البيت والأسرةتربية وقضايا

ما السن المناسب لحصول طفلك على هاتف محمول

تُظهر الدراسات المتزايدة أن تأثير الهواتف الذكية على الأطفال يتطلب انتباهاً خاصاً من الآباء والمربين. تشير تقارير تعليمية في المملكة المتحدة إلى أن العديد من الأطفال، دون سن الـ 18، تشهدهم مواد إباحية خطيرة عبر الإنترنت، مما أدى لزيادة الجرائم الجنسية المرتبطة بالأطفال بنسبة 400% منذ 2013. في ضوء هذه المخاطر، اتجهت بعض المدارس نحو حظر استخدام الهواتف خلال ساعات الدراسة، بهدف تعزيز تركيز الطلاب على التعلم.

الآباء يواجهون تحديات كبيرة في تربية أطفالهم وسط هذا الانفجار التكنولوجي. بينما يشعر البعض بالقلق من تأثير الأجهزة الذكية على سلوك أبنائهم، يرى آخرون ضرورة في توفير الوصول للتكنولوجيا، لضمان عدم تركهم في جهل. مثلاً، تعاني آمنة، أم لطفلين، من تأثير الهواتف على سلوك ابنتها التي أصبحت عدوانية في المدرسة، مما دفعها إلى قطع الاتصال بالأجهزة الإلكترونية لفترة قصيرة.

في المقابل، تعتقد فيونا سكوت، المتخصصة في محو الأمية الرقمية، أن تقنيات الهواتف يمكن أن تدعم تعلم الأطفال، وينبغي التركيز على تعليمهم كيفية استخدامها بشكل صحيح بدلاً من حظرها كلياً. توافقها رشا شعبان، الأستاذة الجامعية، حيث تشدد على أهمية فتح حوار وثيق مع الأبناء حول المحتوى الذي يتعرضون له، ومراقبتهم دون الإضرار بعلاقتهم مع التكنولوجيا.

تتزايد الحملات الداعية إلى استراتيجيات لتحسين الاستخدام الآمن للتكنولوجيا، مع دعوات لتشديد القوانين لحماية الأطفال من الأضرار المحتملة في عالم الإنترنت.

“اقطع الاتصال لإعادة التواصل”
حدثتني آمنة يوسف، وهي أم لطفلين وتعيش في لندن، عن معاناتها مع تأثير الهواتف الذكية على سلوك طفليها، وأخبرتني أنها تعيش تحديات كبيرة وتشعر بالحرج الشديد وقلة الحيلة بسبب سلوك ابنتها، البالغة من العمر 9 سنوات، مع مدرسيها وزملائها في المدرسة.

“في كل مرة تخبرني فيها معلماتها عن سلوكها المسيء للأطفال الآخرين والمدرسين، أشعر وكأنهم يشيرون إلي بأصابع الاتهام قائلين إنني لم أربها تربية حسنة أو أنا من أفسدت سلوكها”.

وتقول آمنة إنها تربي ابنتها بطريقة عصرية كما تصف، و”تتشاور مع معلمات ابنتها، وتدرس سلوكها وتتبع النصائح المقدمة لها من قبل المختصين في الرعاية الاجتماعية، فتعاقبها حيناً عن طريق حرمانها من بعض الأشياء المحببة لديها، مثل مشاهدة التلفاز، أو تكافئها حيناً آخر إذا أبلت بلاء حسناً”.

بعد تلقيها عشرات الشكاوى بشأن سلوك ابنتها العنيف، قررت آمنة سحب الأجهزة الإلكترونية وقطع اتصال ابنتها بالمواقع كلها وخاصة يوتيوب.

وتقول: “عملت بقاعدة اقطع الاتصال لإعادة التواصل”، وبهذا أبعدتها عن الأجهزة الإلكترونية واستبدلتها بنشاطات أخرى تتواصل من خلالها مع أطفال حقيقيين تلعب معهم وتتحرك بدلاً من الجلوس طويلاً أمام الشاشة، ولم تعد تشاهد صناع المحتوى والشتائم التي يستخدمونها ولا السلوك السيء التي اعتادت على تقليدهم فيها.

“لقد سجلتها في نادٍ للسباحة لممارسة الرياضة إلى جانب دروس الموسيقى، وباتت تقضي وقتاً أطول في قراءة القصص وكمكافأة لها، أسمح لها بممارسة لغة البرمجة المخصصة للأطفال (الكودينغ) على جهاز التابليت (الكمبيوتر اللوحي المحمول) لمدة لا تزيد عن ساعتين، لكن سلوكها السيء لا يزال حاضراً في كثير من المواقف، ربما يتطلب تعديل سلوكها وقتاً أطول”.

