الفنون والإعلامفن و ثقافة

جوائز مهرجان ليبيا السينمائي تكشف عن جيل جديد من السينمائيين العرب

أسدل الستار على الدورة الأولى من مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة في حفل بهيج أقيم مساء الجمعة الماضية بحضور عدد كبير من الفنانين والإعلاميين ونجوم المجتمع وصناع السينما سواء داخل ليبيا أو من الدول المشاركة، وذلك في مشهد افتقدته العاصمة طرابلس كثيرا بسبب الحروب والصراعات وحالة الفوضى التي واجهتها خلال السنوات الماضية.

تضمن حفل الاختتام عرض فيلم “البطيخة” للفنان محمد النعاس، والذي تدور أحداثه حول قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي لرسام فلسطيني شاب ومصادرة لوحاته، وعندما سأل الشاب الجنود لماذا تصادرون اللوحات رد عليه الجندي “اخرس حتى لو رسمت بطيخة سنصادرها”.

وفي كلمة بالمناسبة، شدد رئيس الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون عبدالباسط بوقندة على أهمية الحدث وعلى الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما في نشر ثقافة الحياة والتسامح والسلام، معربا عن أمله في أن تكون دورة محمد الفرجاني باكورة لدورات متتالية يتنافس فيها المبدعون من الفنانين السينمائيين من كافة أقطار العالم.

وقال “هدفنا إثبات قدرة الليبيين على التميز وتحقيق المراتب الأولى والمتقدمة في كافة التخصصات الفنية والسينمائية، من خلال التواصل والتفاعل المثمر بينهم”، معتبرا أن هذا الحدث يعكس الإرادة القوية للفنانين الليبيين في تحقيق إنجازات فنية تسهم في تعزيز الهوية الثقافية للبلاد.

وتابع بوقندة أن هناك حالة تفاؤل عامة بمستقبل واعد للفن السينمائي في ليبيا، كما أن هناك تطلعا إلى المزيد من التعاون والتفاعل بين الفنانين من مختلف أنحاء العالم، مردفا أن الهيئة ستستمر في ممارسة عملها من أجل تطوير مجالات الإبداع السينمائي كما هو الشأن بالنسبة إلى المسرح وبقية الفنون.

وشاركت في هذه التظاهرة السينمائية الوليدة، التي اختار منظموها أن تحمل نسختها الأولى اسم المخرج وكاتب السيناريو الليبي الراحل محمد علي الفرجاني، أعمال من دول عديدة مثل المغرب وتونس والجزائر ومصر وسلطنة عمان وفلسطين والعراق واليمن وسوريا والبحرين والأردن وبلجيكا وإيطاليا وإيران وإسبانيا وبريطانيا.

وترأس لجنة تحكيم المهرجان المخرج الليبي عبدالله الزروق، وضمت في عضويتها عددا من المبدعين الليبيين، وبعد أربعة أيام من العروض والتقييمات أعلنت عن نتائجها لفئتي الأفلام القصيرة والوثائقية. وكشفت نتائج المهرجان عن جيل جديد من السنمائيين العرب المتميزين من دول عدة كاليمن وعمان والعراق وليبيا وسوريا والمغرب وتونس ومصر، وعن تجارب فنية ذات أبعاد إنسانية راقية، وبأساليب تقنية تعد بمستقبل أفضل للسينما العربية.

ففي فئة الأفلام الوثائقية نال فيلم “السطل” للمخرج اليمني عادل محمد الحيمي جائزة أفضل فيلم. وهو يروي قصة حياة المسن عبدالله الذي يعمل في البناء والترميم لمدينة صنعاء القديمة منذ 60 عاما، والذي يسرد تفاصيل رحلته مع المدينة الأثرية وكيف بدأ مهنة البناء والترميم. وقد سبق للفيلم أن فاز بعدد من الجوائز منها الجائزة الأولى بمسابقة الأفلام القصيرة “حكاية أثر” التي نظمتها هيئة التراث السعودية بالتعاون مع المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي في العام 2023.

وذهبت الجائزة الثانية إلى فيلم “سحر الرمال” للمخرج وليد سعد الخروجي من سلطة عمان، الذي يرافق المشاهد في قصة سينمائية تدور أحداثها في قلب الصحراء؛ للتعرف على العديد من الجوانب الاجتماعية الخاصة بسكان الكثير من المناطق مترامية الأطراف، وعلى الرغم من ضعف الخدمات المتاحة لهم ومن خلال تنوع لقطات الفيلم يتعرف المشاهد على آلية تحمل سكان هذه المناطق الصعوبات الحياتية وكيفية التغلب عليها.

وذهبت الجائزة الثالثة إلى فيلم “تحت” للمخرج أحمد الطاهر جبر من العراق، ويتناول موضوعات الهوية والبحث عن الذات في سياق المعاناة والصراعات التي عاشها العراق، وتدور القصة حول شخصية رئيسية تعيش في العراق بعد فترة من النزاع. يسعى البطل للبحث عن عائلته المفقودة ويواجه تحديات متنوعة تتعلق بالوطن والماضي. ومن خلال رحلته يتعرض لمواقف تكشف له جوانب مختلفة من الحياة العراقية. ويعكس الفيلم معاناة الناس في العراق، لكنه يقدم أيضا رسالة عن الأمل والإصرار على الحياة رغم الصعوبات.

أما جائزة أفضل سيناريو للأفلام الوثائقية فكانت من نصيب فيلم “بطلة” للمخرج محمد المصلي من ليبيا، وجائزة أفضل مونتاج لفيلم “صوفيز” للمخرج يونس بن حجرية من تونس، وجائزة أفضل موسيقى تصويرية لفيلم “عيون كاثرين” للمخرجة منة الله خالد يونس من مصر. كما ذهبت جائزة أفضل إدارة تصوير إلى الفيلم الجزائري “ازيتا” من إخراج جمال باشا، وجائزة أفضل مخرج للأفلام الوثائقية للمخرجة التونسية نجوى الخشيمي عن فيلم “الأم”، وذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى الفيلم العماني “بيت الرمل” للمخرج صلاح الحضري، وهو فيلم يتناول جزءا من حياة امرأة سخرت منزلها المتواضع جدا والكائن في قلب الصحراء لاستضافة وإكرام الناس القاطعين بمركباتهم صحراء رمال محافظة الشرقية، وذلك رغم قلة الإمكانيات المادية البسيطة والصعبة.

وفي فئة الأفلام الدرامية القصيرة كانت جائزة أفضل فيلم من نصيب فيلم “سراكيش” للمخرج ياسر أحمدي من إيران، وهو يتناول قضايا الهوية والانتماء في سياق اجتماعي معقد.

وذهبت الجائزة الثانية إلى فيلم “قرن وستة أعوام” للمخرج المصري مصطفى محمد ناصف، والذي يتناول من خلاله قضايا الحب والفقد والتحديات في العلاقات الإنسانية، أما الجائزة الثالثة فكانت من نصيب الفيلم الليبي “عصفور طل من الشباك” للمخرجين مالك الزيتوني وأمجد أبوزويده، وهو فيلم درامي يتناول موضوعات الحب والفقد والأمل.

◙ حفل الاختتام عرض فيلم “البطيخة” لمحمد النعاس، وتدور أحداثه حول قمع القوات الإسرائيلية لرسام فلسطيني

وحصد جائزة أفضل سيناريو الفيلم الليبي – البريطاني “نحن مختلفون” للمخرج علي فرج العجيلي، وجائزة أفضل مونتاج ذهبت إلى فيلم “لأجل أبي” من الجزائر للمخرج عبدالجليل بولحبال. وفاز فيلم “أثر” للمخرج الليبي فرج معيوف بجائزة أفضل موسيقى تصويرية، بينما فاز الفيلم الإيطالي “لون اللحم واحد” للمخرج ألبرتو مركيوري بجائزة أفضل إدارة تصوير.

وذهبت جائزة أفضل ممثل إلى الفيلم المغربي “الأيام الرمادية” للمخرجة عبير فتحوني، وجائزة أفضل ممثلة للفيلم العراقي “آخر حلم” للمخرجة ملاك عبد علي. وتخوض أحداث الفيلم في ذاكرة حرية النساء في بغداد الآن والسبعينات ضمن قصة واقعية لرسام تشكيلي هو محمد مسير.

وآلت جائزة أفضل مخرج إلى فيلم “عذر أجمل من ذنب” من البحرين للمخرج هاشم شرف، وتدور قصته الحقيقية حول شاب يحاول الصعود بحصان عن طريق سلم البناية الضيق ليعيش معه في شقته. ويقول المخرج “إن فيلم ‘عذر أجمل من ذنب’ قصته بسيطة جدا وهي عبارة عن صرختها عني وعن الكثير، وتدور أحداثه في وسط أحد المباني السكنية بالمنامة، حين يقوم قاسم، الشاب المتهور، بالدخول إلى عمارة سكنية بحصان ويحاول الصعود به إلى شقته عن طريق سلم البناية الضيق”.

أما جائزة لجنة التحكيم فكانت من نصيب فيلم “كما يليق بك” من سوريا للمخرجة كوثر معراوي، ومن تأليف رولاف الأيوبي، بطولة: عباس الحاوي، راما زين العابدين، علاء زهرالدين، لينا صالح، صخر قاسم، حمدي حجيرة، محمد طرخون. ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما. وخلاصته :”عندما يفقد الإنسان شخصاً ما من حياته يأتي رد فعله على الحدث متباينا وفقا لقربه منه أو علاقته به، ويتفاوت بين حالة النكران إلى الحزن الشديد فالكآبة، وأحياناً يتطور إلى المرض النفسي، كما إن إبعاد شخص عن حياتنا وبإرادتنا قد يؤدي إلى الشعور بالفقد تجاهه، وربما بالحنين له، كحال بطلة الفيلم مع زوجها”.

وشهدت الدورة تنظيم ندوة تحت عنوان “السينما والتاريخ”، قدمها الناقد والباحث الأكاديمي الدكتور نورالدين محمود سعيد، بمعهد جمال الدين الميلادي، وضمنها محاور عدة، بداية من سرد علاقة السينما بالتوثيق، والاحتكاك الأولي بين التاريخ والسينما مع تطور لغة السينما وأدواتها، وأكد المحاضر فيها على دور السينما كراصد للواقع، كما تجسد في أفلام الأخوين لوميير.

وتحدث المحاضر عن تطور العلاقة بين السينما والتاريخ وكيف أصبح الفيلم وثيقة تاريخية يستدل بها في المحاكم الدولية، لأمانة نقلها للأحداث كما هي دون تغيير، مؤكدا أن التاريخ لا يقدم نفسه كعلم، لأنه من الناحية العلمية يرغب في الوصول إلى المعرفة، بينما الفيلم هو نص يحاكي واقعا أو حقائق.

كما شرح المحاضر أثر الواقعية الجديدة وأهمية الصورة كزمن والصورة كحركة، واستشهد بالعديد من الأفلام التي أنتجت خلال حقب تاريخية مختلفة واستخدمت كمادة توثيقية، مثل فيلم “نابليون” و”سارقو الدراجات” و”عبادة الدكتاتور” و”إيفان الرهيب” و”عمر المختار” كتجربة إنتاج ليبي لفيلم وثائقي مهم قدم مادة تاريخيّة مصورة، لافتا إلى المخاوف من أثر التطور التكنولوجي على قيمة النص التاريخي في الفيلم وإمكانية تزويره أو التلاعب بمصداقية مصدره.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى