مرايا غاليانو .. قراءة جديدة لتاريخ العالم للكاتب إدواردو غاليانو
مرايا: ما يشبه تاريخًا للعالم” عمل فريد للكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو (1940-2015) يُعدّ من أبرز إبداعاته أسلوبا ومُحتوى (الترجمة العربية، صالح علماني 2011). تقدّم المرايا رؤية متكاملة لتاريخ البشرية من خلال نصوص موجزة وسرد مُكثف، يجمع فيها غاليانو بين الإيجاز والدقة لإبراز ملامح التجربة الإنسانية عبر العصور.
مئات النصوص القصيرة كل منها يمثل مشهدًا من تاريخ الإنسانية. اعتمد غاليانو في كتابتها على أسلوب السرد المتقطع، ليربط بانسيابية بين حضارات متباينة وأزمنة متعاقبة، مسلطًا الضوء على التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت معالم المجتمعات.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
كتاب “مرايا: ما يشبه تاريخًا للعالم” عمل استثنائي في تاريخ الأفكار، قدمه إدواردو غاليانو بنظرة نقدية متفحصة وبأسلوب أدبي وشاعري. يعيد غاليانو من خلال هذا الكتاب قراءة تاريخ العالم بوصفه حكاية إنسانية مليئة بالأحلام والأخطاء والانتصارات والهزائم. هكذا يعيد غاليانو الحياة للتاريخ عبر إبراز هويته الثقافية وأساطيره ورموزه، مما يسمح بتفسير الأحداث التاريخية وتجاوز حدودها الزمنية والجغرافية، مستعرضًا إياها عبر العصور والثقافات.
تُبرز قراءة متأنية لمرايا غاليانو الفكرية والفلسفية أهمية العدالة التاريخية، حيث يقف ضد كل أشكال النسيان والتشويه. يُذكّرنا غاليانو من خلال تجاور النصوص بأن التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث الماضي، بل هو أيضًا مسؤولية أخلاقية تجاه الحقيقة والإنصاف. من هذا المنظور، يُمكن اعتبار كتاب “مرايا: ما يشبه تاريخًا للعالم” أكثر من مجرد سرد تاريخي، إنه نص غنيّ بالأبعاد الفكرية، يعرض لرؤى فلسفية وسياسية عميقة حول طبيعة الإنسان والتاريخ والذاكرة. من خلال هذا العمل ينتقد غاليانو بوضوح الهيمنة التاريخية، أي الرؤية الأحادية التي تفرضها القوى المسيطرة على تفسير التاريخ.
وما من شكّ في أن هذا النقد يعكس فهمَه لدور السلطة في تشكيل الوعي التاريخي الجَمعي، ودفاعه عن أهمية الحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ من منظور المضطهدين والمهمشين، ومنحهم حق الوجود في ذاكرته الجماعية.
قال إدواردو غاليانو ذات يوم: “إن الزمن يسخر من كل من يحاول قياسه، لكنه في الوقت ذاته يدرك حاجتنا لتثبيت ذكرياتنا بتواريخ، كي لا تندثر كالكثبان الرملية في الريح.”
ألّف غاليانو العديد من الكتب، من بينها “المرايا”، ليتبيّن له ألاّ مكان ولا شخص أكثر أهمية من آخر؛ تتعرض ذاكرتنا الجمعية للتشويه على يد القوى المسيطرة التي تعمل على مَحْوِ واقعنا الحاضر، وآن الأوان للدول المهيْمنة أن تتعلم كيف تُحِلّ كلمة “صداقة” محلَّ كلمة “قيادة”.
المرايا ممتلئة بالناس. اللامرئيون يروننا. المنسيون يتذكروننا. عندما نرى أنفسنا، نراهم. وعندما نغادر، هل يغادرون؟
هذا الكتاب كُتب لمن لا يغادرون. هذه الصفحات توحد الماضي بالحاضر. وفيها ينبعث الموتى، ويصير للمجهولين أسماء:
الرجال الذين شيدوا قصوراً ومعابد لساداتهم. والنساء اللاتي يجهلهنّ من يجهلون ما يخافونه. وجنوب العالم وشرقه اللذان يزدريهما من يزدرون ما يجهلونه. والعوالم الكثيرة التي يتضمنها العالم ويخفيها. والمفكرون والحساسون. والفضوليون المدانون لأنهم يتساءلون، والمتمردون والخاسرون والمجانين الرائعون الذن كانوا ومازالوا ملح هذه الأرض.