الفنون والإعلامفن و ثقافة

فيلم ‘فاس صيف 55’ يفتح أفقا جديدا للتوثيق والتأريخ

يحكي فيلم “55 خمسة وخمسين” للمخرج المغربي عبدالحي العراقي قصة “كمال” ùtg في سن 11، وابن أحد مهنيي الصناعة التقليدية البسطاء بالمدينة القديمة بفاس، الذي يعيش الأشهر الأخيرة للبلاد تحت الحماية الفرنسية، حيث يقع في حب جارته “عائشة” البالغة من العمر 18 عاما المنخرطة في النضال جنبا إلى جنب مع رفاقها من الطلبة من جامعة القرويين، لينخرط “كمال” بدوره في الكفاح من أجل الاستقلال وعودة السلطان محمد بن يوسف.

الفيلم من بطولة كل من أميمة بريد، محمد عاطف، أيمن دريوي، منية لمكيمل، محمد نعيمان، ماجدة بنكيران، نبيل عتيف، وطارق بخاري.

ويعرض السيناريو مدينة فاس في صيف 1955 كرمز للعاصمة الروحية للمملكة المغربية التي تعيش تحت سماء صافية، وهذا الوصف السلمي يخفي حقيقة أن المغرب في حالة غليان بسبب تصاعد الصراع ضد الاستعمار، إذ تبرز الأحداث كيف أن نفي السلطان محمد الخامس في أغسطس/ آب 1953، يشعل نار المقاومة ويدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من النضال، حيث يطرح العمل هذه اللحظة الحاسمة التي يتجاوز فيها المغاربة حالة الصبر ويبدؤون في التحرك بنشاط لمواجهة السلطات الاستعمارية.

ويبرز تكوين اللقطات رمزية مشهد تنظيف المرأة لبيتها كإشارة إلى ضرورة تنظيف البلاد من الاستعمار والخونة، حيث يرمز هذا الفعل اليومي للمرأة المغربية إلى الرغبة العميقة في التخلص من قوى الاحتلال التي تثقل كاهل البلاد، كما تبين المشاهد كيف أن الأمور اليومية البسيطة تحمل معانٍ أعمق متعلقة بالمقاومة والتغيير، ويضفي على القصة لمسة واقعية تمثل دور النساء في النضال الوطني، إذ تضع المشاهد الطفل في مكانة رمزية تعبر عن الأمل في الاستقلال، حيث يشير إلى براءة الطفولة ونقاء البلاد ويعكس وصوله إلى المشهد وعدا بمستقبل أفضل من خلال حركاته ونظراته، ويساهم الطفل في تكوين بنية السرد ويخلق نوعا من التواصل البصري بين القصة والجمهور، إذ تمثل هذه البراءة بداية جديدة، حيث تفتح آفاق الأمل في مستقبل حر ومستقل.

ويوضح تتابع الأحداث كيف أن الشعب المغربي بكل تنوعه هو البطل الحقيقي في القصة، ولا تلتزم الأحداث بنمط البطولات الفردية أو الشخصيات الخارقة، بل يبرز كيف أن المقاومة كانت حركة جماعية تشمل النساء والأطفال والفئات المهمشة، وبهذا الشكل يرسخ موضوع الفيلم فكرة مفادها أن النضال الشعبي هو العامل الأساسي في تحرير البلاد من الاستعمار، وأن الفئات الأكثر تهميشا هي التي كانت في طليعة الحركة الوطنية.

وتبين متتاليات المشاهد البعد البصري من خلال تصوير الشخصية الرئيسية “زهرة” في بيئة طبيعية مفعمة بالجمال، إذ تبدأ “زهرة” القصة برأس منخفض لكنها تنهيها ورأسها مرفوع كإشارة إلى نهوضها ودورها في النضال من خلال نظرتها وجمالها الطبيعي، وهذا التغيير في وضعية الشخصية يبرز تحولها من امرأة عادية إلى رمزية للنضال والمقاومة، كما تتميز الحبكة الدرامية بالتناغم بين مشاهد الحميمية داخل البيوت وبين مشاهد التوتر في الشوارع، لتعكس التناقض بين الحياة اليومية للمغاربة وصراعهم السياسي، ويساهم هذا التباين في تعزيز تعقيدات السرد وإبراز واقع الحياة تحت الاحتلال، كما يقدم مشاهد تشدد على الرمزية والتوتر الداخلي الذي يعيشه الشعب.

ويساهم الطفل “كمال” في كسر التسلسل الزمني الاعتيادي للسرد، حيث يقدم مستوى جديدا من التأمل والتطلع نحو المستقبل، حيث يرمز “كمال” إلى الأمل في الخروج من حالة الانغلاق التي يعيشها الشعب المغربي، ويقدم انتقالا من الشارع إلى الشرفة كدلالة على الانفتاح والتحرر، إذ يضمن هذا التحول من خلال نظرته وتفاعله مع الشخصيات الأخرى، ما يضفي بعدا رمزيا على مشهد المقاومة، بينما يختتم الفيلم بمشهد الطفل “كمال” وهو ينظر إلى الكاميرا، ما يشكل دعوة للجمهور لليقظة والاستمرار في المقاومة، حيث يعتبر هذا المشهد بمثابة دعوة للتحلي بالوعي والاستعداد لمواصلة النضال من أجل الاستقلال والحرية، وبهذه الطريقة يبرز الفيلم أهمية المقاومة ليس فقط في الماضي، بل أيضا كجزء من المستقبل المستمر.

وتحتاج السينما المغربية إلى مثل هذه الأفلام لتوثيق تاريخها، إذ تعكس مثل هذه المواضيع التاريخية واقع الصراعات الوطنية وتسلط الضوء على الجهود البطولية للشعب المغربي في مواجهة الاستعمار، كما تساهم في تعزيز الهوية الوطنية وفهم التراث الثقافي، كما تساعد في نشر الوعي حول تاريخ المغرب الحافل بالمقاومة والتحديات، ومن خلال توثيق الأحداث التاريخية والتعبير عنها بطرق فنية، إذ تعزز السينما المغربية قدرتها على سرد قصصها الوطنية بواقعية وجاذبية وهذا ما يجعلها أداة قوية للتعليم والتاريخ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى