البيت والأسرةتربية وقضايا

أثر العاطفة في طريقة التفكير عند الاطفال

إن الحالات العاطفية العامة التي تتحكم بنا كالأفراح والأتراح أو الحب والبغض تترك آثارها في أية لحظة كانت على طريقة تفكيرنا . فالإنسان الذي يفكر مثلا أو يطالع أو يحكم أو يتعقل قد يكون في الوقت نفسه منغمساً تحت تأثير ميوله وأمانيه وشهواته، فتراه إما سعيداً أو تعيساً وإما مضطرباً أو هادئاً وإما منشرحاً أو مكتئباً . ومن هنا فإن نظرة كل منا إلى الدنيا تختلف باختلاف الحالات العاطفية والفيزيولوجية التي تتحكم بعمق مشاعرنا أثناء النشاط العقلي: وكلنا يعلم أن الحب والحقد والغضب والخوف كل ذلك بمقدوره إرباك حتى المنطق.

الأبوة والأمومة
احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.

الطفولة
يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.

التربية
مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.

تعريف النمو النفسي:

يعد النمو النفسي للطفل عملية معقدة تتضمن التفاعل الوثيق بين العوامل العاطفية والمعرفية المختلفة. منذ الولادة، وحتى قبل ذلك، يبدأ الأطفال في تطوير المهارات والقدرات التي ستشكل شخصيتهم، وذكائهم، وطريقة تفاعلهم مع العالم من حولهم.

يشمل المجال العاطفي العواطف والمشاعر وكذلك قدرة الطفل على إقامة اتصالات مع الآخرين. إنه أمر بالغ الأهمية لتنمية احترام الذات والقدرة على تكوين العلاقات. ومن ناحية أخرى، يهتم المجال المعرفي بالنمو الفكري للطفل، بما في ذلك التعلم والذاكرة وحل المشكلات واتخاذ القرار.

ويتشابك هذان المجالان بشكل وثيق ويتطوران في عالم علائقي غني، يتأثر بالسياق العائلي والاجتماعي والثقافي. تلعب تفاعلات الطفل مع بيئته دورًا رئيسيًا في تنمية مهاراته وفهمه للعالم.
أهمية فهم آليات النمو العاطفي والمعرفي للطفل:

تسلط الأبحاث في علم نفس النمو الضوء على أهمية فهم هذه العمليات لدعم الطفل في رحلة نموه، مع الاعتراف بأن كل طفل فريد من نوعه ويتبع مساره التنموي الخاص. يستمر هذا المجال من الدراسة في التطور، مما يوفر وجهات نظر ومفاهيم جديدة تساعد الآباء والمعلمين والمتخصصين في الرعاية الصحية على دعم الأطفال بشكل أفضل في تطورهم.
النمو المعرفي:

تسعى نظريات التطور المعرفي إلى شرح كيفية اكتساب الأطفال للمعرفة وفهمهم واستخدامها خلال مراحل مختلفة من نموهم. أحد الشخصيات المحورية في هذا المجال هو جان بياجيه، الذي أثرت نظريته البنائية بشكل عميق على فهمنا لنمو الطفل.

افترض بياجيه أن التطور المعرفي يحدث في أربع مراحل رئيسية: الحسية، وما قبل العمليات، والتشغيلية الملموسة، والتشغيلية الرسمية. ووفقا له، يمر الأطفال بهذه المراحل بشكل متتابع، وتتميز كل منها بطريقة مختلفة في التفكير وفهم العالم. ويعكس هذا التقدم كيفية تطور قدرات الأطفال المعرفية وتكيفها استجابة لبيئتهم.

بعيدا عن بياجيه، سمح التقدم التكنولوجي في التسجيل السمعي البصري للباحثين باكتشاف أن الأطفال لديهم مهارات معرفية أكثر تقدمًا مما لاحظه بياجيه. وقد أدت هذه الاكتشافات إلى ظهور مفاهيم مثل “الطفل الفلكي”، الذي يوضح قدرة الأطفال على الملاحظة والتعلم من بيئاتهم قبل وقت طويل من تطوير مهاراتهم الحركية. ثم هناك فكرة “الطفل الفيلسوف”، الذي يبدأ، حتى في سن مبكرة، في تنمية الإحساس بالذات والوعي والمشاعر.

