يصبح أكثر عدوانية.. تأثير الضرب على سلوك الطفل
يعتمد الكثير من الآباء طريقة الضرب والتعنيف مع أطفالهم كنوع من التربية الشديدة لجعله شخص أكثر تربية واحتراما في المستقبل، ولا يعلمون مدى خطورة ما يفعلونه عليهم في المستقبل من الناحية النفسية والجسدية والعصبية أيضا، فقط يطبقون ما تربوا عليه في قديم الأزل من آباء يجهلون آليات التربية الإيجابية والحفاظ على نفسية الطفل من أقل رد فعل على تصرفاتهم .
يعتبر البعض أن العقاب البدني وسيلة لتأديب الطفل، ومهما اختلفت أشكاله، فكلها وسائل يقول العلماء أنها تؤذي صحة الطفل النفسية بشدة، بحسب موقع “Medical Daily”.
نصحت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال الآباء عام 1998 باكتشاف وسائل أخرى للتدخل للحد من السلوك السيء للأطفال بعيدا عن الضرب والتوبيخ.
وفي العشرين سنة التالية اتخذت الجمعية الأمريكية لطب الأطفال موقفًا ضد طرق العقاب المؤذية التي تمارس ضد الأطفال؛ فالضرب لا يفشل فقط في تأديب الأطفال ولكنه يأتي بنتائج عكسية فيجعل الطفل أكثر عدوانية.
ويقول الدكتور روبورت سيجي من مركز “نافتس” للطب في بوسطن: “ليس هناك أي فائدة من ضرب الأطفال، فنحن نعلم أن الأطفال ينمون ويتطورون من خلال النماذج الإيجابية حولهم، ومع وضع حدود صحية يمكننا أن نفعل ما هو أفضل”.
فعندما تم فحص الأطفال الذين تعرضوا للعنف البدني وجد أن لديهم مستويات عالية من العدوانية، كما أصيبوا ببعض الاضطرابات النفسية.
لذلك ينصح العلماء باتباع استراتيجيات بديلة عند تأديب الأطفال، فيمكن تشجيع الأطفال على التصرف بشكل أفضل بتفعيل نظام المكافئات.
انفعال الآباء..
ويواصل أن “الضرب ليس الطريقة السليمة في تربية الأطفال، حيث توضح الدراسات الحديثة أن الطفل حتى عمر التسع سنوات لا يستطيع أن يدرك العلاقة بين الخطأ الذى قام به وبين العقاب الجسدي والإيلام الذى يشعر بهن وبالتالي لا يحقق الضرب النتيجة المطلوبة في تعليم الطفل بعدم تكرار الخطأ وقد يصاب الطفل المعاقب بالضرب بشكل دائم إلى أقصى درجات السلبية واللامبالاة أو أقصى درجات العنف، لذا يجب الابتعاد عن تلك الوسيلة خاصة أن الدراسات توضح أن 95% من حالات ضرب الأطفال تكون ناتجة عن انفعال أحد الوالدين ومحاولتهم لإخراج هذا الانفعال في الطفل.
توجد طرق كثيرة لتربية الأطفال منها التحدث معهم والتوبيخ البسيط مع حرمان الطفل من الأشياء المحببة لهم بقدر معين، ووفقا لحجم الخطأ مع التأكيد على أنه شخص جيد ومحبوب، ولكن مواقفه هي التي تحتاج إلى تقويم”.
نسيان الضرب..
لا ينسى الطفل الضرب والأحداث المؤلمة في الغالب، لكن قد ينساه أحيانا في سن وظروف معينة، يقول العلماء أنه من المحتمل عدم تذكر ذكريات الطفولة المبكرة وخاصة عندما يكون الطفل تحت سن الثانية أو الثالثة، لكن يعتمد الأمر على عدة أمور منها قوة الضرب ومرارة التجربة والظروف المحيطة بالطفل.
تصنع عقولنا بشكل عام في وقت وقوع حدث صادم العديد من المشاعر والمشاهد والأصوات والروائح وحتى الملامس المرتبطة بالصدمة، وعندما تمر علينا أمور مماثلة كأن نشم نفس الروائح التي شممناها وقت الصدمة نتذكر هذا الحدث، وهذا ما يحدث فعليا مع الطفل الذي تعرض للضرب. وإن نسي الطفل الضرب فمن الصعب التخلص من آثاره التي يتركها عليه طوال حياته، ومن هنا يجب علاج آثار الضرب النفسية بسرعة.
الآثار النفسية..
تختلف استجابات الأطفال للضرب، ولكنهم جميعا يتألمون جسديا ونفسيا، فآثار الضرب النفسية والتنمر الجسدي على الطفل كبيرة جداً منها:
الخوف: فيصبح الطفل خائفا من الشخص الذي يضربه، حتى لو كان أحد والديه، وهذا يؤثر على علاقته به.
الانعزال عن الآخرين: فالضرب يكسر الطفل من الداخل ويترك آثار نفسية كبيرة فيه ما يجعله يفضل العزلة، ويفقد الرغبة في الخروج واللعب مع الأقران، وخاصة إن كانوا يتمتعون بعلاقات سليمة ولا يعانون من الضرب، وقد يغار من أقرانه أيضا.
اضطرابات في النوم والشهية: فعندما يكتئب الطفل ستلاحظ غالبا أن هناك تغيير في نومه وشهيته للطعام فقد يلجأ للنوم الكثير أو قد يقل نومه أو قد يعاني من الكوابيس، كما قد تزيد شهيته كثيرا أو تضعف.
صعوبة في التركيز: يصبح الطفل ضعيف التركيز في المدرسة، وفي المنزل قد تناديه ولا يستجب لك لأنه كثير السرحان.
الانزعاج من التغيير: فحتى التغييرات البسيطة في روتين الطفل تزعجه وتشعره بالتهديد.
آلام جسدية: كالصداع وآلام المعدة وضيق التنفس وغيرها من الأعراض الجسدية التي قد لا تكون على صلة مباشرة بالضرب بقدر ما تكون انعكاسا نفسيا لحالة القلق التي يعاني منها الطفل المعنف.
إعادة دورة العنف: فقد يعيد الطفل دورة العنف الجسدي والضرب، فيتخذ الضرب نهجا له في تعاملاته ويصبح عنيفا، فإن كان يتعرض للضرب من قبل أقرانه في المدرسة فقد يصبح طفلا عنيفاًويرد لهم الضرب أو يضرب من هم أضعف منه في الصف أو حتى اخوانه الصغار، وغالبا يكبر هذا السلوك العدواني معه ليصبح أبا عنيفا يتخذ الضرب نهجا له في تعامله مع أبنائه وزوجته، وهكذا يديم هذا الطفل دورة العنف والضرب التي قد تستمر لأجيال طويلة.
قبوله بالضرب والتعنيف: فقد تكون ردة فعله معاكسة لما سبق فيقبل بالضرب وبالتعنيف اللفظي والجسدي من الناس دون اعتراض.
سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى: وقد يطور الطفل سلوكيات جسدية أو نفسية أخرى مثل العناد، وتعاطي الممنوعات.
البحث عن شخص بديل: فإن كان والدي الطفل هما من يضربانه، فسيبحث عن نموذج الأب أو الأم في أشخاص آخرين خارج المنزل. وتكمن خطورة هذا الأمر عندما يستغل الكبار حاجة الطفل للعطف والحنان ويستغلونهم في أمور أخرى قد تصل للاعتداء الجنسي أحيانا، ناهيك عن الفتاة التي قد تكبر وترتبط برجل كبير في السن اعتقادا منها أنها أحبته، ولكن الواقع هو أنها وجدت فيه نموذج الأب الذي افتقدته، فتنشأ بينهما علاقة غير صحية وقد يفشل زواجهما.
مشكلات في الشخصية: فيكون عادة هذا الطفل يعاني من ضعف الثقة بالنفس، وقد يعاني من عقدة النقص والأنانية وغيرهم من مشكلات الشخصية.
علاج آثار الضرب النفسية..
الضرب أمر من الصعب نسيانه من قبل الطفل الذي تعرض له، وعلى الأهل أو المربين أو المسؤولين عن الطفل محاولة علاج آثار الضرب النفسية التي تترك على الطفل. وذلك من خلال اتباع النصائح التالية:
حافظ على هدوئك: فأدر صدمتك ولا تفقد أعصابك وتبدأ بالصراخ مستنكرا الذي حدث أو ملق اللوم على الطفل على ما حدث معه، حتى لا توتر الجو وتزيد من توتر وخوف الطفل.
هدئ من روع الطفل وطمئنه: قل له أنه الآن بخير وأن ما حدث له قد انتهى وأنك بجانبه مهما حدث وستحميه، وقد تضطر لطمأنته باستمرار وخاصة بعد الحادث بفترة قصيرة.
استمع له ولا تصغر من آلامه: فاستمع لروايته لما حدث معه، وتفاعل معه وقل له أنك تقدر آلامه ومخاوفه، وعندما يروي قصته انزل لمستواه فاجلس على ركبتيك وربت على كتفه لطمأنته.
امنحه بعض الوقت: فليس من السهل أن ينسى الطفل الضرب، وأن يتعافى من آثار الضرب النفسية، فامنحه الوقت واستحمل بكاءه وشكواه.
شجع الطفل على التعبير عن مشاعره وتسميتها: فقل له أن يعبر عن خوفه ويشرح ما الذي أخافه، وبماذا شعر عندما تعرض للضرب، فهذا يساعده على فهم مشاعره والتعبير عنها وعدم كتمانها وبالتالي يخفف هذا من آثار الضرب النفسية عليه.
احم الطفل من التعرض لمواقف مشابهة أو التذكير بالموقف: ففي كل مرة يتعرض فيها الطفل لموقف مشابه سيتذكر ما حدث معه، وهذا سيزيد من المدة التي يحتاجها لعلاج آثار الضرب النفسية. وقد تحتوي القصص أو الأفلام أو ما يشاهده الطفل على التلفاز أو الإنترنت على أمور تثير مخاوفه من جديد وتجعله يجتر آلامه ويتذكر الموقف.
تكلم مع من حول الطفل بما حدث: فأخبرهم بطريقة التعامل معه وضرورة عدم تذكيره بالموقف، وطمأنته باستمرار.
ركز معه على الحاضر: فشجعه على نسيان الماضي بإشغال وقته وإسعاده ليعيش الحاضر ويسعد به، وهكذا سيتجنب عقله استدعاء الضرب الذي قد تعرض له.
اطلب المساعدة: قد تحتاج لمساعدة الأخصائيين أحيانا وخاصة إن لم يتحسن طفلك لفترة طويلة، أو إن كنت أنت أيضا متأثرا، أو إن كان الشخص الذي يضرب الطفل قريب جدا منه ويصعب عليك فصل الطفل عنه كوالده مثلا.
الأضرار الصحية لضرب الطفل قبل النوم
يؤدي ضرب الطفل لإرغامه على النوم من قبل الكبار وتحديداً الأم لإصابته بالرضوض والآلام الجسدية وربما الجروح والخدوش.
يؤدي الضرب أحياناً لاصابة الطفل بكسور في العظام وذلك لأن عظام الطفل تكون ضعيفة وهشة وسهلة الكسر والتعرض للشروخ.
يتسبب الضرب في مكان حساس من جسم الطفل أحياناً لإصابته بالنزف الداخلي بأحد اعضائه مثل الكلى والكبد، وينام الطفل دون أن تعرف الأم، مما يهدد حياته وقد سجلت العديد من الحوادث بهذا الخصوص.
التعرض للتبول اللاإرادي
يتسبب الضرب للطفل لإرغامه وإجباره على النوم أن يتبول في فراشه، فقد يشعر الطفل بالخوف ولا يطلب من أمه الذهاب إلى الحمام والنزول من سريره مثلاً؛ لإفراغ مثانته فيتبول في فراشه.
يؤدي تهديد الطفل وضربه لشعوره بالخوف، وينتابه القلق والتوتر خلال نومه وحين يخلد إلى النوم بعد فترة طويلة من محاولة الاستغراق فيه فهو يتبول على نفسه، لأنه يكون قد امضى فترة طويلة محاولاً السيطرة على نفسه.
يتسبب الضرب أو التعنيف برد عكسي من الجسم، حيث يعبر عن رفضه لما يتعرض له بالتبول في الفراش وهذا من أهم أسباب التبول اللا إرادي عند الأطفال التي يجب إغفالها إلى جانب الأسباب العضوية.
تابعي أيضاً: التبول اللا إرادي عند الأطفال
التعرض للتأخر الحركي والعقلي
يتعرض الأطفال الذين يعانون من الضرب قبل نومهم لمشكلات عقلية وحركية، مثل أن يصبح الطفل لا يحب الحركة من سريره وممارسة أي نشاط، حيث يعتقد أن كل أفعاله خاطئة وسوف ينال العقاب عليها فيصبح سلبياً وخاملاً.
يتعرض التطور العقلي والحركي للطفل المعنف قبل نومه للتباطؤ؛ بسبب خوفه من التعرض للعقاب، فلا يبدي تفاعلاً مع المجتمع حوله، وهذا التفاعل هو أساس تطوره الحركي والعقلي والمهاراتي.
أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يضرب قبل النوم يتعرض للنسيان، وعدم القدرة على الحفظ، ويتراجع مستواه الدراسي بشكل كبير قياساً بالطفل الذي تقرأ له أمه القصص قبل نومه، ويجب أن تعرف الأم الطريقة المثلى لقراءة القصص للأطفال لكي يستفيد منها، أو الطفل الذي يحفز ويشجع بكلمات وعبارات تشجيعية.
يؤدي تعنيف الطفل إلى توقفه عن ممارسة أي نشاط مع إخوته؛ لأنه يخاف من الضرب، وفي حال أنه يرفض النوم فهو يهدر وقته ويسهر لوقت متأخر دون نشاط، فلا يتعلم الغناء أو حفظ الأناشيد أو الدخول في منافسات ومسابقات مع إخوته لزيادة قدراته العقلية والإبداعية.
التعرض للكوابيس الليلية
يعاني الطفل الذي يتعرض للتعنيف قبل نومه من الأحلام المخيفة والمرعبة، ويصاب بالكوابيس الليلية التي تصاحب ما يترسب في عقله الباطن من مخاوف؛ بسبب العنف الجسدي أو اللفظي الذي تعرض له، حيث إن الدقائق التي تسبق نوم الإنسان تعد من الدقائق الثمينة التي تسجل فيها خبراته جيداً، وتدفن في العقل الباطن ويتم إعادتها مع صياغات جديدة على شكل أحلام جميلة أو كوابيس مخيفة، وبعد ذلك تبدأ الأم في التساؤل ماذا أفعل عندما يعاني طفلي من الكوابيس ويبدأ في الخوف في النهار أيضاً.
يصاب الطفل اذا ما ضرب قبل نومه بحالة توصف بالطب النفسي باضطراب الوعي، أي أنه لا يستطيع أن يفرق بين الخيال والواقع ويعتقد أن الكوابيس التي يراها هي حقيقة.
كراهية النوم وطقوسه
يصاب الطفل الذي يتعرض للعنف قبل النوم لحالة مزعجة جداً ويترتب عليها نتائج قد تؤدي لإضرار بحالة الطفل النفسية، وهذه الحالة هي كراهيته للنوم وتهربه منه؛ بسبب تعرضه للضرب مثلاً في فراشه، فتكتشف الأم مثلاً أنه حين تبدأ في مرحلة تنويم الصغار أن أحد أطفالها قد اختبأ في مكان غريب وغير متوقع؛ لأنه لا يريد أن ينام، وفي نفس الوقت فهو يخاف من الضرب والتعنيف لإرغامه على النوم.
يكره الطفل الذي يتعرض للضرب والتعنيف اللفظي قبل نومه كل ما يرتبط بالنوم، ولا يحب الجلوس في فراشه أو اللعب في غرفته، ويجد المكان ليس محبباً له على الرغم أنه في الغالب تكون غرفة الطفل هي مملكته الخاصة، حيث يجد أغراضه ومتلعقاته الشخصية وألعابه، ويمارس اللعب في مساحة من الغرفة، ولكنه حين يضرب في سريره فهناك ذكريات سيئة سوف ترتبط بعقله ويحاول الهروب منها.
يتمارض الطفل الذي يتعرض لتعنيف ما قبل النوم؛ لكي لا يذهب إلى فراشه، ويحاول أن يبدو أمام الأم ضعيفاً ومتوعكاً وغالباً ما ينعكس ذلك على قدرته على تحمل المسئولية في المستقبل وقدرته على تنظيم وضبط برنامجه اليومي.
الميل إلى العزلة والانطواء
يميل الطفل إلى العزلة والانطواء بسبب تعرضه للضرب أو التعنيف قبل النوم، حيث إنه يرى أن ضربه خصوصاً أمام باقي إخوته يعد إهانة له ولكرامته، وقد تعتقد الأم أنه لا زال صغيراً ولا يتأثر، وكل ما عليه أن يلبي أوامرها، ولكن على العكس من ذلك فالطفل في سن ما بعد الخامسة يصبح ذا شخصية مستقلة وحساسة حيث تبدأ المؤثرات المحيطة في بناء شخصية الطفل وتؤثر به أي تصرفات من قبل الكبار ويحرص على مكانته في الأسرة وبين إخوته الصغار خصوصاً.
يصبح الطفل أكثر انعزالاً في مرحلة مبكرة من حياته بسبب ضربه امام شخص يحبه، مثل أن تضربه الأم في وجود شخص حل كضيف على العائلة، فيصاب بالحرج ويختفي في كل مرة يأتي هذا الشخص لزيارتهم، مما يترتب على ذلك أن الطفل يصاب بعقدة الفقد باكراً وهذه العقدة ليس من السهل أن يتجاوزها الطفل.