء كانت مجموعة من الكتب أو التذكارات العزيزة أو ألعاب الطفولة، فإن كل رف يصبح سردًا مرئيًا لحياتنا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى