المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير يسائل دور السينما كأداة للتغيير
الهجرة قضية أزلية ازدادت حدتها مع الحروب المندلعة في المنطقة وصارت قضية عربية بامتياز، وهو ما يركز عليه المهرجان الدولي للسينما والهجرة الذي بلغ عقده الثاني، مواكبا الإنتاج السينمائي النوعي ومساعي الشباب العربي للتعبير عن الهجرات وآثارها على الأفراد والمجموعات، بأفلام روائية ووثائقية متنوعة الرؤى والحكايات.
تحتضن مدينة أكادير النسخة العشرين من المهرجان الدولي للسينما والهجرة، الذي يُعد من أهم التظاهرات السينمائية على المستوى الوطني والدولي، ويجمع بين فن السينما وقضايا الهجرة، ويشكل فرصة لتسليط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه المهاجرين حول العالم.
ويأتي الاحتفال بالذكرى العشرين لهذا المهرجان في الفترة من الحادي عشر إلى السادس عشر من نوفمبر الجاري، في إطار تعزيز دور السينما كأداة للتغيير الاجتماعي والثقافي وخاصة في ما يتعلق بمواضيع الهجرة والاندماج. ويستقطب المهرجان مشاركات من مختلف دول العالم، حيث يتنافس صانعو الأفلام والمخرجون على تقديم أعمال تعكس تجارب المهاجرين وتبرز قصصهم الإنسانية المتنوعة.
ويتضمن برنامج هذه الدورة العرض الأول لأحدث الأعمال السينمائية التي تم إنتاج معظمها خلال السنة الجارية، حيث ستعرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان ثمانية أفلام طويلة، وعشرة أفلام قصيرة تعالج كلها ظاهرة الهجرات. وسيشهد حفل افتتاح هذه الدورة تكريم أيقونة الشاشة المغربية الراحلة نعيمة المشرقي، إلى جانب المخرج المغربي أحمد المعنوني، والممثلة المغربية – الكندية هدى الريحاني.
وتتميز دورة هذا العام من المهرجان الذي تنظمه جمعية “المبادرة الثقافية” بشعار مميز يحمل الرقم 20 الذي يرمز إلى عقدين من العطاء الفني والسينمائي، ويظهر الشعار أيضا شجرة ترمز إلى الجذور والتواصل بين الحضارات، ما يعكس روح المهرجان ورسالته في الربط بين مختلف الثقافات عبر الفن السابع.
ويعد المهرجان الدولي للسينما والهجرة ضيوفه وجمهوره ببرنامج غني ومتنوع يشمل عروضا لقائمة من الأفلام خارج المسابقة الرسمية، ضمنها الفيلمان الأمازيغيان “إيقاعات تمازغا” لطارق الإدريسي، و”بوقساس بوتفوناست” لعبدالإله بدر، والفيلم الحساني “صحاري، سلم وسعى” للطيب بوحنانة.
وعلى صعيد متصل، سيشهد المهرجان تنظيم عدد من الندوات التي سيتم تخصيصها لمقاربة جملة من الموضوعات المتنوعة، حيث ستقارب ندوات المهرجانات موضوعات من قبيل “مساهمة السينما في إعادة تشكيل السرديات السينمائية، والتصورات الاجتماعية، وقضايا الهوية المرتبطة بالهجرة”، و”دور السينما في اقتراح إجراءات عملية، وسياسات فعالة للاستجابة لأزمات الهجرة والبيئة”، و”صورة المهاجر لدى الآخرين في السينما”، سيؤطرها مجموعة من المسؤولين والخبراء أبرزهم رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج إدريس اليزمي، وعضو اللجنة الأممية لحقوق المهاجرين محمد شارف، ورئيسة المنظمة الدولية للهجرة لورا بالاتيني، ووزير الطاقة والمعادن المغربي الأسبق محمد بوطالب.
وأكد مومن السميحي، رئيس لجنة تحكيم الفيلم الطويل لـ”العرب”، أن مهرجان السينما والهجرة بأكادير ينفرد ضمن خارطة المهرجانات بكونه متخصصا في المعالجة السينمائية لموضوعة الهجرة، حيث إن هذه المشكلة، كانت ولا تزال، من المآسي الإنسانية الأولى التي تتطلب اهتمام المسؤولين من كل المشارب، مشددا على أن هذا المهرجان صار حدثا عالميا إذ وصل اليوم إلى سن النضج، وهذا شيء مهم، لأن المهرجانات التي تصل إلى هذا العمر قليلة جدا.
وأكد المخرج عادل الفاضلي، رئيس لجنة تحكيم الفيلم القصير، لـ”العرب”، أن هذه الدورة تشكل محطة مهمة في تاريخ هذا الحدث، مما يثبت استمراريته ونجاحه، وأن هذا الرقم يعكس قوة هذا المهرجان الذي، بفضل موضوعه، يجذب سنويا العديد من المخرجين الراغبين في مشاركة أعمالهم مع جمهور واع وشغوف بالسينما.
وأوضح أن هذا المهرجان يجد فيه جمهور السينما المتعطش لاكتشاف رؤى سينمائية جديدة فرصة فريدة لاستكشاف أعمال ومخرجين من مختلف الآفاق.
وكما في كل سنة، حرص المبرمجون هذا العام على تقديم مجموعة متنوعة وجديدة من الأفلام تعكس التنوع والغنى الذي تتميز به السينما المعاصرة. ويقول الفاضلي إن “المهرجان يسير نحو مستقبل مشرق، ونأمل في أن يستمر في الحصول على دعم قوي من السلطات وشركائه، مما يضمن استمراريته وتألقه في المشهد الثقافي الدولي”.
