قصة إسلام الصحابي عمر بن الخطاب
عمر بن الخطّاب هو الصحابيّ الجليل عمر بن الخطّاب بن نُفيل القُرشيّ العدويّ -رضي الله عنه-، المُكنّى بأبي حفص، ووالدته هي: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة المخزوميّة، وورد في إحدى الروايات أنّها أخت أبي جهل حنتمة بنت هشام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عمر -رضي الله عنه- لُقّب بالفاروق؛ لأنّ الله فرّق به بين الحقّ والباطل، وذُكر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو مَن أطلق عليه ذلك اللقب. كما لُقّب -رضي الله عنه- بأمير المؤمنين، وسبب ذلك أنّه كان يُقال له خليفة رسول الله، فرأى المسلمون أنّ الاسم سيطول لمَن يأتي بعده، حيث سيكون خليفة رسول الله، فأجمعوا على لقب أمير المؤمنين لعمر بن الخطّاب، ولمَن يأتي للخلافة من بعده.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
شخصيّة عمر بن الخطّاب وخلافته
امتلك عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- سماتٍ شخصيّةٍ أهلّته لأن يكون من الرِّجال الذين كان لهم دور في رسم خطوط التاريخ؛ فقد كان صاحب إرادةٍ، وذو شخصيّةٍ قويةٍ، عازمٌ وحازمٌ، وله هَيبةٌ بين الناس، ولديه من العلم ورجاحة العقل وحُسْن التصرّف ما جعله في الجاهليّة سفيراً لقريش، حيث كان من القلائل الذين يعرفون القراءة والكتابة. كما عُرف عنه الجديّة، وقلّة الضحك، وجَهوريّة الصوت، وتميّز -رضي الله عنه- بالمسؤولية، والفراسة، والعَدْل،وكان إسلامه في السنة الخامسة من البعثة عزّةً ونَصرٌ للدِّين، وعشر سنواتٍ من الخلافة مليئةً بالرّحمة والعَدْل والفتوحات، حيث تولّاها سنة ثلاث عشرة من الهجرة، بعد وفاة أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- الذي عهد له بها، وذلك حرصاً على وحدة المسلمين، وإغلاق أبواب الخلاف بينهم.كما شَهِد أبو بكر الصّديق والصحابة -رضي الله عنهم- له بالشدّة بلا عنفٍ، واللين بلا ضعفٍ، وبالقدرة على تحمّل مسؤوليات الخلافة.
قصة إسلام عمر بن الخطاب وهجرته
أسلم عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في السنة السادسة من البعثة، وكان عُمره سبعةً وعشرين سنة، وقد كان إسلامهُ بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ من مراحل الدعوة، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن إسلامه: “ما زلنا أعزّة منذ أسلم عُمر”، وكان السببُ في إسلامه دعوةُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بأن يُعَزّ الإسلام بأحبِّ الرجُلين إلى الله -عزّ وجل-؛ عمر بن الخطاب أو أبو جهل، فكان عُمر -رضي الله عنه-، وأمّا بالنسبةِ لِهجرتهِ فقد كان الوحيد الذي هاجر علناً بعد أن أخذ سيفه وقوسه وسِهامه، ثمَّ ذهب إلى الكعبة، وطاف بها سبعاً، وصلّى ركعتين عند المقام، ثُمّ قال للمُشركين: “شاهت الوجوه”، وهدَّدهم إن تَبِعوه، وقال قَلته الشهيرة: “ها أنا أخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي، فليلقني في بطن هذا الوادي”، فلم يستطع أحدٌ أن يمنعه ويتبعه.
وقد هيّأَ الله -تعالى- لهُ أسباب الهداية، فكان ذات يوم جالساً عند الكعبة والقوم يتشاورون فيمن يقتل محمداً الذي فرّق جمعهم، فتوشّح بسيفه، وذهب لِيجدَ محمداً، فذكروا له أنّه عند جبل الصفا في دار الأرقم، فلَقيهُ رَجُلٌ وأخبرهُ بإسلامِ أُختهِ وزوجِها، فغضب لهذا الأمر، ومضى إليهما وكانا يقرآن القُرآن، فلمّا دخل عليهما سألهما إن كانا قد أسلما، وضرب زوجها، وجلس على صدره، فجاءت تدفعه عنه، فضربها على وجهها، فأخبرته بإسلامها مع زوجها، فرقّ قلبه بعد، وأراد أن يقرأ في الصحيفة، فرفضت أُخته حتى يتطهّر، فتطهّر وقرأ منها بداياتِ سورةِ طه، فنزل القُرآن في قلبه، وطلب منهم أن يدلّوه على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا وصل سأل عمر -رضي الله عنه- عن مكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ليُعلن إسلامه، فجاء إليه وضرب الباب، فلم يتجرأ أحدٌ من الصحابة الكرام فتح الباب له، لِما علموا من قوّته وبطشه.
فقام إليه حمزة -رضي الله عنه- وأدخله إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وسأله عن سبب مجيئه، فشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، فكبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضوان الله عليهم- فرحاً بهذا الخبر، ثُمّ بدأ بالدعوة بكلِّ ما أوتِيَ من قوّة، وكان حريصاً على إظهار وإشهار إسلامه، فذهب وصلّى عند الكعبة ومعه جمعٌ من المُسلمين، ثُمّ أُشيع خبرُ إسلامهِ بين المُشركين، فلم يجرؤ أحدٌ منهم بالرّدِّ عليه، فكان لإسلامهِ الأثر الكبير في عِزَّة الإسلامِ والمُسلمين، وكان إسلامهُ بعد إسلام حمزة -رضي الله عنه- بثلاثةِ أيام، حيث كان عددُ المُسلمين تِسعةً وثلاثين، فقال عن نفسه: “فكمّلتهم أربعين”، وأمّا هِجرتُهُ فكانت علناً، وقدِم المدينة قَبل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ولَحقهُ عددٌ من الصحابة الكرام بلغ عددهم قُرابة العشرين، وبقي يُدافعُ عن الإسلام وأهله، ولا يخشى أحداً.
قصة جهاد عمر مع النبيّ
أجمعُ العُلماء على مُشاركة عُمر -رضي الله عنه- في جميع الغزوات والمعارك مع النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولم يتخلّف عن أيٍّ منها، فقد شارك في غزوة بدر، وشاورهُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في قتال المُشركين، فتكلّم وأحسن، ودعا إلى قتالهم، كما كان له الأثر الكبير في إسلامِ العباس عندما وجده بين الأسرى، وقال له إنّ إسلامَ عمِّ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أحبَُ إليه من إسلام الخطاب، لِشدّة حبّه للنبي، ولمّا جاء عُميرُ بن وهب لِرؤية أخيه في الأسرى، أخذها حُجّةً لِقتل النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فحذّر عُمر -رضي الله عنه- الصحابة الكرام منه وذلك لفراسته، وكان صادقاً في ذلك، فحموا النبيّ ووضع عمر أشخاصاً لحراسته.
أمّا في غزوةِ أُحد فكان موقفهُ واضحاً وجريئاً في الردِّ على أبي سُفيان، وفي غزوة بني المصطلق لمّا وصل إليه قول عبد الله بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين بوصفه للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بالذليل، أستأذن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- في قتلهِ. أمّا في غزوة الخندق، فقد سَبَّ قُريشاً لأنّها ألْهَتهم عن أداء صلاة العصر، وفي صُلح الحُديبية كان أوّلَ من دَعاهُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- للذهاب إلى قُريش ومُشاورتهم، وقد أبدى المعارضة على الصُلح في البداية لِما فيه من إجحافٍ بالمُسلمين في ظاهره، ثم شرح الله صدره للصلح وعرف الحِكمة من ذلك.
وفي السنة السابعة من الهِجرة بعثهُ النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ومعه ثلاثون رَجُلاً لمحاربة هوازن، فلمّا أتى هوازن الخبر هربوا، ولم يَلقَ عمر ومن معه أحداً منهم، مما يُؤكد على ثقة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- به، وقُدرتهِ -رضي الله عنه- على القيادة، وأمّا موقفه في غزوة خيبر فقد أعطاه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- اللّواء في البداية، وفي فتح مكة جاءت قُريش بأبي سفيان ليشفع لهم عند النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فردَّ عليه عمر -رضي الله عنه-: “والله، لو لم أجد إلا الذّر لجاهدتكم به”، أمّا في غزوة حُنين فقد كان ممن ثبت مع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بعد ذهاب الناس عنه، وفي غزوةِ تبوك تبرّع بنصف ماله، ودعا له النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- بالبركة.