11المميز لديناشخصية ذات بصمة

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

شخصية هذا الأسبوع ليس شخصية فقط ذات بصمة بل إنه لم يكن طيفًا عابرًاً حاله حال الكثيرين ممّن مروا في المناخ الأدبي العربي عبر العصور، لقد حرص شاعرنا على أن يحفر أثره على صخر من الصعب أن يمحوه الزمن  ومن المستبعد أن يطويه النسيان ، فهو من طليعة الشعراء والأدباء العرب الكبار المبدعين كما كان  نشيطا جدا وفعالا على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي الكويتي  ، وهو من أهم الرُّوَّاد والمساهمين في تطوير وارتقاء وتألق مسيرة الشعر والأدب العربي ، و وفاء وتقديرا وحبًّا وعرفانا لعطائه الإبداعي المتواصل وتقديرا لمكانته ومنزلته العالية : أدبيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا . في هذه الصفحة فتحنا  أهم المحطات في حياته ومسيرته الأدبيَّة والثقافيَّة .

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

الشخصية ذات البصمة لهذا الأسبوع هو الشاعر علي بن حسين السبتي

نشأته وطفولته:

علي حسين السبتي شاعر وكاتب وأديب، يحمل الجنسية الكويتية،  من مواليد سنة (1935) ميلاديًا، في حي القبلة بالكويت، في سنة الهَدّامة، كما تُعرف في الكويت، وقد سبقه أخ في الميلاد اسمه “بدر”، توفي وعمره سنتان بعد أن أصيب بمرض الجدري الذي أصاب الكويت حينها. وسمي (علي) على اسم جده لأبيه، الذي توفي قبل ميلاده بقليل.

ولد في بيئة بحرية فقد كانت أسرته بحرية لم تعرف غير البحر مصدرًا  للرزق،  عاصر الحفلات التي كانت تقام احتفالا بمولد النبي عليه الصلاة السلام التي كانت تقام في الكويت في ذلك الوقت وتقوم على الطريقة الصوفية، عاش في منزل بسيط وسط أهله البسطاء الذين يعملون جميعا لكسب قوت يومهم.

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

فقد كان والده غواصاً من الطراز الأول، يعمل في الغوص صيفاً، وفي السفر شتاءً، يمضي معظم وقته طوال العام بين أمواج البحر وأهواله، وبعد كساد مهنتي الغوص على اللؤلؤ والسفر واستقرار الناس في المدينة إثر تدفق النفط في الكويت وبناء الميناء النفطي ترك والده مهنة الغوص وراح يعمل في ميناء الشعيبة غواصاً بالمعدات البحرية الحديثة، وبسبب ما كان يعاني من ألم مزمن في أذنه أصابه إثر حادث قديم تعرض له في أثناء تحميل الأخشاب على السفينة في “النيبار”، ترك والده العمل في البحر وتوجه للعمل -لفترة قصيرة- في شركة النفط الكويتية (K.O.C)، ثم عمل حارساً في ميناء الشويخ، فما لبث أن حصل على دفتر دلّال (إجازة دلّال)، فترك حراسة الميناء، وصار يعمل في مهنة الدلالة حتى توفي رحمه الله وعنه قال السبتي :

كأنه السندباد

من سفرٍ قد عاد

يحمل دانات لشهرزاد

تلك التي من أجلها يموت

لتعمر البيوت

رأيتُ في جبينه الأسمر

آثار حوت يحمل العنبر

يفتق العبير

لينتشي بعطره سرير

غير الذي تنام فوقه أمي

فتأكل السكين من لحمي

تمص من عظمي

أبي الذي رأيتُ وجهه في الماء

مازال بينكم، لكنما تختلف الأسماء

أما والدة السبتي فهي شريفة الصالح السبتي، ابنة عم والده، وبين شاعرنا السبتي وبينها علاقة فريدة، إذ لا تذكر اسمه في حضوره أو غيابه إلا مردفه اسمه بقولها “علي الله يسلمه”، وأحبها حباً جما وعنها قال ً:

أمي التي أعصابها بدمي

إذ أنجبتني أنجبت قدري

أنا قد رضعت حليب كادحة

وحملت اسم مشرد غجري

نشأة حب القراءة في نفسه :

  • لم يكن السبتي شقياً في طفولته كغيره من أترابه، كان هادئ الطباع، معتدل السلوك، حريصاً على القراءة والمطالعة، يقرأ كل ورقة أو مجلة يعثر عليها أو تقع تحت يديه، وكان يحاول أن يفهم ما يقرأ، وظلت تلك سنته في القراءة وفي فهم الحياة من حوله حتى شب عن الطوق.
  • ما كان اللعب في طفولته همه وشاغله، إنما كانت القراءة هي التي تحتل المكان الأكبر من دائرة اهتماماته ورغباته، وكأنما كان واعيا لأهمية القراءة في الطفولة، ومدى ما يمكن أن يختزله عقل الطفل من معلومات ومعرفة في هذه السن، وعلى الرغم من صعوبة القراءة في الليل في الكويت قديماً، إلا أنه كان ينتظر الليالي المقمرات ليصعد إلى سطح بيتهم ليواصل القراءة في ضوء القمر.
  • عاش في منزل قريب من الكنيسة التي كانت هي الكنيسة الوحيدة في الديرة، واعتاد الذهاب إليها في كل أحد يحب سماع الموسيقى والحفلات التي تقام فيها ويستمتع بالطرب والترانيم التي تقام بها، وهكذا كانت طفولته التي عاشها..
  • منذ طفولته كان يحب القراءة لذلك كان السبتي يقصد المكتبة العامة قبل الذهاب إلى عمله بساعة أو ساعتين، ليتمكن من النقل، كما كان يقصدها أيام الجمعة أيضا، وقد ساعده أمين المكتبة في حينها الأستاذ “ملا محمد التركيت” مساعدة كبيرة، فكان يعيره الكتاب ليوم أو يومين، فينكبّ السبتي على نقل ما يريد من الكتاب ويدع ما لا يشغله جانباً، وربما احتفظ بالكثير من تلك الكراسات والكشاكيل التي كان ينقل فيها ما ينقل من تلك الكتب.
  • لم يحصر السبتي نفسه في دائرة معينة من القراءة، ولم يقيد نفسه بفرع من فروع العلم دون غيره، فقد كان يقرأ في التاريخ والفلسفة وعلم النفس والحقوق والقانون وفي الأساطير وفى علوم القرآن.
  • وكان شديد الحرص على فهم ما يقرأ، يحترم عقله وذوقه، فلا يتعالى عليهما، ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة، لأنه لم يكن يقبل من الأدب والفن إلا ما يفهمه ويهضمه عقلاً وذوقاً

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

 

 دراسته وحياته العلمية :

  • درس السبتي على يد أحد الملالي القرآن الكريم، فقرأه سورة سورة حتى ختمه قراءة القرآن كاملا ، وأقيمت له حفلة تسمى في الكويت قديماً “زفة”، تفيد بأن المحتفى به قد ختم القرآن، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة “الأحمدية” في العام الدراسي 1943 – 1944 م، وكانت تسمى هذه المرحلة الدراسية قديماً بمرحلة التمهيدي، وهي توازي المرحلة الابتدائية اليوم. وكان ناظر المدرسة الأحمدية وقتئذ الأستاذ الشاعر راشد السيف (1900-1972).
  • بعد أن مكث في المدرسة الأحمدية أربع سنوات حصل خلالها على شهادة التمهيدي، التي تعادل شهادة الابتدائية اليوم، انتقل إلى المدرسة المباركية فلم يمكث بها سوى شهرين، حيث درس حتى الرابع متوسط  ليترك بعدها الدراسة في عام 1950م متوجهاً نحو العمل، وكان ذلك نتيجة لحاجته المادية الملحة للعمل، وتوفير المال لأسرته، ومساعدة والده على أعباء الحياة اليومية.
  • ثم عاد في الخمسينيات وانتسب إلى “معهد الجوهري” في القاهرة، ودرس عن طريقه المحاسبة بالمراسلة، وأمضى قرابة العام، ثم ترك الدراسة مرة أخرى إلى غير رجعة، حيث وجد له في الحياة مدرسة أكبر وأشمل أفاد منها وعن ذلك قال :
  • ربيت نفسي على الأخلاق من صغر
  • فكيف أخشى على نفسي من الكبر
  • وعن تلك المرحلة يقول السبتي: “أما عن مراحل حياتي العمرية، فإنني فجأة وجدت نفسي قد حملت مسؤوليات كبيرة، وكُلفتُ بمهام جسيمة، تفوق طاقتي، وتكبر سني، فقد كنت أعمل بمقدار أربعة أشخاص، إنني أشعر أنني كبرت فجأة ولم أشعر بمراحل الحياة العمرية من طفولة ومراهقة ورجولة، فقد انتقلت من فترة الطفولة إلى الشباب بسرعة لا أكاد أميز فيها بين مراحل حياتي العمرية…..”:

أنا ما شكوت لغيرِ ذي ثقةٍ

حمَّلْتُهُ ما ضـجَّ في صدري

عمري الذي قد ضاع بين هوىً

لا يُستـطابُ وآخـرٍ عُذري

ومضـت سنيني كلُّها تعبٌ

ما طاب لي يومٌ مدى عمري

حمّلـتُ نفسي فوق طاقتها

وحَمَلتُ همَّ الناسِ من صغري

مجالات حياته العملية :

العمل في الدلالة والتجارة:

  • التحق في العمل في سن صغير وذلك لحاجته المادية الملحة للعمل، وتوفير المال لأسرته، ومساعدة والده على أعباء الحياة اليومية، فعمل ببداية حياته العملية -وفي سن مبكرة- في مكتب دلّال محاسباً، وقد اكتسب في هذه المهنة الثقة بالنفس، كما حظي بتقدير الناس.
  • ترك السبتي مكتب الدلالة في عام 1952، بعد أن أمضى قرابة العامين فيه، ليلتحق بالعمل عند السيد دخيل الجسار صاحب مكتب تجارة عامة ومقاولات. وتدرج في العمل في هذا المكتب حتى بلغ منصب مدير عام، وفي 1974 ترك السبتي مكتب دخيل الجسار وفتح وصديق له دكاناً للدلالة في سوق الأسهم (سوق المناخ)، وقد احتلت هذه الفترة مساحة كبيرة في تجربته الشعرية تضمنها ديوانه الثاني “أشعار في الهواء الطلق”: حيث في 1982م تعرض سوق الأسهم الكويتية لأزمة مالية سميت في حينها “أزمة المناخ”، فلم يعد سوق الأسهم قادراً على سد احتياجات العاملين به، عندئذ يمّم السبتي وجهه إلى العمل الصحفي.

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

العمل في الصحافة :

كان له مساهمات في مجال الصحافة  حيث كان منبتّ الصلة بالصحافة المحلية والصحافة العربية، فهو ابن جيل النضج الصحافي الذي جاء بعد جيل الرواد، والذي أخذ يرسخ وجوده ويعتمد على الصحافة في إبداء رأيه أو نقد مجتمعه، أو الإسهام في التخطيط لمستقبل أفضل. وكما كان لعمل السبتي في سوق التجار أثر كبير في حياته وتجربته الشعرية، كان أيضاً للصحافة تأثيرها المباشر والواضح في هذه التجربة.

ففي عام 1967م عرض عليه الأستاذ عبدالله بشارة صاحب امتياز مجلة اليقظة، التي تصدر أسبوعياً في الكويت، أن يتولى رئاسة تحريرها، فقبل السبتي عرض بشارة، وصار يذهب للمجلة يومياً بعد أن يفرغ من عمله في شركة دخيل الجسار

وكان السبتي يدير المجلة بحسٍّ وطني ووعي قومي، ينظر إلى مصلحة البلاد والعباد قبل أن ينظر إلى الكسب المادي، ويتطلع إلى مصلحة الأمة العربية قبل أن يسعى إلى المصلحة الفردية، وقد حدد السبتي أهداف المجلة وسياستها في أنها مجلة تقدم خبراً صادقاً وفكراً نيراً، لا تنافق ولا تداهن، ولا تبيع نفسها للغير، وكان من المتوقع أن تخسر المجلة لالتزامها بهذه المبادئ وتلك الأعراف، التي لا تنسجم مع مصالح الغير، فلم تحصل المجلة على أيّ دعم مالي سوى ما كانت تخصصه وزارة الإعلام للمجلات والصحف المحلية.

في 1982م عرض عليه صديقه رئيس تحرير صحيفة “السياسة” الأستاذ أحمد الجارالله أن يتولى إدارة مطبعة السياسة، أو أن يكون المدير المالي للصحيفة، أو يتولى رئاسة وحدة النظم والمعلومات في الصحيفة، فآثر السبتي الكتابة الصحافية على تلك المناصب الإدارية، وبدأ يكتب زاويته شبه اليومية والتي عرف بها وعنوانها “من الديوانية”.

ثم ترك صحيفة السياسة مرغماً، وراح يكتب في “صحيفة الوطن” زاويته التي حملت العنوان نفسه، ثم عرضت عليه “صحيفة الأنباء” الانضمام إلى أسرة كتابها فوافق، ونقل زاويته إلى صحيفة الأنباء، حتى شاء الله أن يتوقف عن الكتابة الصحافية، ويكثف من كتابته الشعرية.

مسيرته الأدبية :

يعتبر من الذين ساهموا بعطائهم الشعري في بدايات الحركة الشعرية الحديثة في الكويت كذلك

  • تولى رئاسة تحرير مجلة اليقظة، وشغل منصب مدير عام احدى المؤسسات الأهلية
  • عضو رابطة الادباء في الكويت وجمعية الصحافيين ، وكان لكل من حوله الأب والأخ والناصح والصديق والزميل، وليس بالمصادفة إطلاق البعض عليه لقب «حكيم الرابطة»، لما تمتع به من شخصية وقورة ومتزّنة تحكم بالقضايا المتجادل فيها بإنصاف وعمق، وببعد مدى ورؤية شمولية لمنفعة الجميع.. عاش كبيراً ورحل حاملاً صمته ورفعته وتوقه إلى الجديد دائماً.. ومع اعتكافه في السنوات الأخيرة في بيته بسبب المرض، إلا أن أصدقاءه ومريديه من أعضاء الرابطة لم يتوقفوا عن زيارته، ويتبادلوا وإياه تطورات الوضع الثقافي وآخر الإصدارات الأدبية.
  • مارس مهنة الكتابة والنقد في الدوريات العربية، وكتب مقالة اسبوعية بصحيفة الأنباء تحت اسم «من الديوانية»، وآخر مقالة كتبها كانت عن جمعيات النفع العام سنة 1996.
  • في الخمسينيات وانتسب إلى “معهد الجوهري” في القاهرة، ودرس عن طريقه المحاسبة بالمراسلة، وأمضى قرابة العام، ثم ترك الدراسة مرة أخرى إلى غير رجعة، حيث وجد له في الحياة مدرسة أكبر وأشمل أفاد منها.

دواوينه الشعرية ومؤلفاته :

صدر له ثلاثة دواوين أولها بعنوان «بيت من نجوم الصيف» صدرت الطبعة الأولى عام1969م ، ثم ديوان (أشعار في الهواء الطلق) في عام 1974· وديوان «وعادت الأشعار» في عام 1997، وله عشرات القصائد التي نظمها ولكنه لم يضمنها دواوينه الثلاثة.

  • وصدرت الطبعة الثانية من ديوان بيت من نجوم الصيف عام 1982
  • كتب السبتي عن المدينة ثلاث قصائد هي حسب ترتيبها الزمني:
  • عودة إلى الأرض الخراب سبتمبر 1964
  • الليل في المدينة ديسمبر 1964
  • مدينة ناسها بشر ديسمبر 1966

 أسلوبه الشعري :

عاش السبتي حياة الكويت القديمة بكل ثبات الواقع الاجتماعي وتقليديته المتمثلة في استقرار قيم مناخه الثقافي، وعاش مرحلة التطور الاجتماعي وشهد بكلِّ وعي وإدراك سرعة هذا التطور، ومدى انعكاسها على حركة المجتمع الطبقية وتعقدها، وإدراك شاعرنا حقيقة الصراع التقليدي المشروع بين جيل المحافظين، ممن استقرت ذهنيتهم على قناعات الماضي في الحياة والثقافة والفن، وبين جيل الشباب المنسجم بطبعه مع حركة التجديد”.

  • امتاز أسلوبه بالوضوح والشفافية، مع قدرته الرصينة على الالتزام بالتراكيب اللغوية، كما تدل معظم قصائده على علاقة ذلك بالإنسان والأرض والذات والغربة والاغتراب، فقد كان صادقاً مع نفسه ومع الآخرين كونه عاش وتوفي كجزء منهم، بالرغم من أن قصائده أحيانًا تعكس ذاته التي هي جزء من ذات الآخرين، وجزء من قضايا المجتمع.
  • قصائد الشاعر علي السبتي قد حفلت بهموم المسحوقين والمهمشين من الفقراء والمضطهدين، واتسمت بنبرة تعلو أحيانا لتجيء مباشرة، شأن الغالبية العظمى من الشعر ذي التوجه الملتزم في مطلع النصف الثاني للقرن العشرين.
  • لم تغب عن شعره قضاياه القومية، التي شغلت اهتمام جملة المبدعين والمثقفين العرب أمثاله، أيام سيادة الفكر القومي التقدمي على الساحة السياسية، حيث كانت مجلة «الآداب» اللبنانية احد أشهر المنابر الأدبية المعنية، فلم يتردد في نشر بعض قصائده على صفحاتها.
  • الأرت الشعري له جعل أشعاره تدرس ضمن مناهج وزارة التربية، وقصائده يرددها الطلبة على مسامع أساتذتهم لشاعر متمسك بالأصالة، رغم ميله إلى التجديد وانتمائه للجيل الثاني من شعراء الكويت، أمثال عبدالله زكريا الأنصاري، وعبدالرزاق البصير، وخالد سعود الزيد
  • جاءت قصيدة “رباب” في العام 1955م لتسجل للسبتي الريادة والأسبقية، باعتباره أول شاعر كويتي يكتب قصيدة على نمط الشعر الحرّ (شعر التفعيلة)، معلناً بها خروجه على التقاليد الشعرية القديمة، ومرسخاً بها شكلاً شعرياً جديداً أخذ يشق طريقه في حركة الشعر الحديث في الكويت، فهو ذو تجربة واسعة في الحياة وفي الأدب وفي الشعر، كما أطلق عليه لواء التجديد.
  • في أغلب قصائده نجد ذلك التنوع في الإيقاعات وتتحدد الاتجاهات الفنية ويتحول الهم الذاتي بصوره التعبيرية إلى همِّ إنساني وطني يرفض القهر والظلم والاضطهاد، كما يرفض التخلف والتسلط بجميع أشكاله ومظاهره من أجل بناء مجتمع أفضل.
  • تميزت تجربته الشعرية الغنية بالحداثة والتجريب بوضوح العبارة وشفافية الرمز والتعبير الوجداني الذاتي، كما تتميز بتسجيل وتصوير المشكلات الاجتماعية والوطنية والتقاليد الموروثة وعلاقة ذلك بالإنسان والأرض والغربة والاغتراب. وهناك علاقة وطيدة بين الشاعر علي السبتي وبين المفردات الشعرية والكويتية والذات والآخرين.

نماذج من شعره :

من أولى قصائده عام 1955، وعنوانها «رباب»، يقول السبتي:

بمن انشغلت يا رباب قولي لا تحابي؟

أبشاعر حلو القوافي ذي أغاريد عذاب..

أما تغني، تطرب الدنيا وتهتز الرحاب

غناك أروع ما لديه، فأنت فينوس الجميلة..

أبهى من القمر المشع يطل من خلف السحاب

أم بالغنى المترف الرحب الجناب؟

رب القصور تطاولت حتى السحاب..

و«الكاديلاك» تجوب أنحاء المدينة..

تحكي على الدنيا حكايات حزينة..

تروي حكايا الظلم والعرق المذاب..

قصص امتصاص المال من تعب الشباب

رب «الكاديلاك» الجميلة يا رباب..

نشر الدمار بأمتي.. نشر الخراب..

من دمع هذا الشعب راح

يعب كاسات الشراب

بمن انشغلتِ يا رباب يا أمل المعنى

يا من خَلقتُكِ من هواي البكر لحنا

لحنا كما شاء الغرام وشئت أنت

يبقى على الأيام أقوى من تصاريف الليالي

من مال قارون يجر على الدنيا زهوا ذيوله

المال يغدقه فيجري كالجداول كالبحور

في قصيدة كتبها في بداية عام 1965، بعنوان: «في الليل يذوب الجليد»، وتفصلها عشر سنوات عن قصيدة «رباب»، يقول السبتي:

عيناك من خلف الستارة تبسمان..

ويداك تضطربان حين تلوحان..

وتلوح من شفتيك إذ تتأوهان.. لي دعوتان..

خلي المكان وذوَّب الليل الزمان

نام «الغراب».. ألست تسمع؟

نام أرهقه السعال

يا ليته لا يستفيق.. أكان ما أبغي محال؟

ومناي لو نوم اللحود ينام، كي ما أستريح

وأريح قلبا من تشبثه جريح

ماذا لو اني لم أكن بنتا أصيلة؟

لو كنت مثل الأخريات لفزت بالفرص الخضيلة

لو كنت مثل سعاد أو ليلى لعشت كما أريد

بنتا تريد فتستطيع وليس والدها يريد

فيمزق الروح البريء صيانة لدم القبيلة

من أن يلوثه دم من بعض أبناء العذاب

يا مجد آباء تعفر بالتراب

سأدوسه لأظل غانمة شبابي

إن باع أهلي جسمي الريان للمال الوفير

فلقد وهبتك قلبي الصخاب بالدم والشعور.

قصيدة «رسالة إلى صديقة مثقفة»، كتبها في نهاية عام 1965 أيضا، حيث يقول:

صديقتي،

إذا سمعت يوما أني أحب..

وأنني أبيت لا أنام

لما يهيج بي الغرام

فلا تصدقي – وحق روحك – الكلام

مازلت من عرفت، قلبه بدون قلب

أود أن أحب أن أذوب أن أطب..

تكون لي حبيبة، رباب أو سمر

فذاك لا يهم

ما أبتغيه أن أحس بالحنين بالألم..

صديقتي

قد كنت في الصغر

عشقت بنت جارنا التي في عينها حور

وفي حديثها فتون

وكنت حينما تمر

أقول ما أريد أن أقول بالعيون

وبعدها

حلَّق فوق دارها

نسر أخاف أهلها

فشالها

وخلَّفت فؤاد من أحبها

تسحقه الظنون

من ديوانه الثاني “أشعار في الهواء الطلق”:

وكم في السوق من شرف مباع

وكم في السوق من فكر مضاع

هو الدينار يحكم كل شيء

كأن القوم في غاب السباع

تأمل في الرجال ترى كبيراً

إذا مارزته بعض المتاع

يتاجر في السهام وفي أمور

إذا ذكرت خجلت من استماعي

في قصيدة له بعنوان «دع عنك» نقتطف منها البيتين التاليين:

دع عنك ما في الأمر من سرَّ

أو ما عرفت مسالك الأمر!

فعلام تخش.. من مماطلة

في كل وعد لونها يغري

قاوم جراحك فالدنى عجب

إلا عليك.. السرَّ كالجه

السبتي كان هاجسه الإنسان والتجديد في الشعر

 

دراسات نقدية حول شعره:

تناولت الكثير من الدراسات النقدية أشعار علي السبتي منها:

ـ كتاب الدكتور إبراهيم عبد الرحمن محمد (بين القديم والجديد)، دراسة في الأدب والنقد 1987·

ـ كتاب الدكتور محمد حسن عبد الله (التيار التجديدي في الشعر الكويتي)، دراسة في المضمون والشكل 1989·

ـ كتاب الدكتورة سعاد عبد الوهاب العبد الرحمن (الاغتراب في الشعر الكويتي)، حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت 1994·

في عام 2005 م صدر كتاب  بعنوان «علي السبتي.. شاعر في الهواء الطلق» للروائي إسماعيل فهد إسماعيل، عن دار الحوار للنشر والتوزيع في اللاذقية بسورية، وهو دراسة تتناول الإبداع الشعري للشاعر الكويتي علي السبتي عبر رحلته الطويلة مع الحياة على مدى نصف قرن سواء في الشعر العمودي أو في الشعر الحديث. وعن ثقافة السبتي يقول المؤلف لقد شغف الشاعر علي السبتي بمؤلفات سلامة موسى وكتب زكي مبارك ومؤلفات طه حسين والمازني وعباس محمود العقاد ومصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران

ماذا قالوا وكتبوا عنه؟

وقال الناقد الدكتور محمد حسن عبدالله في دراسة له عن ديوانه «وعادت الأشعار»: «في القراءة الشاملة لأشعار علي السبتي سنجد التواصل الدرامي واللغوي جنبا إلى جنب، في معارضته لقصيدة الشاعر الدكتور خليفة الوقيان: (المبحرون مع الرياح) يسوط السبتي المتواكلين النهمين للأخذ دون عطاء، فيقول: (جربتهم عشرين موجعة)، وهنا يقول: (أخفيت عني من عشرين عاطفة) (ص25)، بل إنه في ديوانه الثاني، في قصيدة: (هكذا غنى فهد العسكر) يستخف بالمتفاخرين بالأنساب، ويعلي من شأن الانتماء إلى الكادحين المتحررين من أغلال عراقة مدعاة»:

سالم عباس خدادة: (لا تخلو قصائد علي السبتي من أسلوب التكرار الذي يأتي به لدعم إحساس معين أو تصوير موقف محدد».

ويرى الدكتور عبدالله العتيبي أن شاعرنا السبتي عاش تجربة التغيير الاجتماعي في الكويت، فهو بحق: (من جيل مخضرمي الكويت، عاش حياة الكويت القديمة بكل ثبات الواقع الاجتماعي وتقليديته المتمثلة في استقرار قيم مناخه الثقافي، وعاش مرحلة التطور الاجتماعي، وشهد، بكل وعي وإدراك، سرعة هذا التطور، ومدى انعكاسه على حركة المجتمع، واتساع مكونات هذا المجتمع الطبقية وتعقدها، وأهم من ذلك كله إدراك شاعرنا لحقيقة الصراع التقليدي المشروع بين المحافظين وجيل الشباب المنسجم بطبعه مع حركة التجديد).

وقال الناقد والكاتب فهد توفيق الهندال: «عندما تلتقي معه، يقيم لك، أيا كان مقامك، وزناً بما يفوق وزن الذهب، يضمك بحنانه الرحب، ويفسح لحديثك فضاء العقل ونقاء القلب، لترحل مع دخان سيجارته إلى ماضيه البعيد، فتقترب من دقات قلبه العتيد، الذي راقب الزمن بكل أفراحه وأتراحه… ما زلت احتفظ بهديته الغالية لي، كتاب «النثر الفني في القرن الرابع» لزكي مبارك الذي جاء بعد نقاش عابر في إحدى جلسات المنتدى، حول قضية الكتابة النثرية وتوظيفها إبداعياً كلغة أكثر منها سرداً، فما كان منه– حفظه الله– إلا أن أحضر لي هذه الهدية الغالية والباقية في اللقاء التالي، وهي نســـــخة قـــــديمة جــــــداً – طبعة 1934 – ومــــن مكتبته الخاصة التي لم يبخل بـــــها على أحد من جيله أو من جيلنا».

وقال الروائي إسماعيل فهد إسماعيل أن علي السبتي احد أهم شعراء الخمسينات، الستينات، السبعينات، الكويتيين للقرن الماضي (العشرين).. ولا يزال ـ حتى يومنا هذا ـ شاعرا فاعلا ومؤثرا، بصوته الخاص به، ومنحاه الملتزم بالشعر الحديث (شعر التفعيلة) دون ان يقطع جذوره بالعمود.. تماما، على الرغم من كونه أول المتمردين عليه بلا منازع، منذ قصائده المبكرة التي صادفها حظ النشر، وأبرزها قصيدة (رباب) عام 1955م.

اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

 وفاة الشاعر علي السبتي:

توفي الشاعر الكويتي علي السبتي، في الخامس من يوليو  2021 م وذلك عن عمر ناهز 85 عاماً، وذلك مع معاناته مع المرض في السنوات الأخيرة له، حيث عاني الشاعر الراحل من تدهور حالته الصحية وادخل على إثرها إلى المستشفى الأميري في الكويت، من أجل تلقى العلاج، ولكن تدهورت حالته الصحية بشكل كبير حتى  توفي. ليرحم الله فقيد  الشعر الإنساني ،  وليسكنه فسيح جنانه

يمكنكم مشاهدة بعض اللقاءات له من هذا الرابط:

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88