وحسب بلاغ للجمعية المنظمة للمهرجان، فإن هذه الدورة ستكون فرصة سانحة لجمهور المهرجان لمشاهدة آخر الإنتاجات السينمائية المغربية، حيث سيعرض فيلم “العربي” للمخرج المغربي إدريس المريني على طريقة الوصف السمعي لفائدة المكفوفين، كما سيتم عرض فيلم “ضاضوس” للمخرج عبدالواحد مجاهد، وفيلم “لي وقع في مراكش يبقى في مراكش” للمخرج سعيد خلاف لفائدة نزلاء المؤسسة السجنية بآيت ملول.
أما متدربو المهن السينمائية فسيستفيدون بمركز الوسائط الجديدة والفنون الحية “وينغ” من جملة من الورشات التدريبية، والماستر كلاسات التي سيؤطرها كل من الكاريكاتيريست محمد الخو، والمخرجان هشام ركراكي وعادل الفاضلي، والمنتجان المهدي أمسروي وتوفيق الرايس.
من جهته قال عزيز العماري، مدير المهرجان “فخورون رفقة شركائنا، بقدرتنا على بلوغ الدورة العشرين للمهرجان الدولي للسينما والهجرة وذلك رغم العدد الكبير من العراقيل التي واجتهنا أثناء إعدادنا لهذه النسخة الاستثنائية. لذلك لا بد من أن أتوجه بالشكر إلى جميع شركاء وأصدقاء المهرجان، وعلى رأسهم والي جهة سوس ماسة، ومجلسا الجهة والجماعة الترابية لأكادير.. ونعد جمهور المهرجان بأن الدورة الحالية ستكون غنية على مستوى برمجتها الفنية والأكاديمية”.
واعتبر إدريس مبارك، رئيس المهرجان أن الدورة الحالية للمهرجان الدولي السينما والهجرة بأكادير بالنسبة لنا دورة مميزة، حيث سنحتفل فيها من جهة أولى بإطفاء المهرجان شمعته العشرين، ومن جهة ثانية بحصول جمعية “المبادرة الثقافية” المنظمة للمهرجان على صفة المنفعة العامة. وهذه الصفة تعني لنا الشيء الكثير، لاسيما وأنها تستبطن تتويجا رمزيا للمجهودات التي تبذلها الجمعية للمساهمة في إرساء فعل سينمائي محترف وخلاق بوسعه أن يعيد صياغة مكانة السينما المغربية على خارطة السينما العالمية.
ومن المتوقع أن تشهد هذه الدورة حضورا مميزا لشخصيات فنية وثقافية مرموقة، بالإضافة إلى عروض أفلام عالمية وندوات ومناقشات حول مواضيع الهجرة وتأثيرها على المجتمعات. ويُنتظر أن يكون هذا المهرجان فضاءً للحوار الثقافي والفني بين ضيوف المهرجان والجمهور المحلي والدولي.
ويقول المنظمون إن المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير قد أسس لنفسه مكانة مرموقة على خارطة المهرجانات السينمائية الكبرى، ليس فقط كحدث فني ولكن أيضا كمنصة للتوعية وتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها المهاجرون في مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا الصدد لفت المخرج أحمد المعنوني لـ”العرب” إلى أن تكريمه في هذه الدورة من المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير هو “اعتراف بمسيرتي السينمائية، ولا يرمز فقط إلى تقدير أعمالي السابقة، ولكنه أيضا احتفاء بالسينما كفن لنقل الأفكار والثقافات، وبالنسبة لي أعتبر هذا التكريم مسؤولية جديدة. فكل تكريم يذكرني بأهمية الاستمرار في الابتكار والإبداع وتشجيع الأجيال القادمة من صناع الأفلام على استكشاف آفاق جديدة مع البقاء أوفياء لجذورهم الثقافية”.
ويعتقد أحمد المعنوني أن “انفتاح المهرجان على الوسط الجامعي أمر بالغ الأهمية. فاللقاء بين مهنيي السينما والطلبة يخلق تفاعلات غنية ومثمرة، ويمنح الطلاب فرصة للتعلم بشكل مباشر، كما يتيح لصناع الأفلام فرصة سانحة لرؤية كيف يلهم عملهم ويؤثر في الجيل الجديد. السينما لا يجب أن تكون مجرد مادة للاستهلاك؛ بل تجب مناقشتها وتحليلها وتفكيكها، والجامعة هي أحد أفضل الأماكن لتحقيق ذلك. لقد نجح المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في ترسيخ مكانته سواء في المغرب أو على الساحة الدولية”.
ويتابع أنه “خلال عشرين عاما، أصبح منصة هامة للاحتفاء بالتنوع الثقافي وغنى السينما المغربية. إن التزام المهرجان تجاه الأفلام المحلية والدولية فتح آفاقا جديدة لصناع الأفلام لعرض أعمالهم أمام جمهور أوسع والتفاعل مع الفاعلين الآخرين في هذا المجال، وهذا المهرجان ليس فقط انعكاسا لتطور السينما المغربية، ولكنه أيضا لاعب رئيسي في اعتراف العالم بها”.
ويدخل مسابقة الفيلم الطويل عدد من الأفلام منها فيلم “الأخوة” لنورا الحرش، وفيلم “أوغور” لبالوجي تشياني ، وفيلم “عصفور الجنة” لمراد بن الشيخ، وفيلم “آيو كابيتانو” لماثيو جاروني، وفيلم “ما فوق الضريح” لكريم بنصالح، وفيلم “قصة سليمان” لبوريس لوجكين، وفيلم “الحدود الخضراء” لأنييسكا هولاند، وفيلم “الأشباح” لجوناثان ميليت ، وفيلم “زوفتكس” لنواز ديشي ، وغيرها.