الفنون والإعلامفن و ثقافة

مراجعة أفلام طنجة تؤكد ان النقاد حلقة وصل بين العمل الفني والجمهور

تعد العلاقة بين النقاد السينمائيين وصناع الأفلام من أكثر العلاقات تعقيدًا وإثارة للجدل، حيث ينظر إلى النقاد كحلقة وصل بين العمل الفني والجمهور، إلا أن آرائهم قد لا تُستقبل دائمًا بالترحاب من قِبل صناع الأفلام، فالعديد من المخرجين والمنتجين يجدون صعوبة في تقبل الرأي النقدي، خاصة إذا كان هذا الرأي يتناول عملهم بشكل سلبي أو يسلط الضوء على نقاط ضعفهم، كما أن هناك من المخرجين من يسعون للتقرب من النقاد، ما يساهم في خلق علاقة قائمة على النفاق الفني، فبدلاً من التركيز على تقديم أعمال فنية ذات جودة عالية، قد ينحرف البعض نحو محاولة استرضاء النقاد لتأمين آراء إيجابية، ما يؤدي إلى فقدان النزاهة الفنية والابتعاد عن الهدف الحقيقي للفن، إذ تعتبر هذه الديناميكيات تحديًا كبيرًا في السينما المغربية، وتتطلب الشجاعة والصدق من جميع الأطراف لتحقيق تطور حقيقي في المجال الفني.

ويلاحظ في الدورة 24 لمهرجان طنجة للفيلم غياب واضح لمقالات نقدية تستعرض الأفلام المشاركة، وهو أمر يثير تساؤلات حول دور النقد السينمائي في مواكبة مثل هذه التظاهرات الثقافية الهامة، رغم أن بعض النقاد يبررون هذا الغياب بأن النقد يحتاج إلى وقت كافٍ للتعمق في الأفلام وتحليلها بشكل دقيق، إلا أن هذه الحجة قد تبدو غير مقنعة بالنظر إلى أن النقد السينمائي هو ركن أساسي لتفاعل الجمهور مع الأعمال الفنية في الواقع، لم يتم تسجيل كتابة نقدية تُذكر تستحق المتابعة، ما يعكس نوعًا من التهاون أو التجاهل تجاه هذا الجانب الضروري في المشهد السينمائي، ويترك المهرجان بلا متابعة نقدية تعزز قيمته الفنية.

ويسعى بعض صناع الأفلام إلى بناء علاقات وثيقة مع النقاد كوسيلة لتأمين آراء إيجابية حول أعمالهم، ويعتقد هؤلاء المخرجون والمنتجون أن التقرب من النقاد يمكن أن يؤدي إلى تعزيز فرص نجاح أفلامهم تجاريًا ونقديًا، ومن خلال هذه العلاقات، ويقدمون دعوات خاصة لحضور العروض الأولى، أو ينظمون لقاءات شخصية لعرض رؤيتهم الفنية، على أمل أن تُترجم هذه الجهود إلى مراجعات إيجابية، ويمكن أن تؤدي هذه الاستراتيجيات إلى خلق بيئة من النفاق الفني، فقد ينحرف التركيز عن جودة العمل الفني نفسه ويصبح الأمر أشبه بحملات ترويجية تهدف إلى استرضاء النقاد بدلاً من تقديم سينما أصيلة تعكس رؤية فنية حقيقية، كما يؤثر هذا الاتجاه سلبًا على مصداقية النقد السينمائي ويقوض من إمكانية تقديم أعمال فنية تعبر عن الواقع الفني بشكل نزيه.

ويعرف صانع الأفلام الحقيقي بأنه يتقبل النقد السينمائي بمرونة ووعي، حيث يدرك أن النقد هو جزء أساسي من عملية الإبداع والتطور الفني، ولا يسعى هذا المخرج أو المنتج إلى التقرب من النقاد أو الصحافة السينمائية المطبلة التي تميل إلى الترويج دون تقييم حقيقي، بل يفضل أن يُقيَّم عمله بناءً على جودته الفنية وأثره على الجمهور، وهذا النوع من صناع الأفلام يسعى إلى تطوير مهاراته من خلال الاستماع إلى آراء متنوعة، حتى وإن كانت قاسية، إذ يُؤمن أن النقد البناء يمكن أن يوفر رؤى جديدة تساعد في تحسين أعماله المستقبلية، ومن خلال الالتزام بمبادئ النزاهة والفن الصادق، يعكس هؤلاء المبدعون قناعتهم بأن السينما يجب أن تتجاوز حدود المدح الزائف، وأن تعكس الواقع وتعبر عن القضايا الإنسانية بشكل حقيقي، إنهم يفضلون التركيز على تقديم أعمال ذات قيمة فنية، بدلاً من البحث عن تأييد سطحي قد لا يعكس الجودة الحقيقية للفن.

ويتمثل النقد الحر في التحليل الموضوعي للأفلام من قبل النقاد في قاعات السينما، بعيدًا عن تأثيرات المؤسسات التجارية أو المهرجانات، حيث يُركز على تقييم العمل الفني بعمق مستندًا إلى معايير فنية وتقنية دقيقة، يتناول من خلالها النقاد جوانب متعددة مثل السرد والإخراج والتمثيل والتقنيات السينمائية المستخدمة، بالإضافة إلى الرسائل والمفاهيم التي يحملها الفيلم، إذ يسعى النقد الحر إلى تقديم تقييم صادق يعكس الرؤية الحقيقية للعمل,

ويتم تقييم مراجعة الأفلام ضمن إطار المهرجانات، إذ تساهم في جذب الانتباه إلى الأعمال السينمائية من خلال تقديم تقييمات إيجابية تُشجع على مشاهدتها، ومع ذلك قد يتعرض النقد في المهرجانات لضغوطات معينة، حيث يميل بعض النقاد إلى تقديم آراء إيجابية نتيجة لتوقعات الجمهور والمشاركين، وهذا الأمر قد يُقلل من موضوعية النقد، حيث يمكن أن تتأثر الآراء بمنافع معينة تتعلق بالشبكات الاجتماعية أو العلاقات بين صناع الأفلام والنقاد، بينما يتطلب الأمر من النقاد أن يكونوا حذرين وأن يسعوا للحفاظ على نزاهة آراءهم حتى في ظل هذه الظروف.

ويعمل النقد التحليلي على ربط العمل الفني بسياقاته الثقافية والاجتماعية، ويتجاوز هذا النوع من النقد مجرد تقييم العناصر التقنية ليشمل استكشاف الرموز والمعاني العميقة التي تحملها الأفلام، ويتمكن النقاد من تقديم رؤى تتعلق بالثقافات المختلفة، والقضايا الاجتماعية والتحديات الإنسانية من خلال تحليل النصوص السينمائية بشكل شامل، وهذا النوع من التحليل يساهم في فتح حوار ثقافي واسع حول الفن السابع، ما يعزز من قدرة الأفلام على التعبير عن القضايا المعاصرة التي مكن أن تساهم في تعزيز التجربة السينمائية وتوفر فهم أعمق للعمل الفني، وهذا يُثري المشاهدين وينمي حسهم النقدي.

وإذا كانت العلاقة بين صناع السينما سامة ومليئة بالنفاق، فإنها تلقائيا تصبح أكثر تعقيدًا مع النقاد الذين يسلطون الضوء على نقاط ضعفهم، وفي ظل هذه الأجواء السامة يمكن أن يشعر صناع الأفلام بضغط كبير تجاه النقد، ما يجعلهم يتبنون مواقف دفاعية أو حتى عدائية تجاه النقاد، إذ يصبح النقد في هذه الحالة تهديدًا لمكانتهم، وبدلاً من تقبل الآراء البناءة يسعون إلى استرضاء النقاد بطرق غير نزيهة، مثل تقديم أعمال سطحية تهدف إلى كسب الإعجاب بدلاً من تحقيق الإبداع الفني، بينما هذا النفاق يعزز من عدم الثقة بين الطرفين، حيث يؤدي إلى إنتاج أعمال تفتقر إلى العمق والجودة، ما يحرم المشاهدين من تجارب سينمائية أصيلة، وعندما يشعر النقاد بأنهم ملزمون بتقديم آراء إيجابية لتجنب النزاعات، يتأثر موضوعية النقد بشدة، ما يقيد قدرتهم على تقديم تقييمات صادقة وشاملة، وهكذا تتشكل دائرة مفرغة من السلبية، تؤثر سلبًا على تطور الفن السينمائي وتجعل من الصعب تحقيق الأهداف الفنية الحقيقية التي يسعى إليها الجميع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى