بيير بايارد يدفع الكتب لتغيير مؤلفيها
“بايارد” في كتابه الجديد “ماذا لو غيّرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟”، الذي ترجمه محمد أحمد صبح، وصدر عن دار نينوى، لا يتحدث، كما قد يوحي العنوان عن الأثر الذي يمكن أن يتركه العمل الأدبي في نفس مؤلفه، فيغير منه، بل يجيب عن سؤال طريف كعادة أسئلة بايارد، وهو: “ماذا لو استبدلنا مؤلفاً بمؤلف آخر، قد يبدو أكثر ملاءمة للعمل الأدبي؟”.
يقر الكاتب بوجوب إحداث هذا التغيير أو التبديل للمؤلفين، ويعدد ابتداء من الصفحة الأولى تلك الأسباب الموجبة له، وأولها أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، لذا تبقى فكرة الإخلاص لهم وهمية تماما، وإذا كنا غالبا نعوض المؤلف الذي لا نعرفه بالشخص المادي الذي يختفي وراءه، فلم لا نتقدم خطوة أخرى ونستبدل به مؤلفا آخر قد يكون أكثر ملاءمة للعمل؟
وحتى لو كانت نسبة العمل الأدبي لغير مؤلفه خطأ، فلم لا يكون مثل الخطأ الذي ارتكبه كريستوفر كولومبوس فقاده إلى اكتشاف قارة جديدة كانت مجهولة. فقد يكون هذا التصرف بالمؤلفين إبداعا يفيد النصوص بإبراز معان غير منتظرة، ما كان لها أن تظهر لولا إحداث ذاك التغيير، الذي يكتسب مشروعيته من الحق في التخيل، ويعتبر هذا التغيير الذي يسوغه المؤلف وجها آخر للتغيير (أو التجويد) الذي اقترحه في كتابه الأول “كيف تستطيع تجويد الأعمال الأدبية السيئة؟”، فقد ذهب فيه إلى أن إحداث تغييرات ضرورية في النصوص بقصد تحسينها لا يعد خيانة للمؤلف، وهو هنا يتبني الموقف ذاته لكن بحق “المؤلف” لا “النص”.
يقول بيير بايارد في خاتمة كتابه «ماذا لو غيرت الأعمال الأدبية والفنية مؤلفيها؟» (ترجمة محمد أحمد صبح) إنه من المؤسف ألا يعمد النقاد في أغلب الأحيان إلى تغييرات للمؤلفين، تسمح باكتشاف الأعمال من زاوية غير معتادة، فحينما ينسب العمل إلى مؤلف جديد، يظل بالتأكيد هو نفسه مادياً، لكنه يغدو في الوقت ذاته مختلفاً، وتكون له أصداء غير منتظرة، تغني الإدراك، وتبعث على التأمل.
يمكن لنا تخيل التأثيرات الإيجابية التي قد تنتج من توسيع هذه الممارسة في التعليم، حيث تسمح بعد أن يألفها الطلاب، بإعادة النظر في الأعمال الكلاسيكية الكبرى، وفي ميدان البحث العلمي، عندما تعمل على «الغريب» لكافكا و«ذهب مع الريح» لتولستوي، وسيكون من الممكن أخيراً دراسة «البحث عن الزمن الضائع» لهنري جيمس أو «الأخوة كارامازوف» لنيتشه.
يقول بايارد: «يمكن للتعديلات التي يقترحها كتابي أن تكون شديدة التنوع، ولا تمثل الحالات المدروسة إلا جزءاً بسيطاً من الإمكانات المعروضة للإبداع، ما أن يتجاوز هذا المحظور الضمني، الذي طالما أضر بالدراسات الأدبية والفنية، المتمثل في عدم تغيير المؤلف، إذ قد يكون من تأثيرها كما في حالة «الغريب» لكافكا أن تبرز إشكالية ما مرتبطة بالعمل، قد تكون موجودة بالتأكيد في العمل من قبل، لكنها تتخذ قوة أكبر بفضل المساعدة التي يقدمها مؤلف آخر، تكون لديه هذه الإشكالية أكثر وضوحاً».
نظرة نسبية
إن بناء هؤلاء المؤلفين الخياليين قد يسمح من جهة أخرى بالتفكير أثناء اختبار المتغيرات بدقة بالكيفية التي استقبلت بها هذه الأعمال على مر العصور والبلدان أي الدراسة بنظرة نسبية لكيفية بناء عالم تلق مختلف تبعاً للهوية المنسوبة للمؤلف، وهناك أيضاً الطريقة التي يتلقى بها كل قارئ الأعمال طبقاً لحساسيته الخاصة، لأنه إذا ما كان المؤلف الخيالي يحتفظ بملامح عصر ما أو مكان ما فإنه يحمل في نفسه السمات الشخصية لكل قارئ، هذا القارئ الذي يخلق صورة للآخر هي صورته سواء كانت مباشرة أم مقلوبة، ومن هنا فإن عادة تغيير المؤلف تدفع إلى التفكير في حضورنا الذاتي ضمن الأعمال التي نلتقيها.
سبق للمؤلف أن أصدر كتاب: «كيف نحسن الأعمال الأدبية الفاشلة؟»، حاول فيه تبيان أنه من الممكن من دون خيانة للمؤلفين تغيير بعض من نصوصهم التي لا تبدو منسجمة مع المستوى العام لمؤلفاتهم.
يتعرض المؤلف للتغييرات الجزئية التي من الممكن إجراؤها على الكتاب، تغييرات قاموا بها هم أنفسهم إرادياً أحياناً، بالتصرف في المكونات المختلفة لهوياتهم، سعياً إلى إعطاء شخصياتهم وأعمالهم مزيداً من الدينامية، كما يعرض التغييرات الأكثر عمقاً التي يرغب في فرضها على الكتاب، ويبحث المؤلف نتائج هذه المقترحات على فروع أخرى للمعرفة كالفلسفة والتحليل النفسي والسينما والتصوير أو الموسيقى.
بيير بايارد ولد في عام 1954 وهو أستاذ للأدب الفرنسي في جامعة باريس 8 ومحلل نفسي ألف العديد من البحوث ومنها «كيف تتحدث عن كتاب لم تقرأه؟» الذي ترجم إلى أكثر من 25 لغة حيث يعدُّ من أكثر الكتب مبيعا في فرنسا.