الفنون والإعلامفن و ثقافة

“فندق السلام”.. سينما الرعب بهوية مغربية

على هامش فعاليات المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، في دورته الرابعة والعشرين، عرض فيلم “فندق السلام” للمخرج جمال بلمجدوب والمصنف ضمن أفلام الرعب.

تدور أحداث الفيلم حول موضوع الجن وارتباطه بالثقافة المغربية، إذ يحكي قصة أشخاص غلب عليهم الطمع والجشع ليجدوا ذات يوم أنفسهم في مواجهة مع الجن حارس الكنز الذي استخرجوه من باطن الأرض، وهذا ما سيعرض أغلبهم للمس وللعنة تحولهم من أصدقاء إلى أعداء.

الفيلم من سيناريو جمال بلمجدوب وبطولة كل من الممثل القدير محمد الشوبي وسلوى زرهان وسامي الفكاك وبن عيسى الجيراري وعزيز بوزاوي.

وجمال بلمجدوب مخرج مغربي وكاتب سيناريو وناقد سينمائي، حصل على بكالوريوس الاقتصاد في مدينة ليل الفرنسية ثم درس السينما وعمل مساعد مخرج في العديد من الأفلام منها “الطفولة المغتصبة”، ومن أفلامه “ياقوت، الحلم المغربي”، كما أخرج مسلسل “خلخال الباتول”، وقام بتدريس مادة السيناريو في المدرسة العليا للإخراج السمعي والبصري بالدار البيضاء.

يقدم “فندق السلام” استكشافا عميقا للصراعات الداخلية التي تواجهها الشخصيات، وكيف تتحول مجموعة من الأصدقاء إلى أعداء وهذا التوجه يبرز الجانب المظلم من النفس البشرية، حيث يتجلى الطمع كقوة دافعة تؤدي إلى انهيار العلاقات.

وتعكس الشخصيات تنوعا نفسيا، ما يسمح للمتلقي بالتعاطف معها في بعض اللحظات، بينما يستشعر الفزع من تصرفاتها في لحظات أخرى، كما أن التحول من الصداقة إلى العداوة يعكس حقيقة مؤلمة عن الطبيعة البشرية، حيث يمكن أن تقود الأزمات إلى التفكك الاجتماعي، وهذا الانهيار العاطفي يعكس قلقا وجوديا ما يضفي عمقا نفسيا على الحبكة الدرامية للفيلم.

وتعتبر استجابة المتلقي لفيلم “فندق السلام” عنصرا مهما لفهم تأثيره، فالجمهور المغربي الذي قد يكون أقل تعرضا لأفلام الرعب، يظهر استجابة متباينة. وتثير مشاهد الرعب القوية في الفيلم مشاعر الخوف والقلق ويمكن التفاعل مع هذه المشاعر أن يؤدي إلى حوار داخلي حول القيم الإنسانية والأخلاقية التي تعكسها الشخصيات.

وينطلق الفيلم من الثقافة المغربية، خاصة من خلال استحضار موضوع الجن الذي يرتبط بمعتقدات شعبية عميقة، وهذا البعد الثقافي يجعله أكثر ارتباطا بالجمهور، حيث يستحضر الخرافات والتقاليد المحلية.

كما أن تفاعل الفيلم مع هذه العناصر الثقافية يمنحه مصداقية ويجعله تجربة فريدة في السينما المغربية، بينما استخدام الجن كعنصر محوري يفتح المجال لاستكشاف موضوعات الهوية.

ويعتبر إنتاج فيلم رعب في السياق المغربي تحديا كبيرا، نظرا لعدم توفر تقنيات متقدمة وللإمكانيات المحدودة في هذا النوع من السينما، ومع ذلك تمكنت شركة “جاكارندا برودكشن” من تقديم عمل بمستوى احترافي، حيث تم استخدام تقنيات متطورة في الماكياج السينمائي والديكور.

وتتطلب التكاليف المرتبطة بإنتاج فيلم رعب استثمارات كبيرة، كما أن العمل في مواقع غير تقليدية مثل الفنادق المهجورة يزيد من تعقيد العملية الإنتاجية، لكن الاستجابة الإيجابية من الجمهور والنقاد تدل على أن الجهد المبذول قد أثمر نتائج ملموسة.

ويمثل فيلم “فندق السلام” خطوة مهمة نحو تطوير السينما المغربية، حيث يجمع بين الرعب النفسي والعمق الثقافي، ويقدم نظرة مثيرة على التحديات النفسية للأبطال، ويستكشف تأثير الطمع على العلاقات الإنسانية.

وتعتبر سلوى زرهان واحدة من أبرز الوجوه في الدراما المغربية، وقد أثبتت قدرتها على الانتقال إلى عالم السينما من خلال أدائها في فيلم “فندق السلام”، حيث إن تواجدها في هذا العمل يمثل تحديا جديدا تجسد من خلاله شخصية تتعرض لصراعات نفسية عميقة، ويعكس أداؤها مزيجا من القوة والضعف، واستطاعت أن تُظهر تطور شخصيتها بشكل متقن، حيث تتحول من شخصية تعكس الضمير الإنساني إلى أخرى تتصارع مع قوى خارقة.

أما محمد الشوبي فأبرز أداؤه في “فندق السلام” موهبته الاستثنائية وهو الذي يتمتع بقدرة على تجسيد الشخصيات المعقدة، حيث تمكن من نقل مشاعر القلق والخوف بفعالية، واستطاع أداؤه القوي أن يُضفي عمقا على القصة، ما جعل لحظات الرعب أكثر تأثيرا، كما أن تفاعله مع بقية الشخصيات أظهر قدرته على بناء علاقات معقدة.

في حين قدم بنعيسى الجيراري، المعروف بأدواره المتعددة في السينما والتلفزيون المغربي، أداءً يمكن اعتباره متوسطا، فعلى السينما الرعب بهوية مغربيةرغم من خبرته، لم يتمكن الجيراري من تجسيد الشخصية بشكل يتناسب مع مستوى التوتر والدراما الذي يحمله الفيلم، وظهر جليا أن أداءه يفتقر إلى العمق العاطفي المطلوب.

قدم الجيراري بعض المشاهد الجيدة، لكن افتقاره إلى التنوع في التعبيرات الجسدية والردود العاطفية قد يترك انطباعا عاما بأن أداءه كان أقل مما هو متوقع، حيث كان من الممكن أن يستفيد من استكشاف أبعاد الشخصية بشكل أعمق، بينما وجوده في الفيلم يُظهر التزامه بتطوير السينما المغربية ويعكس الجهود المبذولة في محاولة تقديم أدوار مختلفة في هذا النوع الفني.

من جهة أخرى، أبرز المخرج جمال بلمجدوب تميزا واضحا في ترتيب المشاهد وتنظيم اللقطات، واستطاع أن يبني تتابعا دراميا متماسكا حيث تمزج المشاهد بين لحظات الرعب والتوتر مع عناصر الدراما الإنسانية.

وتتفاعل كل لقطة تم تصميمها بعناية مع مشاعر الشخصيات وتطور الأحداث، مما يسهم في خلق جو من التوتر المستمر. بداية من الاكتشاف المفاجئ للكنز، مرورا بالتغيرات النفسية التي تطرأ على الأبطال، وصولا إلى اللحظات القاتلة التي تواجههم مع قوى الجن، يُظهر بلمجدوب قدرة فائقة على حبكة المشاهد بشكل يضمن انسيابية السرد.

ويحقق التحول بين المشاهد توازنا بين الخوف والإثارة، حيث تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، وهذه التقنية في الإخراج تعزز من شعور الرعب، وتجعل من “فندق السلام” تجربة سينمائية فريدة تتجاوز التوقعات.

والسينما المغربية بحاجة ملحة إلى استكشاف أنواع جديدة مثل أفلام الرعب، رغم وجود عدد قليل من عشاق هذا النوع في البلاد، إذ يعكس تقديم صنف الرعب تطورا في الصناعة السينمائية ويتيح للسينمائيين فرصة للتجديد والابتكار، وهذا النوع من الأفلام يمكن أن يجذب شريحة جديدة من الجمهور ويساهم في إثراء المشهد السينمائي المغربي، بينما توفر أفلام الرعب منصة لتناول موضوعات اجتماعية وثقافية مهمة، مثل الخوف من المجهول والصراعات النفسية، كما أن استكشاف الأساطير والخرافات المحلية، مثل موضوع الجن في “فندق السلام” يضيف عمقا ثقافيا ويعزز من الهوية السينمائية المغربية، ونجاح مثل هذه الأعمال يمكن أن يفتح آفاقا جديدة لصناعة السينما ويشجع على تطوير محتوى متنوع يتناسب مع اهتمامات الجمهور المختلفة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى