11المميز لديناتاريخ ومعــالم

عمر بن الخطاب الفاروق العادل

إِنَّ من أهداف الحكم الإِسلاميِّ الحرص على إِقامة قواعد النِّظام الإِسلاميِّ الَّتي تساهم في إِقامة المجتمع المسلم، ومن أهمِّ هذه القواعد العدلُ، والمساواة، ففي خطاب الفاروق للأمَّة أقرَّ هذه المبادئ، فعدالته، ومساواته تظهر في نصِّ خطابه الَّذي ألقاه على الأمَّة يوم تولِّيه منصب الخلافة؛ ولا شكَّ: أنَّ العدل في فكر الفاروق هو عدل الإِسلام؛ الذي هو الدِّعامة الرَّئيسية في إِقامة المجتمع الإِسلاميِّ، والحكم الإِسلاميِّ، فلا وجود للإِسلام في مجتمعٍ يسوده الظُّلم، ولا يعرف العدل.

عمر بن الخطاب كان من أعظم الشخصيات في تاريخ الإسلام والعالم العربي لما تجلى في شخصيته بمفهوم العدل بشكل أصبح واضحا في حكمه ولهذا سمي بالفاروق الذي يعني ((المميز بين الحق والباطل)) وأن الذي سماه بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، ذكر ابن سعد أن عائشة رضي الله عنها سئلت من سمى عمر بالفاروق فقالت النبي صلى الله عليه وسلم في فترة حكمه كخليفة ثانٍ للمسلمين في 23 أغسطس سنه 634م وكان الفاروق قاضيا خبيرا واشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم وقد برزت مبادئ العدل والإنصاف بشكل واضح في سياسته وأفعاله من خلال:
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

– المساواة أمام القانون: عمر بن الخطاب أسس نظاما قضائيا ينص على أن الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن أصولهم أو مكانتهم الاجتماعيه.

– تعزيز العدالة الاجتماعية: قام بتوزيع الثروة بين الفقراء والمحتاجين من خلال مفهوم الزكاة والصدقات. كان يهتم بتلبية احتياجات المجتمع وضمان عدم ترك أحد محتاجا.

– تعزيز حقوق المرأة: حفظ حقوق النساء ومعاملتهن بالعدل والإنصاف وضمان حقوقهن في الزواج والطلاق والميراث.

– القضاء بالحق وحده: اشتهر بقراراته الصارمة حينما قضى بالحق دون الالتفات للشخصيات أو العلاقات.

– تحسين إدارة الدولة: قام بتطبيق إصلاحات إدارية مثل إنشاء دوائر حكومية لتسيير الشؤون المدنية والعسكرية بشكل مؤسسي.

– مراعاة حقوق الأقليات: كان يعتني بحقوق غير المسلمين الذين عاشوا في دولة الإسلام وكان يحث على معاملتهم بالعدل واللين.

ولقد كان الفاروق قدوةً في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوةٌ عمليَّةٌ للإِسلام، به تفتح قلوب النَّاس للإِيمان، وقد سار على ذات نهج الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، فكانت سياسته تقوم على العدل الشَّامل بين النَّاس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتَّطبيق نجاحاً منقطع النَّظير، لا تكاد تصدِّقه العقول، حتَّى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصَّعب جدّاً على كلِّ مَنْ عرف شيئاً يسيراً من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين، وقد ساعده على تحقيق ذلك النَّجاح الكبير عدَّةُ أسبابٍ ومجموعةٌ من العوامل. وهذه بعض مواقفه في إِقامته للعدل، والقسط بين النَّاس:

وجاء رجلٌ من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قائلاً: يا أمير المؤمنين! عائذٌ بك من الظُّلم. قال: عذت معاذًا. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص، فسبقته، فجعل يضربني بالسَّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إِلى عمرٍو ـ رضي الله عنهما ـ يأمره بالقدوم، ويقدم بابنه معه. فقدم عمرٌو، فقال عمر: أين المصريُّ؟ خذ السَّوط، فاضرب. فجعل يضربه بالسَّوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين؟ قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه، ونحن نحبُّ ضربه، فما رفع عنه حتَّى تمنَّينا أن يرفع عنه، ثمَّ قال عمر للمصريِّ: اصنع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين! إِنَّما ابنه الَّذي ضربني، وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرٍو: مذ كم تعبَّدتم النَّاس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين! لم أعلم، ولم يأتني!

