الفنون والإعلامفن و ثقافة

“وحده الحب” دراما سينمائية تأخذ من الموسيقى معبرا للحدود

عرض فيلم “وحده الحب” أحدث أفلام المخرج كمال كمال ضمن المسابقة الرسمية للفيلم الروائي الطويل في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الرابعة والعشرين التي تختتم فعالياتها السبت.

يعد الفيلم عملا إنسانيا وسياسيا مهما يتناول موضوع الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر، ويعكس المعاناة التي يعيشها الشعبان بسبب هذا الفصل القسري، عن طريق قضية تفرق العائلات بين البلدين بأسلوب يجمع بين الفن والإنسانية، مظهرا كيف يمكن للموسيقى والحب كسر الحواجز حتى في ظل قضايا سياسية معقدة.

الفيلم من سيناريو كمال كمال، وبطولة يونس ميكري، وسحر الصديقي، وفاطمة الزهراء بلدي، والغالية بن الزاوية، وأحمد مداح، وهشام إبراهيمي، وعبدالحق بلمجاهد، وحفصة بن سماعيل، وعبدالرزاق بن عيسى، وإدريس الروخ، وربيع القاطي وآخرين.

ويبرز الفيلم كنوع من الاحتجاج الفني ضد تبعات القرار السياسي بغلق الحدود، الذي يقف عائقا أمام الروابط العائلية والاجتماعية بين الشعبين الشقيقين. وبطرحه هذا الموضوع الحساس، تبعث الأحداث رسالة غير مباشرة تدعو لإعادة التفكير في العلاقات الثنائية وتجاوز العقبات السياسية التي تعيق التقارب الإنساني.

ويركز كمال كمال على العواطف المشتركة بين الشعبين المغربي والجزائري، ويصور تفاصيل الحياة اليومية لأولئك الذين يعانون من الغياب والفراق، ويستعرض كيف أن الحدود السياسية لا تستطيع قمع المشاعر الإنسانية، وأن الحب قادر على أن يربط بين قلوب الناس على الرغم من الحواجز الجغرافية.

وتعالج أبعاد السيناريو مسألة الفراق وتأثير الحدود من خلال مشاهد تجمع شخصيات مغربية وجزائرية تبرز المعاناة الإنسانية اليومية التي يعيشها الأفراد بسبب العوائق السياسية، حيث يصور لحظات الألم والشوق التي يعيشها الأزواج والأمهات والأبناء الذين فُرض عليهم الانفصال، فعندما تكون قائمة على الحب والود، تكون قادرة على الصمود والتجاوز بغض النظر عن الحواجز التي تفرضها الظروف الخارجية، فمثلا الشخصية التي جسدتها سحر الصديقي تصور في مشهد وهي تجلب رضيعها لرؤية جدته من الجهة الأخرى من الحدود، مشهد يمثل قوة الحب العائلي وعاطفة الأمومة التي تتحدى القيود.

ويبرز الفيلم أن الحب هو الرابط الذي يمكنه أن يكسر قيود الحدود ويعيد وصل الروابط الإنسانية التي قد تبدو مستحيلة التحقق، ويشدد على أن العلاقات الإنسانية تتجاوز البعد السياسي وأنه بالإمكان بناء جسور من التواصل والتفاهم، حتى في ظل التحديات الكبيرة، ما يعزز الأمل في أن تكون مشاعر الشوق والوحدة بين الأفراد قوة موحدة تتحدى الصعاب.

ويعتبر أداء الممثل الجزائري أحمد المداح إضافة مميزة للعمل من خلال تجسيده أبعادا إنسانية بمواقف تعكس شوق الإنسان الجزائري للاتصال بجذوره وعلاقاته العابرة للحدود، وهذا الأداء الرائع يُظهر تفاعلا متقدما وقدرة على نقل المعاناة والمشاعر الإنسانية بدراما متقنة.

أما بالنسبة للممثلين المغاربة، مثل هشام الإبراهيمي، وربيع القاطي، ويونس ميكري، وسحر الصديقي، وإدريس الروخ، فقد أظهروا أداءً متماسكا وملائما للسياق العاطفي والاجتماعي للفيلم. وأبرز الكاستنيغ الانسجام بين الممثلين، إذ تمكنوا من تقديم تفاعل واقعي وطبيعي يظهر الوحدة والترابط بين الشعبين المغربي والجزائري.

وتأتي الموسيقى التصويرية التي أبدعها كمال كمال كعنصر أساسي يجمع بين الحس الفني والبعد الإنساني، فهي روح الفيلم التي تربط الأحداث وتعمق المشاعر، وتتماشى مع رؤية كمال بأن الموسيقى وسيلة للتواصل تتجاوز الحدود. استخدم كمال كمال أنغاما هادئة وألحانا ذات نغمات شرقية تجمع بين الآلات التقليدية وأصوات تعبيرية لتوصيل الشوق والألم والفرح، حيث يعكس كل مقطع موسيقي شعور الشخصيات والأحداث التي تمر بها.

وجاء الإيقاع الزمني للأحداث متناغما مع الموسيقى التصويرية، حيث كان التنقل بين المشاهد يتم بطريقة محسوبة لتجنب التسارع غير الضروري أو البطء الممل، وفي لحظات الشوق والفراق، كان الإيقاع يبطأ ليتيح للمشاهدين الإحساس بعمق الألم والحنين. بينما في لحظات الأمل والوحدة، كان الإيقاع يتسارع قليلا، ليعكس حس القوة والعزم على تجاوز العقبات.

وجاء السرد الفيلمي منسجما مع الرسالة الإنسانية والسياسية للفيلم، حيث اعتمد كمال كمال على أسلوب سرد بسيط وواضح، يُسهل على المشاهدين فهم تسلسل الأحداث والعواطف المتجددة بين الشخصيات. وترتيب المشاهد كان مدروسا، حيث تنقل بين جانبي الحدود بشكل متناغم، ما يخلق شعورا بالاتصال المستمر رغم الانفصال الجغرافي.

واعتمد كمال كمال على لقطات قريبة للوجوه لإبراز لحظات الشوق والحزن، ما يتيح للمشاهدين التقاط التفاصيل الدقيقة في تعابير الشخصيات، ويعزز الاتصال العاطفي. وفي مشاهد الحدود، استخدم لقطات واسعة تظهر المساحات الفاصلة بين الجانبين لتجسيد الحاجز الكبير الذي يقف أمام العائلات.

وتداخلت الموسيقى مع زوايا التصوير وضبط التوقيت لتعزيز السرد وإبراز معاناة الشخصيات، حيث تأتي الموسيقى في لحظات صمت الشخصيات لتعبر عما لا يُقال، ما أضاف بعدا شعوريا قويا للفيلم وجعل الموسيقى تلعب دورا سرديا مكملا للأحداث، وخلق نوعا من الهدوء المشحون بالتوترات العاطفية، التي تنقل بمهارة إحساس الشوق بين الجانبين المغربي والجزائري.

ورغم أن الموسيقى التصويرية تحمل بصمة فنية قوية وتضفي عمقا إنسانيا على الفيلم، إلا أن كثافتها في بعض المشاهد جاءت أحيانا على حساب تفاعل المشاهد مع الشخصيات، ففي بعض اللحظات كان ضجيج الموسيقى يطغى على الحوار أو يقلل من تأثير الصمت الذي كان يمكن أن يعزز إحساس الحزن أو الشوق بشكل أكثر فعالية، وهذا الضجيج، ولو كان بسيطا، أضعف قليلا من قوة المشاهد العاطفية، حيث كان من الأفضل في بعض اللقطات الاعتماد على هدوء الصوت الطبيعي ليعكس الحالة النفسية للشخصيات ويترك للمشاهد مساحة أكبر للتأمل والانخراط في التجربة الإنسانية.

وتتجلى روعة الصورة في بفضل لمسات مديرة التصوير التي أتقنت خلق مشاهد درامية تنبض بالعواطف وتخدم سرد القصة بدقة واضحة واهتمام بتفاصيل الإضاءة والألوان، وتمكنت من إبراز المشاعر الداخلية للشخصيات وإعطاء الفيلم بعدا بصريا غنيا يعكس الألم والأمل والشوق الذي يحمله كل مشهد.

واعتمد مدير التصوير على زوايا تصوير مدروسة، لاسيما في اللقطات القريبة التي نقلت تعابير الوجوه بتفاصيل دقيقة، وكانت مشاهد الحدود تُصوَّر بزوايا واسعة وألوان باهتة، لتعكس الإحساس بالانفصال والفراغ العاطفي، ما أضاف عمقا دراميا بصريا يعزز من تأثير الرسالة الإنسانية والسياسية للفيلم.

ورغم قوة الفيلم وسلاسة سرده، إلا أن بعض المشاهد الزائدة أسهمت في تراجع انتباه الجمهور وتباعدهم عن عمق القصة، فمشهد أحمد المداح في حالة سكر فوق جذع الشجرة، رغم فكرته الرمزية، بدا وكأنه يفتقر إلى العمق اللازم، خاصة مع حضور الشرطة الباهت الذي لم يضف أي تأثير درامي يُذكر. وكذلك مشهد الممثل هشام الإبراهيمي أثناء الشجار في الرقص لم يكن متقنا بما يكفي ليحقق الأثر المرجو، فظهر كأنه مشهد عابر يفتقر للتوتر الدرامي الحقيقي.

يذكر أن المخرج كمال كمال هو مخرج ولد عام 1961 في بركان. من عام 1971 إلى عام 1978، درس موسيقى السولفيج والغرناطي في المعهد الموسيقي بوجدة، ثم التحق بكلية المدينة ذاتها قسم الأدب الفرنسي. في عام 1986، قام بتنظيم مهرجان الفنون الشعبية بالسعيدية، ثم بعد عامين قام بإدارة مهرجان الراي بوجدة.

من 1993 إلى 1996، درس كتابة السيناريو في المعهد الحر للسينما في باريس. ومنذ عام 1997، شارك في إنتاج العديد من الفيديو كليبات. عمل أيضا في التلفزيون المغربي والإعلانات التجارية، كما أخرج ثلاثة أفلام طويلة هي “طيف نزار” عام 2002، و”السنفونية المغربية” عام 2006، و”الصوت الخفي” عام 2013.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى