تشكيل وتصويرفن و ثقافة

موسوعة العراق المصورة تستذكر فؤاد شاكر عبر ‘ذاكرة مدينة’

لقد كان شاعر الضوء وعاشق بغداد الفنان الفوتوغرافي اللامع الراحل فؤاد شاكر يحلم كما هو حال كل المبدعين من مصوري الفوتوغراف في أن يجمع أكثر من كتاب وربما موسوعة شاملة و متسلسلة إلتقاطاته التي إقتنصها لتكون وثيقة بصرية للأجيال اللاحقة تترسم خطى وحيوات ومعالم وشواخص متنوعة من بلده، فكان مشروع فؤاد شاكر الذي هدف إلى أرشفة بغداد؟ والذي كان يتطلب جهداً استثنائياً هو الذي دفع فؤاد شاكر – قبل رحيله – الى العمل بمثابرة عالية لإكمال مشروعه الذي يمزج بين التصوير الواقعي والهدف الإنساني الجمالي المعتمد على ثقافة المصور وموهبته في ملاحقة اللحظة الهاربة.

في هذا السياق جاء الكتاب الذي صدر ضمن موسوعة العراق المصورة لشبكة الاعلام العراقي، و حمل عنوان “فؤاد شاكر ذاكرة مدينة” لإضاءة وتوثيق إبداعات الفوتوغرافي البارز فؤاد شاكر الجمالية والإنسانية لبغداد المدينة التي سكنته بكل ملامحها اليافعة و الشائخة و المتجذرة والعميقة والراسخة، والتي من جراء و فرط عشقه لها ترك منفاه الاختياري والطوعي في أمريكا ليعود إلى أحضانها و درابينها وأزقتها وشوارعها ومحلاتها والمهن القديمة وأحوال الناس وهمومهم التي تعكسها ملامحهم المتعبة، و الضاجة بالحياة التي أسرته أجواؤها و مناخاتها وبيئتها وتقلباتها يافعاً وشاباً وشيخاً وكهلاً، حاملا كاميرته التي كانت سلاحه الوحيد وعدته التي دافع فيها عن أصالة بغداد وكينونتها المغايرة لكل المدن عربيها و شرقيها وغربيها و أوربيها.. يصوب بعينه الثاقبة نحو مكامن الجمال بالأسود والأبيض، وهو الذي تميز بثقافته ووعيه و نزوعه وسعيه الدائم الى توثيق “بغداد عبر الصورة” حيث كان يؤكد “إني انتمي إلى العصرين، على كتفي الديجيتال، وفي حقيبتي هذه الكاميرا التقليدية”، ويضيف فيقول: “استخدم الكاميرا الديجيتال وفقاً لمبدأ استخدامي للكاميرا التقليدية، بحيث انك لا تستطيع أن تفرق ما بين ناتج الإثنتين حتى وإن كنت خبيراً بأسرار هذا الفن وطرائق تطبيقاته الميدانية والمختبرية، الصورة بالكاميرا التقليدية تدوم لمدة مئتي عام قادمة، لتصبح وثيقة من وثائق التاريخ الممتد، بينما صورة الديجيتال وفي أحسن الأحوال لا تدوم أكثر من خمسة وعشرين عاماً.”مؤكداً “قدمت قصائد بصرية لا تتكرر ولا تشبه إلا نفسي”.

يقول الإعلامي الدكتور نبيل جاسم رئيس شبكة الإعلام العراقي في مقدمة الكتاب: “كان فؤاد شاكر يرث دفء المدينة التي يحبها، بطريقة ما حفظ تلك الأزقة البغدادية من الاندثار في المخيال من خلال أرشفتها فوتوغرافياً، بالأبيض والأسود، إنه زمان مستعاد على الدوام، وحتى لقطاته الحديثة التي كان ينشرها قبل وفاته، هي مستعادة بطريقة ما، وأن البيوت القديمة والشناشيل، والعتالين، والشيوخ، هم منفلتون من لحظتهم الزمنية، ومن علاماتها، فلقطاته هذه تشبه لقطات الخمسينيات لدى ناظم رمزي ربما، وأعني هنا الشخصيات المصورة وليس الزوايا والأسلوب.”، مؤكداً ” الاحتفاء بفؤاد شاكر احتفاء بالعراق الدافيء ، العراق الذي لم تمسه الرتوش، عراق الناس الطيبين، والاطفال الذين ابتسموا عدسة عمو فؤاد، كما نبتسم نحن أمام لقطاته في هذا الكتاب”.

يرى الدكتور نبيل جاسم الذي أطلق سلسلة “موسوعة العراق المصورة” أن “الاحتفاء بعدسة فؤاد شاكر هو واجب أساسي تجاه الهوية الوطنية ومؤرخيها البصريين، وهو جزء من مشروع الهوية الوطنية والذاكرة التي نعمل عليها في شبكة الإعلام العراقي، و أصدرنا من خلاله مصادر مهمة عدة بجهود من عملوا عليها”.

في حين يؤكد الفنان الدكتور فلاح حسن الخطاط الذي تولى مهمة الإشراف والإخراج الفني لكتب “موسوعة العراق المصورة” ومنها هذا الكتاب – الوثيقة وجاء في 160 صفحة بتصميم رغيب أموري الرماحي، وبطباعة أنيقة تمت في مطابع شبكة الإعلام العراقي بإشراف محمود جاسب خضير ” فؤاد شاكر الذي استهواه الفوتوغراف منذ صباه، و امتهنه فيما بعد من خلال ولوجه عالم الصحافة، ليمتلك خواص ومواصفات الفنان الفوتوغرافي المبدع. وإذا ما تفحصنا أعماله من مسيرته المهنية الطويلة ومعارضه الشخصية و مشاركاته العديدة، نجد أن خيطاً أشبه بالطيف أو الحلم يوصل بين العين والإحساس، يلتمع ويتوهج في لحظة ما، ويحوّل الصورة للامألوف، بعد أن يسقط أحاسيسه ومشاعره عليها.”، مضيفاً “لايخفي محبته الغارقة في كل ما هو تراثي، وخصوصيات البحث في صيغ النقل العياني المحسوس لجوانب جمالية يتراقص عليها الضوء والظل لينساب على سطوح الورق الحساس، محاولاً أن يضيف على لقطاته فيض إحساسه بها. مسجلاً أحداثها اليومية ليترك لنا استرجاع وتخيل تلك الأحداث. وثّق وصوّرَ فؤاد شاكر وجعل الظلال الداكنة التي أحبَها محور صوره، معتمداً على اللقطة وما تسجله عدسته على سطح الفيلم من ظل وضوء.”

يتابع الدكتور فلاح حسن الخطاط فيقول مؤكداً بدراية وتمحيص أكاديمي ونتيجة خبراته المتراكمة العملية والأكاديمية الواسعة في إضاءة إبداعات فؤاد شاكر فيضيف محللاً “إن من يتفحص مكامن وزوايا وأسرار (أبنية، أزقة، أسواق، شناشيل، وجوه.. وغيرها) تلك الكيانات العيانية فيما يخص البيئة، سيرى أو يلمح أفعالاً وسلوكيات إنسانية، فالزقاق المُغمرّ بالضوء يتيح للرائي إحساساً بأن شخصاً ما سيهم بالدخول إليه في أية لحظة، أو الشرفات لابد أن يطل منها كائن ما، فهو يمنحنا فرصة الإختيار والتوقع لا شعورياً، بفهم حسي ونفسي من فرط وطأة المدينة عليه وحبه لها.”

يشير الدكتور فلاح حسن الخطاط إلى الجهد المبذول في انتقاء واختيار لقطات الكتاب التي بلغت 147 وكانت غيضاَ من فيض التقاطات فؤاد شاكر المتنوعة “عملنا في جمع أفلام الناكتف وتحويلها الى صور رقمية. لقد بذل تلميذه المصور الفوتوغرافي رغيب أموري جهداً كبيراً في تصحيح وترتيش وانتقاء الصور الملائمة لموضوعة الكتاب، ضمن إصدار هذه السلسلة التي ستكون مصدراً للباحثين والدارسين، وجزءاً مهماً في حفظ ذاكرة العراق البصرية وإرثه الحضاري.” حيث كان القسم الأول من الموسوعة عن “حضارات العراق” الذي جاء في ثلاثة أجزاء ليكون موسوعة مصورة عن تأريخ العراق الآثاري نفذت من الشبكة ذاتها، بالتعاون مع البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف الخاصة العراقية، وتضمنت 600 صورة وثقت لمحات من تأريخ العراق بعدسة المصور المبدع محمد حسن مصطفى جمال الدين بجودة عالية وبطباعة فاخرة جداً.

وهذا ما سوف نلاحظه في القسم الثالث من “موسوعة العراق المصورة” الذي سيكون عن الصيد الجمالي الثمين والفريد، لإبداعات فناني “الفرقة القومية للتمثيل” إحدى أعرق فرق المسرح العراقية والعربية، بعدسة الفنان الفوتوغرافي المبدع علي عيسى على مدى أكثر من أربعة عقود، وكان لي شرف تحريره.. وسيرى النور قريباً جداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى