قصة إسلام سلمان الفارسي الصحابي الجليل
نشأ سلمان الفارسي في “جي” إحدى نواحي مدينة أصبهان، وكان والده غنيًا ومالكًا لضيعة -أي مزرعة-، وكان محبًّا لابنه سلمان وحريصًا عليه؛ حيث كان يبقيه في البيت، وكان سلمان كبقية أهل فارس يعتنقون المجوسية، وهي عبادة النار، حتى أنّ سلمان كان سادن النار -أي خادمها-، حيث كان يعمل على إمدادها بالحطب لتبقى مشتعلةً، إلى أن ترك أهله باحثًا عن الدين الحق.
ولد سلمان الفارسي في أصبهان من بلاد فارس. كان والده دهقان القرية (رئيسها)، وكانت له القيادة (سياسية ومالية ودينية)، فكان غنياً وجيهاً، وقد اجتهد سلمان في المجوسية فكان قيِّماً على النار (يضرمها حتى لا تنطفئ).
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
وهذا يدل على مكانة سلمان ودرجته العالية من التدين، فإخلاصه في المجوسية يدل على أهمية الدين والعقيدة في حياته، ومن كان مخلصًا لعقيدته يصعب عليه أن يفارقها إلى عقيدة وفكر يخالفان ما كان يؤمن به.
نقطة التحول في حياة سلمان
كان لوالده ضيعة يرعى شؤونها، شُغِل عنها ذات يوم فطلب من سلمان أن يأتي الضيعة ويهتم بها، امتثل سلمان لأمره والده وخرج إلى الضيعة، لكنه في الطريق وجد كنيسة، وسمع أصواتاً وألحاناً تنبعث منها.
دخلت الأصوات إلى قلبه فجلس يستمع خاشعاً بكل جوارحه، وحدث نفسه بأن هذه الأصوات والصلوات خير من الذي نحن عليه (الفطرة السليمة)، ثم بقي حتى ذهب الناس إلى منازلهم، وجلس هو مع الأسقف يسأله عن هذا الدين؟ فأخبره الراهب بشكل مفصل، وأعلمه أنّ أصل دينهم في الشام.
رحلة سلمان من المجوسية إلى الإسلام
لو أدركوك صدقوك واتبعوك.. هكذا أخبر سلمان الفارسي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ماتوا قبل أن يلقوه، ولم يحالفهم الحظ مثله بأن يصلوا أخيرًا إلى محطة النهاية في رحلة البحث عن دين الحق..
بدأ سلمان رحلته من قريته بأصفهان، فاعتنق المسيحية، وظل ينتقل من بلدة لأخرى طالبًا الدين والعلم، حتى ذهب إلى الشام بعدما نصح من أهل بلده من النصارى بملازمة رجل دين هناك، ثم حين توفي أوصاه برجل من الموصل، فحين توفي أوصاه برجل في عمورية، حتى قال له الأخير وقت وفاته: “لا أعلم أحدًا اليوم على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك نبي، يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة”، يقول سلمان أنه رحل بعدها إلى بلاد العرب ليبحث بينهم عن النبي، لكن يقدر به العرب الذين صاحبوه في رحلته ليباع لرجل يهودي في البلد الذي قصده، ثم يبيعه مرة أخرى ليهودي من بني قريضة، وهناك، يقابل سلمان الفارسي أخيرًا ما كان يبحث عنه، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليعتنق دين الحق.
ويروي سلمان الفارسي تلك القصة حتى لقى الرسول صلى الله عليه وسلم ويحكي سلمان لقاءه بالرسول قائلًا: “فلما أمسيت ، وكان عندي شيء من طعام ، فحملته وذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بقباء ، فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن معك أصحابا لك غرباء ، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد ، فهاك هذا ، فكل منه .
قال : فأمسك ، وقال لأصحابه : كلوا . فقلت في نفسي : هذه خلة مما وصف لي صاحبي .ثم رجعت ، وتحول رسول الله إلى المدينة ، فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته به ، فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية . فأكل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأكل أصحابه ، فقلت : هذه خلتان. ثم جئت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه ، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف .فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي”.
كان لرحلة سلمان أثر كبير عليه، فلم ينس أصحابه حين وصل للنبي صلى الله عليه وسلم، بل أخبره عنهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان هم من أهل النار، فاشتد ذلك على سلمان، فقال: لو أدركوك صدقوك واتبعوك، وفي ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.
وفاة سلمان الفارسي
توفي سلمان الفارسي -رضي الله عنه- في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ودُفن في مدينة المدائن الموجودة في العراق، ويُرجح أنّ وفاته كانت سنة 32 هـ وقيل 33 هـ، وكان قد أوصى قبل موته بوعاء فيه ماء؛ فوضع فيه المسك، ثم أمر صاحبة منزله أن ترشه حوله؛ لأنّه كان يرى خلقًا من خلق الله تعالى يشمّون الريح الطيب، ولا يأكلون الطعام، وكان يقصد بذلك الملائكة -عليهم السلام-، ثم أمرّها بعد ذلك أن تنزل من عنده؛ فلمّا غابت عنه مدةً يسيرةً صعدت إليه؛ فوجدته قد مات -رضي الله عنه-.