تسلط هذه المفاهيم الضوء على قدرة الأطفال على التفاعل مع بيئاتهم والتعلم منها بطرق أكثر تطوراً مما كان يعتقد سابقاً. ويشيرون أيضًا إلى أن التطور المعرفي هو عملية ديناميكية وتفاعلية، تتشكل من خلال مزيج من العناصر البيولوجية الفطرية والخبرات البيئية.

وقد أكدت أبحاث ما بعد بياجيه أيضا على أهمية الجوانب الاجتماعية والثقافية للتطور المعرفي، مما يشير إلى أن التعلم هو عملية متجذرة بعمق في السياق الاجتماعي والثقافي للطفل. وقد أدى هذا المنظور إلى توسيع إطار فهم التطور المعرفي، حيث أظهر أنه لا يحدث بمعزل عن الآخر ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعالم الاجتماعي والثقافي الذي ينمو فيه الطفل.

باختصار، توفر نظريات التطور المعرفي أطرا أساسية لفهم كيفية تعلم الأطفال وتطورهم. وهي تسلط الضوء على أهمية التفاعل بين العوامل البيولوجية والبيئية في تكوين القدرات المعرفية، مما يوفر رؤى قيمة للتعليم وعلم النفس ورعاية الطفل.
النمو العاطفي الانفعالي:

تلعب العاطفة دورا حاسما في النمو النفسي للطفل، وتؤثر بشكل عميق على شخصيته وعلاقاته الاجتماعية ورفاهيته العامة. يشمل هذا المجال العواطف والمشاعر، فضلاً عن القدرة على إقامة العلاقات العاطفية والحفاظ عليها، وهو أمر أساسي لتنمية احترام الذات والمهارات الاجتماعية.

سلط سيغموند فرويد، في عمله في التحليل النفسي، الضوء على أهمية النشاط الجنسي الطفولي في النمو العاطفي، من خلال تحديد مراحل ما قبل الولادة المختلفة التي تميز التطور العاطفي للطفل. ووفقا لفرويد، تعتبر هذه المراحل حاسمة في بناء الشخصية والعاطفة. إن التجارب التي يمر بها الطفل خلال هذه المراحل لها تأثير دائم على نموه العاطفي والعلاقاتي.

تعتبر العاطفة ضرورية أيضًا في تكوين رابطة الارتباط بين الطفل وشخصيات والديه. تشير نظرية التعلق، التي طورها جون بولبي، إلى أن جودة التعلق التي تتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة تؤثر على قدرة الطفل على تطوير علاقات صحية في المستقبل. يوفر الارتباط الآمن للطفل أساسًا متينا لاستكشاف العالم وتكوين علاقات شخصية طوال حياته.

تلعب العواطف دورا أساسيا في عملية التعلم وصنع القرار. فهي تؤثر على طريقة إدراك الطفل لبيئته وتفاعله مع الآخرين ومواجهته للتحديات. الذكاء العاطفي، الذي يشير إلى القدرة على التعرف على العواطف وفهمها والتعبير عنها وتنظيمها، هو جانب حاسم من التطور العاطفي الذي يساهم بشكل كبير في النجاح الاجتماعي والأكاديمي.

تؤثر العاطفة أيضا على تطور الوعي الذاتي والتعاطف. من خلال تفاعلاتهم العاطفية، يتعلم الأطفال التعرف على أنفسهم ككائنات متميزة بمشاعرهم الخاصة وفهم مشاعر الآخرين، وهو أمر ضروري لتطوير العلاقات الشخصية المتعاطفة والمحترمة.

باختصار، تعد العاطفة جزءا لا يتجزأ من نمو الطفل، حيث تتفاعل بشكل وثيق مع الجوانب المعرفية لتكوين شخصية متوازنة ومتكيفة. ولذلك فإن الاعتراف بالنمو العاطفي للطفل ودعمه يعد أمرا ضروريا لتعزيز نموه الشامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى