التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

ابن بطوطة أعظم مستكشف في التاريخ

ابن بطوطة هو أعظم الرحالة المسلمين قاطبة، وأكثرهم طوافًا في الآفاق، وأوفرهم نشاطًا واستيعابًا للأخبار، وأشدهم عناية بالتحدث عن الحالة الاجتماعية في البلاد التي تجول فيها. حقًّا إنه لم يكن فقيهًا دقيق الملاحظة سليم الحكم مثل ابن حجر، ولكن حديث رحلاته الطويلة غني بالأحداث، يشع بالحياة، ويشهد بأن ابن بطوطة كان من المغامرين الذين لا يقر لهم قرار، ومن الذين يدفعهم حب الاستطلاع والرغبة في الاستمتاع بالحياة إلى أن يركبوا الصعب من الأمور.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية


ولد محمد بن بطوطة في مدينة طنجة (المغرب) في عام ٧٠٣ ﻫ/١٣٠٤ م، وكان ينمتي لأسرة عريقة ومرموقة المكانة، أتيح للعديد من أبنائها الوصول إلى مناصب عالية في العلوم الشرعيّة، وكان رجالها من علماء القانون، فنشأ ابن بطوطة على العلم وحب الاطلاع والمعرفة، وبسبب عدم وجود مدرسة أو كلية للتعليم العالي في مدينته ذهب لطلب العلم والبحث عن أفضل الأساتذة والمكتبات في المدن الأخرى مُسافرًا برحلته الطويلة حول العالم.

مسيرة ابن بطوطة الاستكشافيّة

بدأت مسيرة ابن بطوطة كرحالة مُستقل ووحيد عندما كان عمره 22 عامًا، في تاريخ 14-6-1325 ميلاديًا عندما عزم على الذهاب لأداء فريضة الحج وزيارة مكة المكرمة، فغادر مسقط رأسه مدينة طنجة بحزنٍ شديد، وشوقٍ ثقيل لوالديه وأحبته وأصدقائه، فلم يكن له أنيس ولا شريك في رحلته، ولا قافلة يتبعها، وأخذت رحلته مُنعطفات مُختلفة وأوقفته في أماكن عدة:

بداية الرحلة من مدينة تلمسان في الجزائر إلى تونس: خرج ابن بطوطة من المغرب إلى بلاد الحجاز فمر بتلمسان وغادرها ليمر بمدينة مليانة، وتابع مسيرته برفقة مجموعة من تجار تونس وصولًا للجزائر، ليمر بسهل ميتجة الخصب وجبل جرجورة، ومن ثم وصل إلى مدينة بجاية، ثم اتجه نحو قسنطينة ليُتابع الطريق إلى بونا، ويستمر من بعدها حتى وصل تونس التي شعر فيها بمرارة الوحدة وتأثر وبكى كثيرًا.

الانطلاق إلى مصر: رُشّح ابن بطوطة كقاضي لقافلة الحجاز المغادرة من تونس إلى الإسكندريّة عام 1325 ميلاديًا، وسلك الطريق الساحلي ليمر ببلدة السوسة، وصفاقس، وقبيس، ويتابع مع القافلة باتجاه بطرابلس، في رحلته وبصفاقس التي تزوج منها للمرة الثانية ابنة طالبة من فاس بعد أن شب بينه وبين والد زوجته الأولى في تونس خلاف أوجب فراقها، وتابع رحلته حتى وصل الإسكندريّة عام 1326 ميلاديًا، والتي أبهرته بجمالها ووصفها بإيجاز، مُتحدثًا عن أبوابها ومرساها، كما ذكر المنار وعمود السواري، وأسهب في الحديث عن علمائها من أمثال الإمام الزاهد برهان الدين الأعرج الذي زاد من حبه للتجوال والسفر وأوصاه بزيارة إخوان له في حال سفره إلى الهند أو الصين، مما شجعه للتوجه إلى تلك البلاد البعيدة، وجاب ابن بطوطة نيل مصر ومدنها العامرة فمر بدمنهور أثناء بحثه عن الشيخ المرحدي، إضافةً لدمياط وفارسكور، والفسطاط، والصعيد، ومنفلوط، وأسيوط، وإخميم، والقاهرة التي سافر منها إلى ميناء عيذاب بعد أن جاب الصحراء ولكنه لم يستطع عبور البحر الأحمر بسبب ثورة أميرها على السلطان ناصر المملوكي، وهنا عاد إلى القاهرة مُتجهًا منها إلى فلسطين وبلاد الشام.

التنقل بين فلسطين وسوريا وبلاد الشام إلى الحجاز: وصل ابن بطوطة إلى الصالحيّة في سوريا عام 1334 ميلاديًا ، وعبرها وصولًا إلى غزّة، ثم إلى الخليل، وبعدها إلى القدس وزار هناك بيت لحم، ومُعظم المقدسات التي أعجب بها بشدة ووصفها، مثل: قبة الصخرة، والمسجد الأقصى، وكنسية القيامة وغيرها، وانتقل ليتابع مسيرته إلى دمشق، والتي مدح فيها الجامع الأموي، ومسجد الآثار والعديد من الأضرحة والمعالم، كما أسهب بوصف أهلها المضيافين، وغادرها مع قافلة الحجاج في عام 1336 ميلاديًا ، مرورًا ببصرى ثم الأردن التي لفتته فيها قلعة الكرك، سيرًا باتجاه معان وعبر البادية ليتحضر لدخول الصحراء باتجاه تبوك، عبورًا بوادي جهنم نحو قرية العلا ووصولًا لوجهته الميمونة المدينة المنورة ليدخل الحرم المقدس (المسجد النبوي) ويزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمنبر وباقي الأضرحة المقدسة، وانطلق بعدها باتجاه مكة التي أدى فيها فريضة الحج أبرز أسباب رحلته، ووصف هناك طيب وكرم أهل مكة.

رحلة عبر العراق وبلاد فارس: غادر ابن بطوطة بلاد الحجاز مع قافلة من الركب العراقي وتركها عند النجف ليسير إلى مدينة البصرة، ولم يعد من نفس الطريق باتجاه العراق بل عرج إلى مدن غربي إيران مثل: تستر، وأصبهان، وشيراز، وكازرون، ووصف هذه البلاد وطبيعتها الجميلة وأحوال مجتمعاتها، ثم رجع للعراق وأقام في الكوفة، ثم انطلق من بغداد إلى تبريز، وزار الموصل، ونصيبين، وسنجار، وماردين وعاد من العراق إلى بلاد الحجاز ليؤدي فريضة الحج للمرة الثانيّة، ويدرس في مكة سنة كاملة ويحج مرة ثالثة، ثم أبحر عائدًا إلى اليمن التي قابل سلطانها مارًا بسواكن، وزبيد، وصنعاء التي تزوج منها الغرباء، ليسافر بعدها إلى عدن، ثم إلى الصومال وعاصمتها مقديشو، لينزل في دار الطبلة بأمر السلطان، ثم غادر إلى جزيرة منبسي، وطاف السواحل العربية الجنوبية، مارًّا بمدينة ظفار، وهرمز، وسيراف، والبحرين عبورًا في الخليج الفارسي باتجاه القطيف في اليمامة، ليعرج منها إلى مكة ويُؤدي فريضة الحج مرة رابعة، ورغب بالسفر إلى الهند لكنه لم يستطع فعاد زائرًا مصر وبلاد الشام للمرة الثانية، واللاذقية مُتجهًا لآسيا الصغرى.

رحلة في آسيا الصغرى (الأناضول): استقل ابن بطوطة سفينة من اللاذقية ليجوب بلاد الأتراك ويروي تاريخها بين نهاية سلطة السلاجقة وصعود سلطة العثمانيين، وتابع رحلته عبر البحر الأسود إلى شبه جزيرة القرم، ثم إلى شمال قوقاز، مرورًا بنهر الفولغا إلى عاصمة الخان أوزبيك (مملكة القبيلة الذهبية)، ليقوم برحلة إلى بلغاري في فولغا وكاما، ويزور القسطنطينية (إسطنبول في تركيا)، ثم يعبر السهوب الروسية باتجاه الهند، مارًا بسمرقند، وبخارى، وبلخ، من خلال خراسان وأفغانستان، ويعبر سلسة جبال هندكوش وصولًا للهند، وهنالك عَيّنه حاكمها محمد بن تغلق قاضيًا إلا أنه تعرض للخطر بسبب منصبه، ووقع ضحيةً له، وأنقذَ حظه السعيد حياته ليُعيَّن مبعوثًا من السلطان إلى الإمبراطور الصيني عام 1342 ميلاديًا .