إِنَّ النَّاس جميعاً في نظر الإِسلام سواسيةٌ، الحاكم والمحكوم، الرِّجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، فلقد ألغى الإِسلام الفوارق بين النَّاس بسبب الجنس، واللَّون، أو النَّسب، أو الطَّبقة، والحكام والمحكومون كلُّهم في نظر الشَّرع سواءٌ، وجاءت ممارسة الفاروق لهذا المبدأ خير شاهدٍ، وهذه بعض المواقف الَّتي جسَّدت مبدأ المساواة في دولته:

فعن ابن عباسٍ: أنَّه قال: قدم عمر بن الخطَّاب حاجّاً، فصنع له صفوان بن أميَّة طعاماً، فجاؤوا بجفنةٍ يحملها أربعةٌ، فوضعت بين يدي القوم يأكلون، وقام الخدَّام، فقال عمر: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين! ولكنَّا نستأثر عليهم، فغضب عمر غضباً شديداً، ثمَّ قال: ما لقوم يستأثرون على خدَّامهم، فعل الله بهم وفعل! ثمَّ قال للخدَّام: اجلسوا، فكلوا، فقعد الخدَّام يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين.

وكذلك فإِنَّ عمر ـ رضي الله عنه ـ لم يأكل من الطَّعام ما لا يتيسَّر لجميع المسلمين، فقد كان يصوم الدَّهر، فكان زمن الرَّمادة إِذا أمسى أتي بخبز قد ثرد بالزَّيت، إِلى أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً، فأطعمها الناس، وغرفوا له طيِّبها، فأتي به فإِذا قديدٌ من سنامٍ، ومن كبدٍ، فقال: أنَّى هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين! من الجزور التي نحرناها اليوم. فقال: بخٍ بخٍ، بئس الوالي أنا إِنْ أكلت طيِّبها، وأطعمت الناس كرادسها، ارفع هذه الجفنة، هات غير هذا الطَّعام، فأتي بخبزٍ وزيتٍ، فجعل يكسر بيده، ويثرد ذلك الخبز.

ولم يكن عمر ليطبِّق مبدأ المساواة في المدينة وحدها، من غير أن يعلِّمه لعمَّاله في الأقاليم، حتَّى في مسائل الطَّعام، والشَّراب. فعندما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان؛ أتي بالخبيص، فلمَّا أكله وجد شيئاً حلواً طيِّباً، فقال: والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا، فجعل له سفطين عظيمين، ثمَّ حملهما على بعيرٍ مع رجلين، فسرح بهما إِلى عمر. فلمَّا قدما عليه؛ فتحهما، فقال: أيُّ شيءٍ هذا؟ قالوا: خبيص. فذاقه، فإِذا هو شيءٌ حلوٌ. فقال: أكلُّ المسلمين يشبع من هذا في رحله؟ قال: لا. قال: أمَّا لا؛ فارددهما. ثمَّ كتب إِليه: أمَّا بعد: فإِنَّه ليس من كدِّ أبيك، ولا من كدِّ أمِّك. أَشْبِعِ المسلمين ممَّا تشبع منه في رحلك.

ومن صور تطبيق المساواة بين النَّاس ما قام به عمر عندما جاءه مالٌ، فجعل يقسمه بين النَّاس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم النَّاس، حتَّى خلص إِليه، فعلاه بالدِّرَّة، وقال: إِنَّك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببتُ أن أعلمك أنَّ سلطان الله لن يهابك. فإِذا عرفنا: أنَّ سعداً كان أحد العشرة المبشِّرين بالجنَّة، وأنَّه فاتح العراق، ومدائن كسرى، وأحد السِّتَّة، الَّذين عيَّنهم للشُّورى؛ لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مات، وهو راضٍ عنهم، وأنَّه كان يقال له: فارس الإِسلام… عرفنا مبلغ التزام عمر بتطبيق المساواة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى