صفية بن زقر فنانة خلدت بفنها الزمان والمكان
عشقت الفنانة الراحلة صفية بن زقر مسقط رأسها، جدة، فسخرت تجربتها التشكيلية لرصد ملامح المدينة وتوثيق فلكلورها والمظاهر الاجتماعية والثقافية والمعمارية المميزة لها، واستطاعت أن تخط اسمها بين أهم الفنانات التشكيليات في المملكة العربية السعودية.
رحلت عن عالمنا منذ أيام قليلة الفنانة التشكيلية السعودية صفية بن زقر عن عمر يناهز 84 عاماً وهي صاحبة اللوحة الأشهر في القرن العشرين التي تصور بورتريها ذاتيا لامرأة بعنوان “الزبون” وأنجزتها في العام 1969، والتي لقبها النقاد لاحقا بـ”الموناليزا الحجازية”.
في هذه اللوحة الشهيرة، تظهر الفنانة التي كانت شابة في حينها وهي تجلس على كرسي خشبي من الموزاييك الدمشقي وخلفها حائط منزل من منازل مدينة جدة التراثية – مسقط رأسها – وقد طلي باللون الأزرق ونقشت عليه ست دوائر مزخرفة لونت باللونين الأحمر والأسود، وتتوسط كل دائرة كلمة “الله”. ظهرت الفنانة في هذه اللوحة بكامل أناقتها، حيث ترتدي معطفا أصفر تحتهُ قميص
أبيض أغلقت ياقتهُ بثلاثة أزرار ذهبية، وتغطي رأسها بحجاب أبيض تظهر منه مقدمة شعرها فقط. وهذا الزي الذي ظهرت فيه صفية بن زقر في اللوحة هو الزي التقليدي الحجازي الذي ترتديه نساء جدة، أما معالم وجهها الهادئة ونظرتها فتبدو فيها وكأنها تنظر إلى مصور فوتوغرافي أراد التقاط صورة لها ولا تظهر أية انفعالات.
لوهلة، يلاحظ المتأمل للوحة تشابها كبير بين معالم وجه الرسامة ومعالم وجه “الموناليزا” التي رسمها الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي عام 1503، فهناك تماه ظاهر بين الوجهين باستثناء الابتسامة فلا تظهر على وجه بن زقر أي ابتسامة ولو بسيطة على عكس الجوكندا وابتسامتها اللغز.
رسمت الفنانة السعودية لوحتها هذه بعد عام واحد من معرضها الأول في مدينة جدة عام 1968، والذي كان أول معرض يقام لامرأة في المملكة واستضافته دار المعلمات التابعة لوزارة التربية، كان حدثا مثيرا في حد ذاته وطفرة اجتماعية لأنها أول فنانة تشكيلية في بلاد الحرمين.
بعد تخرجها من أكاديمية الفنون في لندن، عادت صفية بن زقر إلى مدينتها المحببة ومسقط رأسها جدة وقررت الاستقرار فيها بعد تنقلها في صغرها وشبابها بين القاهرة ولندن، الشيء الذي أغنى ثقافتها وذائقتها الفنية، لكنها في النهاية قررت أن تكون مدينة جدة وتراثها المعماري والثقافي والاجتماعي موضعا للوحاتها الكثيرة.
انكبت الفنانة على رسم البيوت التي تزين جدة القديمة، هذه البيوت التي تحولت إلى تراث بعد انتشار البناء الحديث، فكان لها نصيب وافر من لوحاتها مظهرة في مناظر عامة جمال بنيانها وواجهاتها الخشبية ونوافذها التي تخبِّئ خلفها قصص وحكايات أهل المدينة.
أما العادات الاجتماعية، فأفردت لها الرسامة حوالي اثنتي عشرة لوحة، وأشهر هذه اللوحات هي لوحة “العرس” وهي تصور فتاة أثناء عرسها محاطةً بالنساء داخل منزل أهلها والعريس يجلس مقابلها لا يظهر منه سوى ظهره. اللوحة ذات ألون بديعة وتمثل في موضوعها طقوس الزفاف في المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية. وهناك لوحة أخرى يظهر فيها العريس محاطا بعدة رجال يقومون بالحلاقة له ومساعدته ليجهز للعرس.
كما كان للمهن الشعبية في مدينة جدة نصيبها من لوحات صفية، فقد رسمت الأسواق الشعبية والباعة وصيادي الأسماك على الشاطئ بلباسهم الحجازي التقليدي في لوحة بديعة حيث تصورهم وهم يخرجون من البحر حاملين أسماكهم التي اصطادوها على أكتافهم، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على شغف الفنانة الراحلة بمدينتها جدة وتراثها.
ويبقى صالونها الفني الذي افتتحته عام 1995 ويحمل اسم “دارة صفية بن زقر”، شاهدا على أعمالها وحاولت من خلاله نشر الفن وتعليم فن الرسم للأجيال الشابة والصغار في مدينة جدة.
وقد نعى وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، الفنانة التي ولدت عام 1940 وكتب معلقا “تعازينا للثقافة برحيل صفية بن زقر، كما نعاها الفنانون والمثقفون السعوديون.