البعثة إلى الصين: غادر الرحّالة دلهي لكن رحلته كانت مليئة بالمخاطر، وتعرض حزبه للمتمردين الهندوس، ونجا بحياته وغرقت سفينته قرب كاليكوت (كوزيكود الآن) ليَفقد جميع ممتلكاته، والهدايا المُرسلة للإمبراطور الصيني، مما أثناه عن الرجوع إلى دلهي ليُسافر إلى جزر المالديف، وهناك نال منصب القاضي، ونَشِط في السياسة كما تزوج امرأة من الأسرة الحاكمة، وسافر بعدها إلى سيرلانكا، وهناك أخبر حاكمها عن قصة سفينته وعاد إلى جزر المالديف وزار البنغال وآسام، وعاد ليستأنف مهمته بالذهاب إلى الصين مُبحرًا إلى سومطرة التي منحه سلطانها سفينةً جديدة مُنطلقًا بها إلى الصين التي أشاد بصناعتها وبفنونها وبسكانها، ونزل فيها في ميناء تشيوانتشو الصيني في شيامين، ثم سافر في الممرات المائية الداخلية للعاصمة بكين، ومن هنا قرر العودة إلى مسقط رأسه إلى بلاد المغرب.

 

العودة إلى الديار: رجع ابن بطوطة إلى مدينة فاس في المغرب، ومنها إلى مدينته طنجة عام 1349 ميلاديًا ، ليجد والدته ماتت بمرض الطاعون، فزار قبرها وقبر والده الذي توفي وهو في دمشق قبل 15 عامًا، ومكث في طنجة أيام قليلة ليعود إليه شغفه للترحال ويُغادر إلى الأندلس.

رحلة من المغرب إلى الأندلس ذهابًا وإيابًا: غادر ابن بطوطة من طنجة إلى مدينة سبتة ومنها أبحر إلى الأندلس، فانطلق من جبلتر وسافر منها عبر جبل طارق إلى روندا، ومنها إلى ماربالا، وذكر بأنه تعرض لكمين أثناء طريقه إلى الملقى، التي اتجه منها إلى عاصمة وعروس الأندلس غرناطة، وزار دار المسنين المقدسة بؤرة العقاب، وبعد مغادرة ابن بطوطة الأندلس عاد إلى المغرب مارًا بالحمة، وبالملقا إلى قلعة دكوان، ومنها مر مجددًا بروندا وعَبَر حبل طارق بسفينته إلى مدينة مراكش الجميلة في المغرب عائدًا منها إلى مدينة فاس في عام 1352 ميلاديًا .

الرحلة الأخيرة عبر الصحراء الكبرى والسودان: انطلق الرحالة إلى سجلماسة، لينضم إلى قافلة تجار ويبدأ رحلته عبر الصحراء الكبرى عام 1353 ميلاديًا إلى تَغازي، ثم إلى تاسرهَلا ثم إلى إيوالأتن، وهي أولى أقاليم مملكة السودان، وعرج منها إلى قرية زاغري عبر النهر الأعظم وصولًا إلى كارسخو لينحدر إلى كابرة وزاغة، ثم إلى يوفي، مرورًا ببلاد النوبة ودنقلة وأخيرًا إلى جنادل، والي التي غادرها عام 1354 ميلاديًا ليمر ببلاد بردامة، ومن ثم تكدا، ومنها سافر إلى مدينة توات مع رفقة كبيرة من الفضلاء والنبلاء، وذلك بعد وصول مرسال يحمل أمرًا من سلطان فاس بعودته إلى الديار،ليمر بكاهر بلاد السلطان الكركي، ثم إلى بلاد هكار، وقرية بواد، ويُسافر من هناك بقافلة إلى سجلماسة التي غادرها إلى مدينة فاس ليُتم بذلك رحلته الطويلة المُسماة تحفة النظار، في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

كتابه

كان الإنتاج الأدبي الوحيد الذي تركه ابن بطوطة خلفه كتابه تحفة النظار في عجائب الأمصار وعجائب الأسفار، والمعروف بكتاب (رحلة ابن بطوطة)، وهو عمل مشترك بينه وبين ابن جزي كاتب السلطان المغربي أبو عنان المريني، فقد كانت كتابته امتثالاً لأوامر الأخير بسبب إعجابه برحلات ابن بطوطة، ويعد كتاباً سلساً يتحدث عن حوادث نادرة وتقاليد غريبة، ولغرابة ما ذكر فيه حول أحوال الهند؛ أقسم ابن بطوطة على صدقه فيما روى وفيما رأى، حيث كان يعرف أن الناس ستشكك في صحة كلامه وصدقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88