آمنة، واحدة من أمهات كثيرات لديهن اهتمام بطرق تربية سليمة، لكن، بالمقابل، هناك عدد من الآباء الذين تحدثت إليهم عن عدد الساعات التي يقضي أطفالهم أمام شاشات الهواتف الذكية، لا يعون تماماً مخاطر الهواتف الذكية ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي على أبنائهم.

وتقول سارة علي (37 عاماً) وهي عراقية تعيش في السعودية، إنها لا تراقب هواتف ابنيها اللذين يبلغان من العمر 15 و 16 عاماً، بل وأيضا طفليها اللذين يبلغان من العمر 6 و 3 سنوات.

وقالت سارة إنها عاقبته عن طريق حرمانه من الهاتف لفترة وجيزة ولم تعِد إليه الهاتف إلا بعد أن اعترف بذنبه واعتذر لوالدته بحسب قولها.

“المشكلة أننا لا نستطيع فصل أبنائنا عن التكنولوجيا، إنها إحدى ضرورات العصر، لا أريدهم أن يكونوا أميين تكنولوجياً، لأنه في وقتنا الحالي، حتى الأطفال الأصغر سناً، لديهم معرفة ودراية بتطبيقات الهواتف الذكية واستخداماتها”.

وتنحي آمنة يوسف باللائمة على الجهات المسؤولة التي “لا تفرض قيوداً وضوابط كافية” على صناع المحتوى الموجه للأطفال، قائلة: “كنت أحسب أن مقاطع الفيديو الموجهة للأطفال غير ضارة، لكن ابنتي تعلمت الألفاظ والشتائم من هؤلاء وحتى العنف الذي ترتكبه بين الحين والآخر بحق أصدقائها في المدرسة تعلمته من يوتيوب، لو كنت أعلم أن مشاهدة يوتيوب ستفسد سلوكها لما سمحت لها بمشاهدة هذه المواقع من البداية”.

لكن فيونا سكوت لها رأي آخر وتقول: “تحمل التقنيات الرقمية إمكانات تعليمية هائلة للأطفال، ولا ينبغي اعتبار اتصال الأطفال بالهواتف الذكية أمراً سيئاً، بل يمكنها دعمهم في مهارات القراءة والكتابة الرقمية لدى الأطفال بقوة من خلال المشاركة في مشاريع صناعة الأفلام وتحريرها على سبيل المثال لا الحصر”.

ومن المفترض أن يلعب قانون السلامة على الإنترنت لعام 2023 دوراً في الحفاظ على سلامة الأطفال من الأضرار التي قد تلحق بهم من استخدامهم للانترنت، لكن تنفيذ القانون لن يكتمل إلا بحلول عام 2026.

وتقول فيونا سكوت: “ثمة حاجة إلى التنظيم ومحاولة منع الأطفال من الوصول إلى المحتوى الإباحي العنيف، لكن، قد لا يكون من الممكن دائماً منع التعرض له، لذلك، هناك حاجة لمزيد من النقاشات النقدية حول هذا النوع من المحتوى الذي يجب وضعه في المقدمة في المدارس وفي وسائل الإعلام الرئيسية وداخل العائلات”.

وتقول رشا شعبان، وهي أستاذة بقسم الفلسفة وعلم الاجتماع في في كلية الآداب بجامعة دمشق لبي بي سي عربي: “من الضروري إجراء حوار واع مع الأبناء حول الموضوعات التي يتابعونها و تبيان مخاطر أو سلبيات بعض الموضوعات و تحديد معايير و شروط التفاعل مع الآخر عبر الشاشة. كما أنه من المفيد مراقبة الأبناء وعدم تركهم أحراراً بشكل مطلق و فردي، لكن بدون أن نشعرهم بعدم الثقة والتدخل المباشر”.

وتضيف: “يجب عدم ترك الأبناء في علاقة جانبية مغلقة بينهم وبين أجهزتهم الإلكترونية في عالم آخر، وتنبيههم بشأن المحتوى الذي يحمل طابع العنف والسلبية، ومن ثم مشاركتهم في اتخاذ قرار حظر محتوى كهذا مع تشجيعهم وتوجيههم نحو أنشطة جماعية متنوعة مع الأصدقاء والأقران من شأنها تنمية الذكاء الاجتماعي والعاطفي باستثمار قدراتهم في المكان المناسب”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى