المهرجان الوطني للمسرح يرسخ الاحتفاء بالإبداع التونسي
بعد نجاح الدورة الأولى التي نظمت العام الماضي احتفاء بالذكرى الأربعين لتأسيس مؤسسة المسرح الوطني التونسي، رأت المؤسسة بإشراف مديرها معز مرابط، ضرورة استمرار المهرجان الوطني للمسرح التونسي “مواسم الإبداع”، حيث من المنتظر أن تنعقد الدورة الثانية المخصصة حصريا للإنتاج المسرحي التونسي في الفترة بين 7 و14 نوفمبر الجاري.
ينظم المسرح الوطني هذه التظاهرة بالشراكة مع جمعية عبدالوهاب بن عياد ومؤسسة “ميكروكراد” ويتنافس على جوائزها 15 عملا مسرحيا حديث أنتجت بين شهر ديسمبر 2023 وشهر أكتوبر 2024، تم اختيارها من ضمن 30 عملا.
وهذه الأعمال هي: “قاعة انتظار – قونة” إخراج فرحات دبش، و”عطيل وبعد…” إخراج حمادي الوهايبي، و”رقصة سماء” إخراج الطاهر عيسى بن العربي، و”تحت الضغط” دراماتورجيا وإخراج ريان القيرواني، و”بلا عنوان” إخراج مروة المناعي، و”البخارة” إخراج صادق الطرابلسي، و”البوابة 52” إخراج دليلة مفتاحي، و”لوزينا” إخراج هيكل الرحالي، و”عصفور جنة” إخراج ودراماتورجيا حسام الساحلي، و”وصايا الديك” دراماتورجيا وإخراج وليد الدغسني، و”روضة العشّاق” نصّ وإخراج معزّ عاشوري، و”أم البلدان” نص عزالدين المدني وسينوغرافيا وإخراج حافظ خليفة، و”شكون” إخراج نادرة التومي، و”اعتراف” دراماتورجيا وإخراج محمد علي سعيد، و”واحد نص وإخراج مروان الميساوي.
وتتسابق الأعمال المسرحية على “جائزة الإخراج” و”جائزة النص المسرحي” و”جائزة السينوغرافيا” و”جائزة الأداء التمثيلي” (نساء) إلى جانب “جائزة الأداء التمثيلي” (رجال)، إلى جانب “الجائزة الكبرى للإبداع المسرحي التونسي”.
وتحتكم الأعمال المسرحية إلى لجنة متكونة من الأساتذة رؤوف بن عمر بصفته رئيس اللجنة، وعضوية عبدالواحد مبروك وسعاد بن سليمان وبسمة فرشيشي.
وفي إطار التزامه بإثارة نقاشات حول المسرح التونسي، ينظم المهرجان في دورته الثانية ندوة فكرية بعنوان “المسرح التونسي ورهاناته الإبداعيّة الجديدة “، سيطرح خلالها أربعة محاور رئيسية هي “المسرح ومضامينه الجديدة و”المسرح والمستقبل” و”الكتابة المسرحيّة وأسئلة الدراماتورجيات الجديدة” و”النقد المسرحي في مرايا المبدعين”.
وجاء في الورقة العلمية للندوة: “لقد حدثت كلّ المنعطفات السياسيّة والاجتماعيّة التي منها يجب القول على لسان بريشت: على المسرح أن يتحدّث بصورة قاطعة بلسان عصره، وهذا ما يحيلنا مباشرة إلى طرح الاستشكال المتعلّق بِحُدوثِ ثورة تجديدٍ في المسرح التونسي من عدمها. طبعا، يجب أن ننتبه في هذا السياق إلى أنّ كلّ عمل مسرحيّ معاصر لا تتوفّر فيه، بالضّرورة، إمكانات التجديد، فكثيرة هي الأعمال المسرحيّة القديمة التي قدّمت تصوّرات إبداعيّة أكثر من غيرها الحديثة. إنّ السّؤال المركزي الذي نشدّد على طرحه هو كيف يمكن الاستمرار في التعبير عن واقع جديد بآليات قديمة؟ رُبَّ مَكْرٍ في هذا السّؤال من شأنه زعزعة الثقة في الأعمال المسرحيّة المعاصرة من جهة الادّعاء الذي يؤكّد على امتلاكها طاقة إبداعيّة جديدة تقطع مع السّائد أو هي تُحْدِثُ منعطفات فكريّة وجماليّة بالتوازي مع قضايا عصرنا الحالي”.
ويتضمن برنامج الدورة الثانية أيضا معرضا فوتوغرافيا لقيس بن فرحات بعنوان “مونولوغ / مونوكروم”، يوثق فيه لعدد من الأعمال المسرحية التونسية على امتداد ثماني سنوات. كما سيحظى جمهور الفن الرابع بـ “ماستر كلاس” في التصوير الفوتوغرافي للمسرح من تأطير هذا الفنان الفوتوغرافي الذي سينقل تجربته للمصورين الشبان.
ولأهمية الفيديو في توثيق الأعمال المسرحية، تنظم أيضا ورشة بعنوان “تصوير الفيديو للمسرح” من تأطير نضال ڤيڤة، إلى جانب ورشة “كتابة المقال النقدي في المسرح” من تأطير الأستاذة فوزية المزي.
وكشف مدير المسرح الوطني معز مرابط عن بعض مستجدات الموسم الثقافي، قائلا إن هناك سعيا لاعتماد إستراتيجية متكاملة تقوم بإحياء كل ما هو قديم ومفيد من إنجازات مدراء سابقين للمسرح على أن تبعث مؤسسات وفضاءات جديدة، مثل إحياء مدرسة السيرك التي أسسها المدير محمد إدريس ومدرسة الحرف التطبيقية التي بعثها المدير فاضل الجعايبي إلى جانب عودة مجلة “فضاءات مسرحية ” التي أطلقها المدير المؤسس منصف السويسي. وكشف المدير العام للمسرح الوطني عن نية استغلال قصر صاحب الطابع وكنيسة باب الخضراء لتكون فضاءات عرض وإقامة فنية تابعة للمسرح الوطني.
المهرجان يهدف إلى تشجيع روح الابتكار وتحفيز مَلَكَة الإبداع لدى الفنانين التونسيين
لقد ولد المهرجان الوطني للمسرح التونسي “مواسم الإبداع” تلبية لحاجة ملحة في المشهد المسرحي التونسي، وهي الحاجة إلى مهرجان يعزز الروح التنافسية بين المنتجين المسرحيين.
ويهدف المهرجان إلى تشجيع روح الابتكار وتحفيز مَلَكَة الإبداع لدى الفنانين التونسيين من خلال تتويج الأعمال المسرحية المتميزة تثمينا لجهود الفنانين التونسيين في تطوير جماليات الفن الرابع وتجديد أساليبه وأدواته، واعترافا بدورهم الطلائعي في قيادة المجتمع نحو الأفضل والأجمل.
ويأتي المهرجان بمثابة فضاء يسهل فيه الاجتماع والتفكير في واقع الفن الرابع في تونس، رغم أن مثل هذه النقاشات تثبت منذ عقود أنها نخبوية، لا تغادر برجها العاجي لتحتك بواقع الفنان التونسي، كما أنها تظل حبرا على ورق، ولم تتوصل بعد لإحداث تغيير مهم في واقع المسرح والمسرحيين التونسيين.
ويعتمد المهرجان توقيت قارا سنويا (7-14 نوفمبر) إلا أن توقيت انعقاده يثير تساؤلا حول الجدوى من برمجة المهرجان قبل أيام قليلة من انطلاق أيام قرطاج المسرحية في الـ23 من الشهر الجاري، والسر وراء هذه التخمة المسرحية في شهر واحد واقتصارها على العروض الفردية في بقية السنة؟ ومن ثمة، فإن النظر إلى قائمة العروض المسرحية المختارة لهذه الدورة، يكشف عن أسماء أعمال متكررة سبق وأن عرض بعضها في مهرجانات صيفية وعرض بعضها الآخر في صالات العرض المسرحي طوال العام الجاري، ومنها ما عرض أيضا في تظاهرة “الخروج إلى المسرح” التي نظمت في سبتمبر الماضي، ما يدفع للتساؤل حول أسباب عدم إتاحة الفرصة لأسماء أخرى ولمواهب شابة أو لأسماء مغمورة، فنحن تقريبا أمام الأسماء ذاتها التي تعرض أعمالها كل عام في المحافل المحلية، وهي من تمثل تونس في الخارج أيضا، وكأن عجلة الإبداع المسرحي قد توقفت عندهم!