إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

ورحلت عالي

علي عويض الأزوري

تتصل بي أحيانا 6 مرات في اليوم، صباحًا وظهرًا وعصرًا ومغربًا وعشاءً وما بينهما؛ ترتاح لي وتستأنس من حكاياتي التي أسردها عليك ومن القصائد والأبيات التي أشنف بها مسامعك من شعر وقصص الأولين من البادية والقرى.

تستمع لي بكل جوارحك لأن أحاديثي معك خارجة عن المألوف، ولا تخضع لمقص الرقيب، وتجد فيها متعة مفرطة في الحبكة الجمالية والتي تكون نهاياتها غير متوقعة ومضحكة. ضحكاتك كانت تخرج من سماعة الجوال بصوت عالٍ علوك عالي لأنك تضحك من أعماق قلبك.

صداقتنا متميزة عن جميع أصدقائك (مع احترامي لهم جميعًة) ويدل على ذلك الكم اليومي من الاتصالات وارتياحك لي ولحكاياتي المتفردة في السبك والرواية والصبغة، وأشعر بذلك فالأرواح جنود مجندة.

تعرفت عليك قبل 43 سنة عن طريق أخيك (خلف) صديقي وزميل دراستي، لم تكن صداقتنا وقتها ذات طابع ترفيهي بل كانت رسمية أكثر منها عفوية. من أنا بجانبك (عالي) ذي السمعة الأدبية والقامة العالية (أنا أطول منك جسما). كتاباتك ومقالاتك تملأ الصحف، ومشاركاتك في الأمسيات الأدبية النقدية في شرق المملكة وغربها وشمالها وجنوبها، وتعدى ذلك إلى العالم العربي من الخليج إلى المحيط.

لم نكن نتقابل إلا لمامًا، ولا يتجاوز الحديث بيننا السلام والسؤال عن الحال. لم تفارق محياك ابتسامتك المعهودة التي تحيي بها الجميع. تطورت العلاقة بيننا في الخمس سنوات الأخيرة ربما لأنه رأيتني كبرت في العمر والعقل وأصبحت قريبًا ببضعة فراسخ من علو قامتك (أنا أطول منك جسما) في النقاش والحديث.

ليلة البارحة 14 نوفمبر 2023 ألقيت عصا الترحال، وفي القاهرة وافاك الأجل.

لن أذرف دمعة واحدة على رحيلك، وليس ذلك نكرانا أو جحودًا لصداقتي وتقديري واحترامي وحبي لك، بل لأني أعرف أنك تحب أن تسمعني ضاحكًا، وتراني مبتسمًا، وأن يكون ذلك آخر العهد بك. وتعلم أن من وفائي لك أن ستبقى صدى ضحكاتك موسيقى في ذاكرتي.

لن أكتب تأبينًا لك وعليك، بل ذكرى جميلة، أهذي بها بيني وبينك تختلف عن كل ما سيُكتب عنك في الصحف والمجلات لتقرأها وتبتسم وتقول: أنت مختلف عن الآخرين (حتى بعد رحيلي) في كل شيء حتى في شقاوتك (تلك عبارتك عندما تنهي مكالماتك معي).

ستبقى عالي عاليَ الذكرى في ذاكرتي على مر الأيام.

بقلم/ علي عويض الأزوري

في ذكرى اليوم الأول لرحيل الصديق والأخ عالي بن سرحان القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى